كيف تساعدنا دراسة تطور الثدييات على فهم أصل الأمراض عند البشر
أجرى العلماء المئات من الدراسات العلمية على مر السنين للعثور على الجينات الكامنة وراء السمات البشرية المشتركة، من لون العين إلى الذكاء والأمراض الجسدية والعقلية.
يوضح باتريك سوليفان، دكتوراه في الطب، وزميل في الكلية الملكية الأسترالية والنيوزيلندية للأطباء النفسيين FRANZCP، وأستاذ الطب النفسي وعلم الوراثة في ييرغان في كلية الطب بجامعة الأمم المتحدة\نورث كارولينا، واتحاد علم الجينوم النفسي في مقالته في مجلة العلوم طريقة أخرى لفهم الأمراض البشرية، بالاعتماد على علم الجينوم التطوري.
قال سوليفان، وهو أيضًا أستاذ في معهد كارولينسكا في ستوكهولم، السويد: «إنها أداة تستطيع تزويدنا بالكثير من المعلومات والتفسيرات المهمة عن الأمراض البشرية. إذا تمكنا من الغوص بعمق في الجينوم الخاص بك، يمكننا الحصول على فكرة عن أسلافك، سواء كانوا بشرًا أو غير بشر، ونلاحظ آثار ملايين السنين من التطور بداخلك».
ما الذي يجعلنا ثدييات
داخل كل كائن حي على هذا الكوكب حمض نووي خاص به. تعمل المادة الوراثية ذاتية التكاثر على إنتاج جزيئات معينة في الكائنات الحية، مثل البروتينات. ليس من المستغرب أن يشترك البشر وأقرب أقربائنا، الشمبانزي في 98.8% من المادة الوراثية.
في حين أن بعض جيناتنا قد تطورت بمرور الوقت، لكن بقي بعضها الآخر كما هو طوال العملية التطورية للثدييات بأكملها. من الناحية العلمية، تسمى هذه الجينات «شديدة التقييد». تمتلك بعض الجينات البشرية قدرًا مذهلاً من التشابه الجيني مع الفئران والأبقار والكلاب والقطط والخفافيش والدلافين في العديد من مناطق الجينوم.
وفقًا لسوليفان: «هذه هي الجينات التي توحدنا كثدييات. نظرًا لأن هذه الجينات خضعت لـ «تجربة نارية» طوال التاريخ التطوري، يجب أن تلعب هذه المناطق الجينية غير المتغيرة دورًا أساسيًا في التركيب الصحي والجيني للكائن الحي».
يتابع سوليفان: «يمكن لبعض الجينات شديدة التقييد أن تصنع بروتينات متطابقة تقريبًا عند كل من البشر والفئران. وقد يفاجئك ذلك؛ نظرًا لوجود حوالي 60 مليون سنة من التطور بيننا وبين الفأر. ومع ذلك، لم يتغير هذا البروتين، وبذلك نستنتج أنه يقوم بوظيفة مهمة حقًا».
قد يكون من الأسهل رؤية عمل جيناتنا المشتركة عندما نصغر الصورة لأخذ نظرة أكثر شمولية.
يتشارك البشر والثدييات الأخرى في الهياكل التشريحية، مثل القلب المكون من أربع حجرات، والرئتين، والشعر (أو الفراء)، والهيكل العظمي، والغدد الثديية المنتجة للحليب. نشارك أيضًا عمليات أساسية مماثلة على نطاق أصغر، بما في ذلك علم الأجنة، وكيفية نمو الخلايا وانقسامها، وتطوير وتشغيل المشابك العصبية التي تنقل المواد الكيميائية العصبية في جميع أنحاء أجسامنا وأدمغتنا.
تتشكل جميعها من خلال مناطقنا الجينية المشتركة. لذلك، إذا تغير أو حُذف أحد هذه الجينات التي تشكل أساسيات الثدييات، سيكون لذلك آثار سلبية على الكائن الحي.
طريقة جديدة لرؤية الصحة العقلية والجسدية للإنسان
عند دراسة مريض يعاني من اضطراب دماغي عصبي أو اضطرابات نفسية معينة، يستطيع الباحثون تتبع الحالة والبحث عن تغير أو حذف أو طفرة في أحد الجينات شديدة التقييد، والتي تعتبر بالغة الأهمية للجهاز العصبي وبنية الدماغ، والمشابك العصبية.
اعتمد العديد من الباحثين على دراسة الارتباط على نطاق الجينوم (GWAS) لمعرفة مكان الخطر الجيني لمرض ما في الجينوم. باستخدام التقنيات الجينومية والعينات كبيرة الحجم، يمكن للباحثين تحليل الجينوم الكامل للعديد من السكان للعثور على الاختلافات الجينية، مثل تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة (SNPs) المرتبطة بمرض أو سمة.
على الرغم من أنه من المهم معرفة مكان وجود هذه الاختلافات في الجينوم، لكن من المفيد أيضًا معرفة كيف ولماذا حدثت هذه الاختلافات الجينية في الأساس. يأمل سوليفان أن يستفيد باحثون آخرون من المعلومات والأبحاث الجديدة والواسعة للوصول إلى استنتاجاتهم الخاصة فيما يتعلق بالوراثة الكامنة وراء مجموعة متنوعة من الأمراض البشرية.
قال سوليفان، الذي يعمل مديرًا لمعهد منع الانتحار التابع لجامعة الأمم المتحدة\نورث كارولينا في قسم الطب النفسي: «استنتجنا أن الدماغ حافظ على الكثير من سماته خلال تطوره مع الزمن. لقد منحني هذا المشروع البحثي حقًا فهمًا أعمق بكثير للجينوم وكيفية تكوينه. إنني أستخدم هذا طوال الوقت في محاولة لفهم الفصام والانتحار والاكتئاب واضطرابات الأكل».
ما هي أهمية هذا للبحث في المستقبل
يحتاج التطور الناجح للإنسان حملًا ثقيلًا من البروتينات وتسلسل الحمض النووي. يوجد منطقتَين قصيرتَين داخل حمضنا النووي، تسمى المعززات التنظيمية والمحفزات التنظيمية، تلعبان دورًا مهمًا بشكل خاص في تنظيم حمضنا النووي.
يشبه تكوين جين بشري مصنع ينتج الكعك. المعززات التنظيمية هي المسؤولة عن التحكم في كمية العجين التي تضغطها الماكينة على صينية الخبز. من ناحية أخرى، يتحكم العمال في وقت رش العجين على الصينية. وفي نهاية اليوم تحصل على جين كامل التكوين.
قد يستطيع بعض الباحثين مثل سوليفان تغيير تسلسل الحمض النووي بزيادة أو تقليل هذه المعززات والمحفزات التنظيمية للتأثير على كمية البروتينات التي تنتجها الجينات، بهدف تقليل آثار أو حتى معاكسة آلية المرض.
يقول سوليفان: «قد نستطيع التأثير على الجزء الذي يتحكم وينظم الجينات بطريقة ناعمة جدًا، لمعرفة ما إذا كنا قادرين على التأثير على الأمراض حقًا».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org