كيف طورت الجرابيات وثدييات الأخرى القدرة على الطيران بشكل منفصل
ضع القمر نُصب عينيك، حتى لو لم تبلغه، ستهبط على الشجرة المجاورة. يبدو أن العديد من مجموعات الثدييات قد أخذت هذه النصيحة التطورية على محمل الجد. وفقًا لورقتنا المنشورة حديثًا في Science Advances، ربما استخدمت الحيوانات الأخرى نفس المخططات لبناء «أجنحتها».
الطيور هي أبطال السماء بلا منازع بعد أن أتقنت الطيران خلال العصر الجوراسي، لكن الثدييات قد طورت القدرة على الطيران بتواتر أكثر من الطيور. في الواقع، ما يصل إلى سبع مجموعات مختلفة من الثدييات التي تعيش اليوم انتقلت إلى الهواء بشكل مستقل عن بعضها البعض.
حدثت هذه التجارب التطورية في حيوانات شجرة عائلة الثدييات – بما في ذلك السناجب الطائرة والبوسوم الجرابي وأدميات الأجنحة أو الكولوغو (ابن عم الرئيسيات). لكنها جميعًا تشترك بأمر واحد. إنها البنية الجلدية الخاصة بين أطرافها وتسمى الباتاغيوم أو غشاء الطيران.
تشير حقيقة الظهور المتكرر لهذه البنى المتماثلة (عملية تسمى التطور التقاربي) إلى أن الأسس الجينية للغشاء قد سبقت الطيران نفسه. في الواقع، من الممكن أن الثدييات جميعها تتقاسم هذه الجينات، حتى تلك التي تعيش على اليابسة.
إن صح هذا، فإن دراسة غشاء الطيران يمكن أن تساعدنا على فهم أفضل للتكيف المذهل للثدييات. قد نكتشف أيضًا جوانب غير معروفة سابقًا في علم الوراثة البشرية.
غشاء بسيط مخادع
على الرغم من كونها بنية جلدية بسيطة، إلا أن غشاء الطيران يحتوي على العديد من الأنسجة، بما في ذلك الشعر ومجموعة غنية من الخلايا العصبية الحساسة للمس والأنسجة الضامة وحتى صفيحات عضلية رقيقة. ولكن في المراحل الأولى من التكوين، تهيمن على هذه الأغشية طبقتان رئيسيتان من الجلد: الأدمة الداخلية والبشرة الخارجية.
في البداية، تكون شبيهة جدًا بالجلد المجاور. ولكن في مرحلة ما، يبدأ الجلد على جوانب الحيوان في التغير بسرعة أو ما يسمى التمايز. تخضع الأدمة لعملية تسمى التكثيف، حيث تتجمع الخلايا وتصبح الأنسجة كثيفة للغاية. في هذه الأثناء، تزداد سماكة البشرة في عملية تسمى فرط التنسج
يحدث هذا التمايز في بعض الثدييات في المرحلة الجنينية. لكن في النوع الرئيسي للدراسة، أبوسوم قندي الطيار (Petaurus breviceps) تبدأ هذه العملية بعد الولادة، أثناء تواجد الصغار في جراب الأم، ما يوفر لنا فرصة رائعة لمراقبة تشكل غشاء الطيران.
بدءًا من أبوسوم القندي الطيار، فحصنا سلوكيات آلاف الجينات النشطة خلال التطور المبكر لغشاء الطيران لمحاولة اكتشاف كيفية بدء سلسلة الأحداث هذه.
من الأبوسوم إلى الخفافيش
اكتشفنا أن مستويات الجين المسمى Wnt5a ترتبط ارتباطًا وثيقًا ببدء تلك التغيرات الجلدية المبكرة – التكثيف وفرط التنسج. من خلال سلسلة من التجارب التي تضمنت أنسجة الجلد المستنبتة وفئران المختبرات المعدلة وراثيًا، أظهرنا أن إضافة جين Wnt5a الإضافي كان كل ما يتطلبه الأمر لدفع كل من هذه السمات المميزة لتشكيل غشاء الطيران.
ومن المثير للاهتمام، عندما قمنا بتوسيع عملنا ليشمل الخفافيش، وجدنا أنماطًا متشابهة للغاية من نشاط Wnt5a في أغشية الطيران الجانبية النامية لتلك الموجودة في الأبوسوم الطيار. كان هذا مفاجئًا، لأن آخر سلف مشترك للخفافيش (الثدييات المشيمية) مع الأبوسوم القندي الطيار كان منذ حوالي 160 مليون سنة.
ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أننا وجدنا نمطًا متطابقًا تقريبًا في الأذن الخارجية (أو صيوان) لفئران التجارب. الصيوان سمة عامة تقريبًا بين الثدييات، بما في ذلك أنواع لا حصر لها دون سلف طائر.
صندوق أدوات جزيئي
تشير هذه النتائج إلى شيء عميق. من المحتمل أن يكون دور Wnt5a في إدخال تغييرات الجلد اللازمة لغشاء الطيران قد تطور قبل وقت طويل من تحليق أول حيوان ثديي.
في الأصل، لم يكن للجين علاقة بالطيران، بل ساهم بدلاً من ذلك في تطوير سمات تبدو غير مرتبطة. ولكن بسبب النسب المشترك، ورثت معظم الثدييات الحية اليوم هذا الجين. عندما بدأت أنواع مثل الأبوسوم الطيار والخفافيش رحلاتها المنفصلة في الهواء، حققت ذلك باستخدام «صندوق أدوات جزيئي» مشترك.
ليس هذا فقط، ولكن من المحتمل لصندوق الأدوات نفسه أن يكون موجودًا في البشر أيضًا ويعمل بطرق لم نفهمها تمامًا بعد.
ثمة حدود لعملنا الأخير. أولاً، لم نطور فأرًا طائرًا. قد يبدو هذا أشبه بمزحة، لكنه يوضح أننا ما زلنا لا نفهم تمامًا كيف تصبح منطقة من الجلد الكثيف السميك غشاء طيران رقيقًا وواسعًا. لا بد أن العديد من تضافر عمل العديد من الجينات مجهولة الوظيفة.
ثانيًا، رغم أننا أظهرنا علاقة السبب والنتيجة بين Wnt5a وتمايز جلد غشاء الطيران، لكننا نجهل بالضبط كيف يتم ذلك. للمضي قدمًا، نأمل في سد هذه الفجوات من خلال توسيع آفاق مقارناتنا عبر الأنواع وإجراء المزيد من الدراسات الجزيئية المتعمقة حول تكوين غشاء الطيران في أبوسوم القندي الطيار.
في الوقت الحالي، تقدم دراستنا رؤية جديدة ومثيرة للطيران في الثدييات.
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: phys.org