إعادة تعريف شجرة حياة الثدييات
يعمل الباحثون على إعادة تعريف شجرة الحياة للثدييات عبر دراسة جينوم 241 نوعًا منهم
أدى البحث الذي قاده فريق من العلماء من كلية الطب البيطري والعلوم الطبية الحيوية في تكساس إيه آند إم إلى إثارة جدل علمي ساخن عن تاريخ تنوع الثدييات، وعلاقته بانقراض الديناصورات غير الطيور. يقدم عملهم إجابة نهائية للجدول الزمني التطوري للثدييات على مدار المئة مليون سنة الماضية.
الدراسة التي نُشرت في مجلة Science، هي جزء من سلسلة من المقالات التي أصدرها مشروع زومونيا Zoonomia، وهو اتحاد من العلماء من جميع أنحاء العالم، ويستخدم أكبر مجموعة بيانات جينومية للثدييات في التاريخ لتحديد التاريخ التطوري للجينوم البشري من سياق التاريخ التطوري للثدييات. هدفهم النهائي هو تحديد الأساس الجيني للسمات والأمراض لدى البشر والأنواع الأخرى بشكل أفضل.
إن أبحاث جامعة تكساس إيه آند إم بقيادة الدكتور ويليام ج. مورفي، الأستاذ في قسم العلوم البيولوجية التكميلية البيطرية، والدكتورة نيكول فولي، عالمة أبحاث مشاركة في مختبر مورفي وباحثة في علم الوراثة العرقي، وهو فرع من علم الأحياء يتعامل مع العلاقات التطورية وتنويع الكائنات الحية المنقرضة.
بحسب فولي: «الحجة الأساسية هي تباعد الثدييات المشيمية (الثدييات التي تتطور داخل المشيمة) قبل أو بعد حدث الانقراض الطباشيري-الباليوجيني (أو K-Pg) الذي قضى على الديناصورات غير الطيرية. يمكن من خلال إجراء أنواع جديدة من التحليلات التي أصبحت ممكنة فقط بسبب النطاق الهائل لمشروع زومونيا الإجابة على سؤال أين ومتى تنوعت وتطورت الثدييات حول فترة الانقراض الطباشيري-الباليوجيني».
من نتائج البحث الذي أُجري بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا، دافيس وجامعة كاليفورنيا، ريفرسايد، والمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي أن الثدييات بدأت في التنوع قبل الانقراض الطباشيري-الباليوجيني نتيجة للانجراف القاري، مما أدى إلى تباعد كتل اليابسة على الأرض وعودتها على مدى ملايين السنين. وكان هناك حدث آخر من التنويع مباشرة بعد انقراض الديناصورات، عندما كان لدى الثدييات مساحة وموارد واستقرار أكبر.
أدى هذا المعدل المتسارع من التنويع إلى التنوع الغني في سلالات الثدييات، مثل الحيوانات آكلة اللحوم والرئيسيات والحافريات الموجودة حاليًا.
موّلت مؤسسة العلوم الوطنية، وهي جزء من مشروع زومونيا Zoonomia بقيادة إلينور كارلسون وكيرستين ليندبلاد-توه من معهد برود بحث مورفي وفولي. يقارن بحث معهد برود أيضًا جينومات الثدييات لفهم أسس الأنماط الظاهرية الرائعة التي تعبر عن جينات معينة مثل العيون البنية والعيون الزرقاء، وأصل المرض.
أشارت فولي إلى أن التنوع بين الثدييات المشيمية يظهر في كل من سماتها الجسدية وقدراتها غير العادية.
«تمثل الثدييات اليوم تنوعًا تطوريًا هائلاً، بدءًا من الخفاش الطائر إلى النحل الصغير حتى الحوت الأزرق الهائل وهو يسبح في محيطات الأرض الشاسعة. وقد تطورت أنواع متعددة لتستطيع تحديد الموقع بالصدى، أو إنتاج السم، بينما طور البعض الآخر مقاومة للسرطان وتحمّل للفيروسات».
وتابعت قائلة: «قد تساعدنا القدرة على النظر إلى الاختلافات والتشابهات المشتركة بين أنواع الثدييات على المستوى الجيني في معرفة أجزاء الجينوم الضرورية لتنظيم التعبير عن الجينات. أدى تعديل هذه الآلية الجينومية في الأنواع المختلفة إلى تنوع السمات التي نراها عبر الثدييات الحية اليوم».
