السلطعونات حيوانات فريدة ومتطورة باستمرار، وغالبًا ما يحدث تطورها عبر انتقالها من البيئة البحرية إلى البيئات الأخرى. أكثر أنواع السلطعونات شيوعًا من الناحية الغذائية هي السلطعونات البحرية بالكامل (مثل السلطعون الثلجي) وسلطعونات مصبّات الأنهار (السلطعون الأزرق في ماريلاند، السلطعون دنجنس). يمكن لبعض الأنواع البرية تسلق الأشجار إذا كانت في مستويات مرتفعة، بينما سيموت البعض الآخر عند البلوغ إذا غُمر بالماء بشكل كامل.
في دراسة حديثة نُشرت في مجلة علم التصنيف البيولوجي، حقق فريق دولي من الباحثين، بقيادة باحثة ما بعد الدكتوراه في قسم علم الأحياء التكويني والتطوري بجامعة هارفارد، جوانا وولف، بعدد المرات التي غادرت فيها السلطعونات الحقيقية (براتشيورا) البيئة البحرية للعيش في بيئات أخرى.
أظهرت الدراسة، التي استغرق إعدادها ما يقرب من 20 عامًا، أن السلطعونات الحقيقية لم تغادر البيئة البحرية 7 إلى 17 مرة فحسب، بل أن ذلك حدث أيضًا في فترة أقدم بكثير من التقديرات السابقة، إذ تعود إلى العصر الترياسي الأوسط، جنبًا إلى جنب مع بعض من أقدم الديناصورات، أي أقدم بـ 45 مليون عام من العصر الجوراسي المفترض سابقًا.
تضم السلطعونات الحقيقية أكثر من 7600 نوعًا موزعًا على 109 عائلة. على مدار ملايين السنين، تركت بعض أنواع السلطعونات البيئة البحرية للعيش في بيئات أخرى، بما في ذلك المناطق المدارية والبرية والمياه العذبة. بالنسبة لمعظم مفصليات الأرجل، لم يحدث الانتقال نحو الأرض، أي عملية مغادرة المحيطات إلى اليابسة، إلا مرة واحدة عند كائنات مثل (الحشرات، عديدات الأرجل) أو ربما عدة مرات مثل (العناكب)، حيث حدثت معظم الأحداث منذ أكثر من 300 مليون عام.
قالت وولف: «أظهرت أبحاثنا أن خلال المئة مليون سنة الماضية، سكنت السلطعونات الحقيقية اليابسة والمياه العذبة بصورة مستقلة حوالي 17 مرة». تظهر معظم هذه المجموعات السبع عشرة من السلطعونات الحقيقية قدرتها على البقاء في محيطات شبيهة باليابسة (المناطق المدارية، البحيرات، والمصبات النهرية). تتمركز معظم السلطعونات التي تظهر استقلالًا كبيرًا من المياه البحرية (مثل السلطعون الكمانيّ، والسلطعونات مصاصة الدماء، وسلطعونات اليابسة) في مجموعة غنية بالأنواع من شجرة العائلة.
جمع الباحثون ثلاث مجموعات بيانات جديدة للسلطعونات الحقيقية. شملت تسلسلات جينية لـ 344 نوعًا من 88 عائلة من السلطعونات الحقيقية، تضم كل من المجموعات البحرية وغير البحرية فضلًا عن المعايرة الأحفورية التي تتكون من 36 معايرة «مُثبتة» والسجل الأحفوري الكامل للسلطعونات الموثق من قاعدة بيانات علم حفريات الأحياء.
وأخيرًا، تضمّنت مجموعة من بيانات تاريخ الطبيعة (الموطن، تطور المرحلة اليرقية، مورفولوجيا الجهاز التنفسي، أنواع الشُعيرات، الحفر، النشاط النهاري/ الليلي) لمساعدة القائمين على البحث على تصنيف كل نوع من أنواع السلطعونات بشكل كلي من سجلها الوراثي إلى تدرج الانتقال نحو الأرضيّة.
تمكن الباحثون من استخدام مجموعات البيانات الجديدة التي جمعوها لإعادة بناء العلاقات التطورية للسلطعونات الحقيقية. استخدموا الطريقة البايزية لتحديد توقيت التطور، الطريقة التي طُّورت أصلًا في علم الأوبئة لدراسة كيفية تطوّر الفيروسات مثل كوفيد-19. سمح لهم الأمر بتقدير عدد الانتقالات البيئية من البيئات البحرية.
صنفَت الدراسة الانتقال نحو الأرضيّة عبر مسارين تطوّريين اثنين. ففي المسار الأول ينتقل الحيوان من البيئة البحرية بالكامل إلى اليابسة عبر المناطق المدارية، والشواطئ والغابات الساحلية، والغابات المطيرة. بينما في المسار الثاني، ينتقل الحيوان من البيئة البحرية بالكامل إلى اليابسة بأسلوب غير مباشر عبر مصبات الأنهار، والمياه العذبة المغمورة، والضفاف النهرية، وأخيرًا الغابات الساحلية والغابات المطيرة.
قالت وولف: «شهدنا عددًا كبيرًا من الأحداث المتقاربة للانتقال نحو اليابسة مع مجموعات معينة من السمات، الأمر الذي يمنحنا قدرة محدودة على التنبؤ بما قد حدث في مجموعات أخرى. هذا هو الهدف، أن نكون قادرين على تطبيق ما نراه على بقية الكائنات ضمن شجرة الحياة».
تقدم دراسة السلطعونات الحقيقية فهمًا أفضل للتطور التقاربي والتكيف مع مختلف الكائنات الحية، من الحياة في الماء إلى الحياة على الأرض. يريد علماء الأحياء معرفة كيفية التنبؤ إذا كان النمط الظاهري أو التشكل سيتطور في مجموعة معيّنة.
توفر السلطعونات نافذة مهمة على العمليات المبكرة للتكيف مع بيئات جديدة ودرجات مختلفة من القيود التطورية التي قد تساعد في التنبؤ بهذه المسارات.
قالت الأستاذة المساعدة هيذر دي. براكن-جريسوم، من جامعة فلوريدا الدولية، والمؤلفة المشاركة في الدراسة: «لا تزال السلطعونات تذهلنا، و مثل هذه الدراسات تتيح لنا معرفة المزيد حول التحوّلات في المواطن الحيوية، وتوقيت هذه الأحداث المهمة».
وجد الباحثون أيضًا أدلة مدهشة تشير إلى أن السلطعونات قد عادت إلى الحياة البحرية بالكامل مرتين أو ثلاث مرات على الأقل.
تُضيف وولف: «لم تخطط السلطعونات للعيش على اليابسة، وتشير نتائجنا إلى أنه من السهل الانتقال من البيئات البحرية بالكامل إلى المناطق المدارية أو مصبات الأنهار، ومن الصعب الانتقال إلى العيش بشكل أكثر استقلالية عن الماء أكثر من مائة مرة، مثل السلطعون الكمانيّ، الذي يقضي معظم الأوقات على اليابسة، بسبب التكيفات الفيزيولوجية العديدة التي مر بها أسلافه. التطور مستمر، وتتغير المنافذ التي تشغلها الكائنات الحية بمرور الوقت؛ لا يوجد تكيف مثالي يمكن أن يستمر إلى الأبد».
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org