بحث نشر في جامعة كاليفورنيا – سان دييغو
في أوعية مختبر تحوي ما لا يزيد عن ملعقتين صغيرتين من التربة، وثق مجموعة من الباحثين تسبب التكيف السريع بين البكتيريا والفيروسات بإنتاج شبكات بيئية معقدة.
يعد التطور، كما صاغه تشارلز داروين في القرن التاسع عشر، عملية بطيئة وتدريجية تنتقل فيه التكيفات النوعية تدريجيًا عبر الأجيال. مع ذلك، يمكن للعلماء اليوم رصد التغييرات التطورية على مقياس زمني أسرع بكثير.
بدلاً من دراسة داروين الملهمة للنباتات والحيوانات في جزر غالاباغوس لوضع نظريته حول التطور، وثق الباحث الدكتور جوشوا بورين والأستاذ المساعد جاستن ماير من كلية العلوم البيولوجية في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، عمليات تطور سريعة في أوعية مخبرية بسيطة.
وضع بورين وماير البكتيريا والفيروسات معًا في إناء مختبري مغلق -بحجم ملعقتين فقط- لدراسة التطور المتزامن على أرض الواقع. عندما تهاجم الفيروسات جيرانها من البكتيريا، تُطَوّر البكتيريا إجراءات دفاعية جديدة لصد المحاولات الفيروسية. بالمقابل، تظهر عند الفيروسات تغيرات تطورية جديدة تهدف للالتفاف حول التدابير الدفاعية الجديدة التي طورتها البكتيريا.
في غضون ثلاثة أسابيع فقط، يؤدي هذا السباق التطوري السريع بين بكتيريا (إشريشيا كولاي) والفيروسات (بكتيريوفاج، أو «فيج») إلى ظهور عدة أجيال من التكيفات التطورية. تظهر النتائج الجديدة، التي نُشرت في مجلة ساينس Science ، ظهور أنماط تطورية متميزة.
وفقًا لماير، الأستاذ المساعد في قسم البيئة والسلوك والتطور، «تظهر في هذه الدراسة قوة التطور»، «نرى كيف يمكن أن يؤدي التطور المتزامن بين البكتيريا والفيروسات إلى ظهور شبكة بيئية معقدة للغاية. التطور ليس من الضروري أن يكون بطيئًا وتدريجيًا كما اعتقد داروين».
يقول ماير إن الدراسة الجديدة تقدم آفاقًا جديدة حول كيفية تطور شبكات بيئية معقدة عبر نظم بيئية متنوعة، سواء كانت الشبكات الغذائية في السافانا، أو شبكات التلقيح في الغابات المطيرة، أو التفاعلات بين الميكروبات في المحيط.
مع تكيف البكتيريا والفيروسات مع الوسط التي تتواجد فيه بمرور الوقت، ظهر نمطان متكرران بارزان، هما التداخل، وهو حالة التطور الذي يتم فيه «تداخل» التفاعلات المحدودة بين البكتيريا والفيروسات المتخصصة ضمن نطاق أوسع من التفاعلات العامة؛ والنمطية، إذ تشكل التفاعلات بين الأنواع وحدات داخل مجموعات متخصصة ولكن ليس بين المجموعات.
قال بورين: «دُهشنا عندما اكتشفنا أن تجربتنا التطورية، التي تمت ضمن قوارير صغيرة، تمكّنت من تلخيص الأنماط المعقدة التي سبق ملاحظتها بين البكتيريا والفيروسات على المستوى الإقليمي وعبر المحيطات».
وأضاف الباحث المشارك في الدراسة، البروفيسور في قسم علم الأحياء بجامعة ميريلاند، جوشوا ويتز: «عندما قاس فريق البحث لأول مرة هذا النمط متعدد المستويات، اعتقدنا أن ظهور هذا المستوى من التعقيد يتطلب فترات طويلة من التطور».
كما أكد ماير أن متابعة هذه التطورات التطورية «على أرض الواقع» يعزز من قوة التطور التي غالبًا ما يتم التقليل من شأنها.
يواصل التطور السريع للأمراض تشكيل عالمنا بطرق جديدة. من خلال COVID-19 والطفرات الجديدة لـ SARS-CoV-2 (فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة النوع 2)، أظهرت الفيروسات قدرة كبيرة على التكيفات التطورية التي تؤدي إلى سلالات جديدة عندما تواجه الأجسام المضادة واللقاحات وغيرها من العوائق التي تمنعها من الإصابة والانتشار بشكل فعال. تعيد هذه المفاهيم الجديدة في مجال تطور الميكروبات صياغة طرق علاج المرضى.
قال ماير «أظهرنا إمكانية إنتاج التطور لشبكات بيئية معقدة بسرعة من خلال تقديم مساعدة خارجية محدودة للغاية»، وأشار إلى أن الأمثلة على هذه القوى التطورية تشمل العزلة عبر المسافات الجغرافية، والعوامل البيئية، والتفاعلات مع أنواع أخرى. «لذا يمكننا الاعتماد على العاثيات والبكتيريا بصفتها نظام نموذجي لفهم المبادئ التطورية العامة، وللمساعدة على إظهار كيفية تطور الحياة على الأرض من بدايات في غاية البساطة إلى بيئة متنوعة ومعقدة».
في عمل آخر، استخدم ماير ويتز الذكاء الاصطناعي لدراسة كيفية استخدام العاثيات في أزمة مقاومة المضادات الحيوية المتزايدة. يتضمن البحث تحليلاً للبيانات التطورية لتحديد الطفرات في العاثيات والبكتيريا التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالعدوى ومقاومة المضادات الحيوية. يسلط البحث أيضًا الضوء على مبادرة جديدة يدعمها معهد هوارد هيويز الطبي لدراسة كيفية استخدام البكتيريا العاثية «العملاقة» كعوامل علاجية جديدة.
شارك في البحث كل من جوشوا بورين، جاستن لي، أدريانا لوسيا سانز، كريستا جربينو، جوشوا ويتز، وجاستن ماير.
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org