لماذا تبقى الأنواع على حالها؟

ترادف كلمة التطور بشكل أو بآخر كلمة أخرى هي التغيير، إذ يتغير نوع واحد ويتنوع إلى العديد من الأنواع، وأحيانًا تؤدي كارثة إلى انقراض جماعي في الحياة البحرية، وفي أحيان أخرى يصبح الميكروب مقاومًا لأدويتنا. كل هذه التغييرات، كبيرة أو صغيرة، هي مثال كلاسيكي للتطور. ولكن ماذا عن عدم التغيير؟ معظم الأنواع التي نلاحظها من حولنا اليوم تبدو تقريبًا كما كانت في زمن أجدادنا. يتضمن السجل الحفري العديد من الأنواع التي يبدو أنها لم تتغير على الإطلاق طوال ملايين السنين. فكيف يتوافق هذا الاستقرار الواضح مع نظرية التطور؟ يقدم بحث جديد تفسيرًا واحدًا لهذه الأسئلة.

أين التطور؟

يركز البحث الجديد على تطور (أو عدم تطور) سحالي أنوليس الأربعة الموضحة في الصور أدناه. يتمتع كل نوع بسمات مميزة تساعده على النمو في أجزاء مختلفة من الأشجار. على مدى عامين ونصف، درس الباحثون هذه الأنواع الأربعة في جزيرة فلوريدا، وقاسوا السمات الجسدية للسحالي الفردية ووثّقوا أي منها عاش أو مات لمعرفة كيف أثرت هذه السمات على بقائها.

استخدم الباحثون بياناتهم لرسم شكل بياني عن اللياقة التطورية، وهو رسم بياني يوضح مجموعات السمات التي تعزز أو تعيق البقاء والتكاثر. في المثال الافتراضي أدناه، تتمتع السحالي ذات الأجسام الكبيرة نسبيًا وأصابع القدم الصغيرة نسبيًا بلياقة بدنية أعلى واحتمالات بقاء وتكاثر أفضل. لكن لا يزيد وجود أجسام كبيرة جدًا وأصابع قدم صغيرة جدًا (مميزة بعلامة النجمة في الشكل البياني المرفق) من تعزيز اللياقة البدنية؛ بل يقلل منه. في هذه الحالة، نتوقع أن يتسبب الانتقاء الطبيعي في قيام مجموعة من السحالي بتطوير أحجام الجسم وأصابع القدم التي تتناسب مع لياقة أعلى، مما سيحسن البقاء والتكاثر.

يُظهر المثال الافتراضي الموجود أعلاه رسمًا بيانيًا للياقة البدنية مع انتفاخ في الأعلى يمثل الانتقاء التثبيتي (وهو شكل من أشكال الانتقاء الطبيعي الذي يعمل فيه الانتقاء ضد السمات المتطرفة جدًا في أي من الاتجاهين، مثل الحجم الكبير جدًا والصغير جدًا، أو الثقيل جدًا والخفيف جدًا). من السهل أن نتخيل السمات التي قد تواجه اختيارًا مستقرًا. فمثلًا الوزن عند الولادة عند البشر: يواجه الأطفال المولودون الخفيفون جدًا تحديات كثيرة بعد الولادة، وقد يؤدي الأطفال ذوو الوزن الزائد جدًا إلى ولادات محفوفة بالمخاطر. إذا كان لدى كل من الأطفال ذوي الوزن العالي والمنخفض جدًا فرصًا أقل للبقاء على قيد الحياة، سيحافظ الانتقاء التثبيتي على الأطفال ذوي الوزن المتوسط عند الولادة. يعد الانتقاء التثبيتي، الذي يدفع الأنواع نحو أرضية وسطية مثالية، أحد التفسيرات المحتملة لسبب بقاء بعض الأنواع على حالها مع مرور الوقت.

أراد العلماء الذين نشروا البحث الجديد معرفة ما إذا كان الانتقاء التثبيتي ينطبق على أنواع سحالي أنوليس الأربعة. على مدار الدراسة، أنتجت أنماط البقاء والموت بين السحالي مشهد اللياقة البدنية الموضح أدناه. تعني القمم الأربعة أن هناك أربع مجموعات مختلفة من السمات التي تعطي أفضل احتمالات للبقاء. واتضح أن كل نوع يتوافق مع إحدى تلك القمم.

تعتبر الانتفاخات الأربعة في الرسم البياني للياقة البدنية من السمات المميزة للانتقاء التثبيتي. ومن غير المرجح أن يتمكن الأفراد الذين تكون سماتهم بعيدة جدًا عن ذروة صفات لياقتهم البدنية من البقاء على قيد الحياة والمساهمة بنقل جيناتهم إلى الجيل التالي، مع الحفاظ على كل الأنواع كما هي نسبيًا مع مرور الوقت.

ومع ذلك، عندما درس الباحثون فترات زمنية أقصر خلال الدراسة التي استمرت عامين ونصف العام، لاحظوا نمطًا مختلفًا. ففي حين أن النمط العام يتميز بالانتقاء التثبيتي، لاحظ العلماء أنه خلال موسم واحد من هذه المواسم، كان الانتقاء التثبيتي نادرًا. فقد تتعرض السحالي للانتقاء الطبيعي مما سيدفعها نحو أحد الطرفين (مثل حالة أصابع القدم الأكبر بشكل عام أو الأجسام الأصغر بشكل عام). ولكن نظرًا لتغير اتجاه هذا الاختيار من موسم إلى آخر (فقد تكون أصابع القدم الكبيرة مفضلة في الشتاء وأصابع القدم الصغيرة في الصيف)، كانت النتيجة الإجمالية هي الانتقاء التثبيتي.

يساعد البحث الجديد في تفسير التناقض في أبحاث التطور: يحتوي السجل الأحفوري على العديد من الأمثلة على الاستقرار طويل المدى، لكن غالبًا ما توثق دراسات الأنواع الحديثة من حولنا تغيرًا تطوريًا سريعًا في اتجاه واحد (على سبيل المثال، تطور الميكروبات نحو مقاومة المضادات الحيوية والمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب، وتطور الحيوانات بعيدًا عن أحجام الجسم الكبيرة، أو نحو عدم وجود الأنياب عند بعضها)، ونادرًا ما تجد دليلاً على الانتقاء التثبيتي. قد لا يكون التطور التثبيتي معتمدًا على نمط التطور الكبروي (الذي يحدث في أو فوق مستوى النوع)، بل على التحولات السريعة في اتجاه وطبيعة العمليات التطورية الصغرى وينتهي به الأمر إلى إلغاء هذه التحولات لبعضها البعض على فترات زمنية جيولوجية. فعندما يتعلق الأمر بالتطور، قد يترافق تغير الأشياء على المدى القصير، ببقائها على حالها على المدى الطويل.

ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: evolution.berkeley.edu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *