منذ حوالي 10000 عام، اختفى ثلثا الثدييات الكبيرة على الأرض من الوجود. انقرضت حيوانات الماموث والمستودون والقطط ذات الأسنان السيفية والعديد من الأنواع الأخرى من جميع أنحاء العالم. على الرغم من التحقيق في العديد من الأسباب المحتملة، لكن لم يجد علماء الأحياء بعد دليلًا دامغًا يكشف عن الجاني وراء حالات الاختفاء. لكن هذا لا يعني بالضرورة أننا نفتقد شيئًا ما. فقد يكون الانقراض أمرًا معقدًا. ربما لم نتمكن من تحديد مسبب رئيسي واحد للانقراضات لأن عدة أسباب عملت معًا. تأخذ دراسة جديدة هذا الاحتمال على محمل الجد وتكشف عن العوامل المتفاعلة التي سببت انقراض الثدييات الكبيرة في جنوب كاليفورنيا في نهاية العصر الجليدي الأخير.
أين التطور؟
استفاد البحث من السجل الأحفوري الذي قدمته حفرة قطران لا بريا La Brea في لوس أنجلوس. على مدى الخمسين ألف سنة الماضية، تجولت أعداد كبيرة من الحيوانات في هذه البرك من الأسفلت المنصهر والفقاعي ولم تتمكن من الخروج مرة أخرى أبدًا. ومن حسن حظ علماء الحفريات، تحافظ هذه الحفر على عظام هذه الحيوانات في ظروف تجعل من الممكن تأريخها بدقة.
تساعد مئات الآلاف من الحفريات المحفوظة في لا بريا أيضًا في حل التحدي المشترك الذي يواجهه علماء الحفريات الذين يدرسون الانقراض: كيف نعرف ما إذا كان أحد الأنواع المفقودة من السجل الأحفوري قد انقرض بالفعل أو إذا نجا ولكنه لم يترك وراءه حفريات في العالم؟ الصخور قيد الدراسة؟ لقد كانت حفر القطران بمثابة فخ فعال للحيوانات، ويمكن الاعتماد عليها لدرجة أن علماء الحفريات يعتقدون أن نقص الحفريات يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالانقراض المحلي. فمثلًا، إذا كان عمر أصغر حفريات الجمال في حفر القطران يبلغ حوالي 13700 عام، فيمكننا أن نكون واثقين من أن آخر الجمال التي عاشت في جنوب كاليفورنيا انقرضت بالفعل بعد فترة قصيرة من ذلك التاريخ.
أرّخ الباحثون الذين أجروا الدراسة الجديدة 172 حفرية من لا بريا، بما في ذلك القطط ذات الأسنان السيفية والذئاب الرهيبة والجمال، لمعرفة متى اختفى كل نوع منها. ثم قارن الفريق تواريخ «آخر ظهور» لها بتوقيت التغييرات الأخرى التي تحدث في نفس الوقت تقريبًا لاستخلاص العوامل التي ربما تكون هي السبب في حدوث الانقراضات.
اكتشف العلماء توقيت الانقراضات من خلال تأريخ عينات من سجل أحفوري كثيف، ولكن كيف اكتشفوا ما قد يكون حدث في المنطقة منذ فترة طويلة؟ استنتجوا أحد الأدلة من بحيرة إلسينور القريبة. ترسبت الرواسب الموجودة في قاعها طبقة تلو الأخرى مع مرور الوقت، وبذلك جمع العلماء ما تبقى من آخر 30 ألف عام من تاريخ جنوب كاليفورنيا بطريقة منظمة. ومن خلال دراسة تركيبة هذه الطبقات الرسوبية المؤرخة، يمكننا معرفة الكثير عن البيئة المحلية، بما في ذلك تاريخها المتعلق بما يلي:
- أنواع النباتات المحلية، إذ يمكن استخدام حبوب اللقاح القديمة المحفوظة في الرواسب لمعرفة أنواع النباتات التي كانت شائعة في البيئة في أوقات مختلفة.
