كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية ساينس بتاريخ 24 نوفمبر، أن بكتيريا الإشريكية القولونية تمتلك قدرة أكبر بكثير على اكتساب مقاومة المضادات الحيوية مقارنةً بما ظنه العلماء سابقًا.
قاد الدراسة البروفيسور أندرياس فاغنر، أستاذ مشارك خارجي في معهد سانتا فيه، إذ رسم الباحثون خريطة لأكثر من 260 ألفًا من الطفرات المُحتملة لبروتين الإشريكية القولونية الضروري لبقاء البكتيريا على قيد الحياة عند التعرض للمضاد الحيوي (تريميثوبريم). وقد اكتشف الباحثون خلال آلاف من عمليات المحاكاة الرقمية المتسمة بالواقعية المفرطة، أن ما نسبته 75% من جميع المسارات التطورية المُحتملة لبروتين الإشريكية القولونية أدت في نهاية المطاف إلى اكتساب البكتيريا مستوىً عالٍ من المقاومة للمضادات الحيوية، وهو مستوى يجعل الطبيب يمتنع عن وصف تريميثوبريم للمريض.
يقول فاغنر، عالم الأحياء التطوري في جامعة زيورخ بسويسرا: « في جوهرها، تقترح هذه الدراسة أنه من الممكن للبكتيريا، بكتيريا الإشريكية القولونية على سبيل المثال، أن تكون أكثر براعة في اكتساب مقاومة المضادات الحيوية مقارنة بما كنا نعتقده في السابق، ولذلكَ آثارٌ كبيرة على فهم كيفية تكيّف وتطور أنظمة مختلفة في علم الأحياء التطوري والكيمياء وغيرها من المجالات».
إلى جانب كشف فريق الباحثين عن نتائج جديدة ومثيرة للقلق حول مقاومة المضادات الحيوية، ألقى عمل الباحثين أيضًا شكوكًا حول نظرية عريقة حول مخططات التكيف. تمثل هذه الخرائط الجينية مدى قدرة الكائن الحي -أو جزء منه، مثل البروتين على سبيل المثال- على التكيف مع بيئته.
تمثل النقاط المختلفة على مخططات التكيف أنماطًا وراثية مختلفة للكائن الحي، ويمثل ارتفاع هذه النقاط مدى تكيف كل نمط وراثي مع بيئته، والهدف من الناحية التطورية، العثور على أعلى قمة، التي تشير إلى النوع الجيني الأكثر تكيفًا.
تتنبأ النظرية السائدة بخصوص مخططات التكيف أن معظم مجموعات الكائنات الحية المتطورة في المخططات شديدة التعرج، أو تلك التي تحتوي على ذرى متعددة للتكيف، ستظل محاصرة عند ذرى أقل، ولن تصل أبدًا إلى ذروة التكيف التطوري. ومع ذلك، كان اختبار هذه النظرية صعبًا للغاية حتى الآن بسبب نقص البيانات التجريبية حول مخططات التكيف كبيرة الحجم.
للتغلب على هذا التحدي، استخدم فاغنر وزملاؤه تقنية كريسبر للتعديل الجيني بهدف إنشاء واحدة من أكثر مخططات التكيف اكتمالًا -حتى الآن- من ناحية التركيبات الممكنة لبروتين الإشريكية القولونية اختزال ثنائي هيدرو الفولات (DHFR).
كان ما توصل إليه الفريق مدهشًا، إذ اتسمت مخططات التكيف بالعديد من القمم، لكن معظمها منخفضة التكيف، ما يجعلها أقل أهمية من ناحية التكيف. مع ذلك، حتى في هذه المخططات المتعرجة، وصلت حوالي 75% من التجمعات التي جرى محاكاة تطورها إلى ذرى قممية عالية التكيف، من شأنها أن تمنح بكتيريا الإشريكية القولونية مقاومة عالية للمضادات الحيوية.
على أرض الواقع، تعدّ آثار هذا الاكتشاف في غاية الأهمية، فمن الممكن أن يعني شيوع مخططات التكيف المتعرجة المماثلة في النظم البيولوجية أن العديد من العمليات التكيفية، مثل مقاومة المضادات الحيوية، أكثر قابلية للتحقق مما كان يُعتقد سابقًا.
يمكن أن تؤدي النتيجة في النهاية إلى إعادة تقييم النماذج النظرية في مختلف المجالات، وقد تحث على مزيد من البحث حول كيفية تأثير مخططات التكيف في العالم الواقعي على العمليات التطورية.
يقول فاغنر: «لذلك تداعيات عميقة ليس فقط في علم الأحياء، بل وأبعد من ذلك، إذ يدفعنا إلى إعادة تقييم فهمنا لتطور المخططات عبر مجالات مختلفة. نحتاج إلى التحول من النماذج النظرية المجردة إلى نماذج المخططات الواقعية المستندة إلى البيانات».
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org