يوضح مورفي أن ما اكتشفته فولي في مجال علم الوراثة العرقي عن الثدييات أمر بالغ الأهمية لأهداف مشروع زومونيا Zoonomia، الذي يهدف إلى تسخير قوة الجينوميات المقارنة كأداة للطب البشري والحفاظ على التنوع البيولوجي.
وأوضح أن «مشروع زومونيا Zoonomia مؤثر حقًا لأنه التحليل الأول لمقارنة 241 جينومًا متنوعًا للثدييات في وقت واحد واستخدام هذه المعلومات لفهم الجينوم البشري بشكل أفضل. كان الدافع الرئيسي لتجميع مجموعة البيانات الضخمة هذه هو القدرة على مقارنة كل هذه الجينومات مع الجينوم البشري ثم تحديد أجزاء الجينوم البشري التي تغيرت على مدار التاريخ التطوري للثدييات».
يعد تحديد أجزاء الجينات التي يمكن التلاعب بها والأجزاء التي لا يمكن تغييرها من دون إحداث خلل وظيفي في الجين أمرًا مهمًا للطب البشري. استخدمت دراسة حديثة في مجلةScience Translational Medicine بقيادة عالم الوراثة من جامعة تكساس إيه آند إم الدكتور سكوت ديندوت، وهو أحد زملاء مورفي وفولي، طريقة الجينوم المقارن لتطوير العلاج الجزيئي لمتلازمة أنجلمان، وهو اضطراب عصبي نادر مدمر سببه عطل وظيفي يصيب جين UBE3A والذي يؤثر على الخلايا العصبية في الدماغ بشكل أساسي.
استفاد فريق ديندوت من نفس مقاييس القيود التطورية التي حددها مشروع زومونيا وطبقها لتحديد هدف جيني مهم ولكنه غير معروف سابقًا والذي يمكن استخدامه لإنقاذ التعبير الجيني عن جين UBE3A في الخلايا العصبية البشرية.
قال مورفي إن توسيع القدرة على مقارنة جينومات الثدييات باستخدام أكبر مجموعة بيانات في التاريخ سيساعد في تطوير المزيد من العلاجات لأمراض الأنواع الأخرى المتأصلة في علم الوراثة، بما في ذلك القطط والكلاب.
وأوضح مورفي: «تمتلك القطط على سبيل المثال تكيفات فسيولوجية متجذرة في طفرات فريدة تسمح لها باستهلاك نظام غذائي عالي الدهون وعالي البروتين وغير صحي للغاية للإنسان. أحد الجوانب الجميلة لدراسة مقارنة 241 نوعًا التي نقوم بها في مشروع زومونيا هو أنه يمكننا اختيار أي نوع (ليس البشر فقط) كمرجع وتحديد أي أجزاء من جينوم هذا النوع قابلة للتغير وأي منها لن يستطيع تحمله. في هذه الحالة من القطط مثلًا، قد نتمكن من المساعدة في تحديد التكيفات الجينية التي قد توصلنا إلى أهداف علاجية لأمراض القلب والأوعية الدموية لدى البشر».
لعب كل من مورفي وفولي أيضًا دورًا أساسيًا في العديد من الأوراق اللاحقة التي تشكل جزءًا من المشروع.
أوضحت فولي: «أكثر الأشياء التي تبعث على السرور بالنسبة لي في العمل كجزء من مشروع أوسع هو رؤية عدد المشاريع البحثية المختلفة التي يعززها تضمين نسختنا في تحليلاتهم. يشمل ذلك دراسات عن جينوميات الحفظ للأنواع المهددة بالانقراض، والتي تدرس تطور صفات بشرية معقدة مختلفة».
قالت فولي إنه كان من المجدي والمجزي الإجابة بشكل قاطع على السؤال الذي نوقش بشدة عن أصول الثدييات وإنتاج سلالة موسعة تضع الأساس للأجيال العديدة القادمة من الباحثين.
وقالت: «من الآن فصاعدًا، ستكون مقارنات الجينوم الهائلة وسجلها التاريخي لتطور جينوم الثدييات أساس كل شيء سيفعله الجميع عندما يطرحون أسئلة مقارنة عن الثدييات. إن هذا رائع جدًا».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org