- درجة حرارة الهواء، إذ تجري بعض البكتيريا استجابة للتغيرات في درجات الحرارة تغييرات طفيفة في المواد الكيميائية التي تشكل أغشيتها الخارجية. تشير هذه التركيبات الكيميائية بشكل موثوق إلى درجات الحرارة التي مرت بها البكتيريا. ما تزال هذه المواد الكيميائية التي تنتجها البكتيريا محفوظة في رواسب بحيرة إلسينور ويمكن استخدامها لفهم كيفية تغير درجة حرارة الهواء بمرور الوقت.
- المطر والثلوج، إذ تؤدي المزيد من الأمطار إلى تدفق المزيد من المياه إلى الجداول وغسل الرمال في اتجاه مجرى النهر إلى البحيرة. ويستخدم العلماء كمية الرمال الموجودة في الطبقات الرسوبية المختلفة لمعرفة توقيت فترات الجفاف والرطوبة في المنطقة.
- حرائق الغابات، تؤدي حرائق الغابات إلى ظهور الرماد في الهواء، والذي يشق طريقه إلى الجداول والبحيرات، ويتراكم في الرواسب. كما هو الحال مع الرمل، تشير كمية الفحم في طبقات الرواسب المختلفة إلى مدى شيوع الحرائق الكبيرة في أوقات مختلفة.
اهتم الباحثون أيضًا بأي دور للبشر في حالات الانقراض، لذلك صمموا سجلًا للوجود البشري في أمريكا الشمالية بناءً على البيانات الأثرية.
الآن، أصبح لدى الفريق جداول زمنية متعددة توضح مدى ارتفاع وانخفاض أعداد الثدييات والبشر في المنطقة، وكذلك كيفية تغير المناخ والمناظر الطبيعية. ويبدو أن هذه الجداول الزمنية تنتظم بطرق ذات معنى. وعلى وجه الخصوص، خلال فترة قصيرة مدتها 400 عام، تحول جنوب كاليفورنيا بسرعة من النظام البيئي للغابات الذي يضم العديد من أنواع الثدييات الكبيرة إلى منطقة لا تحتوي على غابات ومعرضة للحرائق مع عدم وجود ثدييات كبيرة.
فما الذي حدث؟ للمساعدة في معرفة ذلك، استخدم الفريق النمذجة الرياضية لمعرفة مقدار التغييرات في جدول زمني واحد والتي تنبأت بتغيير لاحق في جدول زمني آخر. ولم يكن من المستغرب أن وجدوا أن ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار يؤدي إلى زيادة حرائق الغابات. ووجدوا أن النمو السكاني البشري يؤدي إلى عدد أقل من الحيوانات العاشبة والمزيد من الحرائق.
تحكي البيانات مجتمعة قصة التغير البيئي السريع الذي يلعب فيه البشر دورًا مركزيًا. في جنوب كاليفورنيا، في نهاية العصر الجليدي الأخير، مع ارتفاع درجة حرارة المنطقة ودخولها في حالة جفاف، استُبدل بالغابات نباتات أخرى. وفي الوقت نفسه، كانت أعداد البشر، التي تعتمد على صيد الثدييات الكبيرة ترتفع. بالإضافة إلى ذلك، تخرج أحيانًا بعض الحرائق عن نطاق السيطرة، مما يؤدي إلى مزيد من التغيير في المناظر الطبيعية، مما يؤدي في النهاية إلى انقراض الثدييات الكبيرة.
هل يبدو ذلك مألوفًا؟ اليوم أيضًا، تعمل الغازات الدفيئة التي ينتجها الإنسان على رفع درجة حرارة الأرض بسرعة. مع تغير المناخ، تعاني العديد من المناطق من الجفاف العميق. في السنوات الخمس الماضية، اجتاحت حرائق الغابات الهائلة ماوي وكندا واليونان وكاليفورنيا وأستراليا. إننا نواجه أزمة انقراض واسعة النطاق. وأوجه التشابه بين التحديات البيئية اليوم وتلك التي هزت الأرض في نهاية العصر الجليدي الأخير واضحة. ولحماية التنوع البيولوجي للأرض من أسوأ نتائج هذه العاصفة الكاملة من التغير العالمي، سنحتاج إلى دراسة السجل الأحفوري للنباتات والحيوانات لفهم العوامل المعقدة والمتفاعلة التي تؤدي إلى الانقراض، سواء في الماضي أو اليوم. وبعد ذلك بالطبع، يأتي الجزء الصعب: العمل بناءً على تلك المعرفة.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: evolution.berkeley.edu