تطيح دراسة بحثية جديدة بالفهم السائد لتطور الثدييات، إذ تقترح بأن الجرابيات هي الثدييات الأكثر تطوراً.
فمن خلال تقدير كيفية تكاثر وتطور السلف المشترك للثدييات، تمكن علماء من تحدي الاعتقاد الراسخ بأن الجرابيات هي أقل تطوراً من المشيميات.
لطالما إعتبرت الجرابيات الحلقة التطورية الوسطى بين واضعات البيض والثدييات المشيمية كونها تلد صغاراً على درجة كبيرة من عدم التطور شبيهة بالحالة الجنينية لدى المشيميات.
إلا أن دراسة بحثية جديدة كشفت النقاب عن أن السلف المشترك لكلا المجموعتين كان أكثر شبهاً بالمشيميات من الجرابيات مما يعني أن هذه الأخيرة تمكنت من تعديل طريقة تكاثرها أكثر مما فعلت الأولى.
قامت الدراسة المنشورة في Current Biology بتحليل جماجم خلال مرحل تطورية مختلفة لدى 22 نوع حي من الثدييات. ساعدت صور طبقية محورية ميكروية لـ 165 عينة فريق البحث على إعادة تركيب جماجم هذه الأنواع خلال هذه المرحلة المبكرة.
وقاموا باستخدام هذه المعطيات بتقدير كيف كان للسلف المشترك للجرابيات والمشيميات أن يتطور مع مقارنة هذا بكلا المجموعتين لتبيان أيهما كان أكثر شبهاً.
تقول البروفيسورة أنجالي غوسوامي – المشرفة على البحث في المتحف ومؤلفة رئيسية للدراسة، «أطحنا ما نعرفه عن تطور الثدييات رأساً على عقب من خلال مجموعة المعطيات المقارنة الكبيرة المولدة من مجموعات المتحف التاريخية».
قام فريق البحث بقياس كيفية تغير شكل الجمجمة خلال مراحل التطور المختلفة وقاموا بإعادة تركيب كيف كان للسلف أن يتطور وذلك اعتمادا على مجموعة ضخمة من صور طبقية محورية ميكروية لعينات من المشيميات والجرابيات تتفاوت بين المرحلة الجنينة والبلوغ. دل هذا أن درجة افتراق الجرابيات عن الجد كانت أكبر من تلك العائدة للمشيميات.
تشرح أنجالي بأن «الناس، ولوقت طويل، تعاطوا مع الجرابيات على أساس أنها (ثدييات أقل شأناً)» كونها تمثل مرحلة وسيطة بين الثدييات المشيمية وواضعات البيض. وتضيف «تبدى بأن الجرابيات هي أكثر تطور بكثير عن الشكل الذي كان عليه جد النوع. نعاني، بحكم انتمائنا إلى الثدييات المشيمية، من التحيز القائل بأن مجموعتنا هي التي ينزع نحوها التطور. ولكن لا يعمل التطور على هذه الشاكلة».
كيف تطورت الثدييات المشيمية والجرابية؟
يمكن تقسيم الثدييات الحية اليوم إلى ثلاث مجموعات: المشيميات والجرابيات والكظاميات والتي يمكن تفريقها بسهولة على أساس طريقة تكاثر كلٌ منها.
أكبر هذه الثلاثة هي الثدييات المشيمية التي تلد صغاراً حية حسنة التطور تشكل قرابة 95% من كافة الثدييات الحية بما فيها البشر.
تلد الجرابيات على نحوٍ مشابه صغاراً احياء، إلا أن فترة حملها قصيرة جداً مما يجعل نسلها مفتقراً للتطور على نحوٍ يتطلب رعايتها من قبل أحد الوالدين في الجراب.
الكظاميات الواضعة للبيض هي أصغر هذه المجموعات الثلاث، وهي تتألف من خمس مجموعات حية راهناً فحسب منتمية لعائلتين، خلد الماء وآكل النمل الشوكي.
يُعتقد بأن الثدييات الحية تنحدر من جد مشترك واضع للبيض عاش قبل 180 مليون سنة تقريباً. يسود الاعتقاد أن الوحشيات، وهي المجموعة التي تنتمي إليها الجرابيات والمشيميات، افترقت عن واضعات البيض بعد فترة قصيرة – منذ 160 مليون سنة خلت على وجه التقريب.
بما أن الوحشيات تطورت بالافتراق عن الصغار المولودين عن طريق البيض، شاع الاعتقاد في الأساس أن الولادة الحية لطفل مفتقر للتطور كما يحدث لدى الجرابيات المعاصرة هي بمثابة مرحلة وسيطة. وهذا ما تنقضه هذه الدراسة.
تقول أنجالي، «ما يمكننا إظهاره بوضوح هو أن طريقة تطور الجرابيات هي الأكثر افتراقا عن الجد المشترك للجرابيات والمشيميات».
وتضيف، «ليست طريقة تكاثر الجرابيات بشكل وسيط بين الثدييات الواضعة للبيض والمشيمية، حيث أن تطورها أخذ منحىً مختلفاً تماماً».
لماذا تلد الجرابيات صغاراً مفتقري التطور؟
تولد الثدييات المشيمية بأطراف أربعة وجماجم متطورة تتزايد حجماً مع تقدم الحيوان في العمر. تتفاوت فترات الحمل بناءً على حجم الجسم، إلا أنها يمكن أن تمتد إلى 22 شهراً لدى الفيلة الأفريقية.
على خلاف هذا، تولد الجرابيات بشكل أساسي في حالة جنينية. فمثلاً، يلد الكنغر الأحمر صغاراً بحجم قطعة حلوى صغيرة بعد شهر واحد فقط من الحبل إلا أن فترة الحضانة اللاحقة للولادة تستمر لأشهر ستة.
تكون الأطراف الخلفية وجماجم هؤلاء الصغار غير متشكلة على نحو كامل على خلاف التطور الأكبر بشكل طفيف للأطراف الأمامية وعظام الفم. عملياً، لا يكون للحيوان أعضاءً إلا تلك اللازمة كي يحبو في فرو أمه ليصل إلى ثديها للرضاعة. تمتلك معظم الجرابيات جراباً يساعد على حماية الصغار القليلي التطور خلال هذه المرحلة الحساسة.
إلا أن سبب تطوير الجرابيات لهذه الإستراتيجية التكاثرية ما يزال غير مفهوماً بشكل كامل.
إذ تشرح أنجالي، «قيل بأن لاستراتيجية الجرابيات أفضلية في البيئات الغير مستقرة. للمشيميات فترات حمل طويلة، فإن اختبر الحيوان فترة تشح فيها الموارد، سيؤدي هذا في الغالب إلى وفاة الأم ونسلها لأن الأمر داخل الجسم بالكامل».
وتضيف، «أما بالنسبة للجرابيات، تكون الاستراتيجية على درجة مخاطرة أقل بما أنه يمكن للأم التخلي عن صغارها في مرحلة تطورية مبكرة، مما يمكنها هي من النجاة على الأقل ومحاولة الحبل لاحقاً».
رغم وجود ما يقارب ثلثي الجرابيات الحية اليوم في أستراليا، يعتقد بأن منشأ الجرابيات الأولى كان أميركا الشمالية، حيث انطلقت وصولاً إلى أميركا الجنوبية وأستراليا بالمحصلة عبر القطب الجنوبي بواسطة معابر على اليابسة.
في الفترة عينها، عاشت العديد من المشيميات في أميركا الجنوبية إلا أنها لم تتمكن على ما يبدو من القيام بهذه الرحلة.
تشرح أنجالي هذا بالقول، «إحدى الاحتمالات هي أن الجرابيات كانت مؤهلة للقيام بهذه الرحلة بفضل جهازها التناسلي الأكثر مرونة».
وتختم قائلة، «قد يساعد توسيع آلية التطور وجعلها أكثر خارج-جسمية بالنسبة للأم الجرابيات على التأقلم بشكل أكبر مع البيئات الأقل استقراراً. إلا أن الأمر هو بمثابة تخمين وفرضية لابد من اختبارها».
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: phys.org