كيف باتت الحيتان أكبر ثدييات الأرض
تتمتع الحيتانيات الحديثة – الحيتان والدلافين – بتباين كبير في الأحجام مقارنةً بأي مجموعة حيوانية حية، إذ تتراوح من الأحجام الصغيرة بطول 1.5 متر وصولًا إلى 30 متر. ومع ذلك، كشفت دراسة جديدة أن هذا التنوع قد حلّ متأخراً في تطورها أكثر مما اعتُقد سابقًا.
عمل فريق من العلماء متضمنًا الدكتور ترافيس بارك والدكتور غوستافو بورين، باحثا ما بعد الدكتوراة من منظمة Leverhulme في متحف التاريخ الطبيعي، عمل على جمع قياسات طول الجسم لـ 345 نوعًا مختلفًا، بما في ذلك 89 نوعًا حيًا و256 سلالة أحفورية في سياق أكبر مجموعة بيانات وذلك بهدف التعمق أكثر بتطور الحيتانيات. نُشر مقال الفريق «المشهد الديناميكي التكيفي لحجم جسم الحيتانيات» في مجلة Current Biology
من خلال مقارنة أطوال الأجسام من كل من الأنواع الحية والأحفورية – وهو نهج نادرًا ما يتم اتباعه – كشف البحث أن الاتجاهات التطورية في حجم الحيتانيات ظلت ثابتة لأكثر من 20 مليون سنة بعد دخولها المحيط.
على الرغم من تنوع أحجام الحيتان خلال تلك الفترة، إلا أن جميعها كانت آخذة بالتطور نحو الطول الأمثل الذي يبلغ حوالي 12.5 مترًا، وهو ما يعادل حجم الحوت الأحدب.
قال المؤلف المشارك الرئيسي الدكتور غوستافو بورين: «رغم أن الدراسات السابقة قد بحثت في تطور حجم جسم الحوت، إلا أن عدد قليل منها لجأ لجمع قياسات من الأنواع الحية والأحفورية، ولم تكن أي دراسة منها شاملة من حيث الأنواع المتضمنة». ويضيف «إن إدراج الحفريات يسد الكثير من الثغرات في تطور هذه الحيوانات، ما يدل على أن أنماط التطور في حجم الجسم أقل وضوحًا بكثير مما كان متوقعًا. هذا اكتشاف مثير للاهتمام يوضح تأثيرات استبعاد الأنواع المنقرضة من دراسات مسارات التطور».
بعد أن حققت الحيتان نقلة نحو تطوير أحجام أكبر في وقت مبكر من زمنها التطوري، ظل هذا المسار ثابتًا لملايين السنين. حدثت النقلة الثانية منذ حوالي 30 مليون سنة، حيث تكيف أسلاف الدلافين الحديثة لتصبح مفترسة سريعة الحركة ورشيقة.
ومع ذلك، فإن أكثر التعديلات تطرفاً في الحجم نراها فقط في الفروع الفردية لعائلة الحيتانيات الأقرب إلى الوقت الحاضر. على سبيل المثال، زاد متوسط حجم أسلاف الحيتان البالينية بنسبة تصل حتى 175٪.
فسر الباحثون التغييرات كونها تكيفية، حيث يمكن تخيل التطور أشبه بموجة تسودها ذرى وانخفاضات. يتم تمثيل أفضل السمات في بيئة معينة على أنها ذرى، وكلما زاد ارتفاعها، زادت الميزة التي توفرها.
وجد الفريق أنه عندما تم تضمين الحيتانيات الأحفورية مع الأنواع الحية، فإن ذرى حجم الجسم تختفي. بدلاً من ذلك، وجدوا أن المشهد التكيفي كان مسطحًا في الغالب مع القليل من الذرى.
كانت الحوتيات الأولى حيوانات بحجم الماعز تعيش على حافة البحيرات والأنهار، وتقضي وقتها داخل وخارج المياه. بمرور الوقت، تكيف أحفادها بشكل متزايد مع الحياة المائية قبل أن يهجروا اليابسة تمامًا.
تُعرف الأنواع التي تعود إلى الماء بعد العيش على اليابسة بأنها مائية ثانوية، بالإضافة إلى الحيتانيات تتضمن حيوانات أخرى كطيور البطريق والتماسيح.
تواجه هذه الأنواع مجموعة فريدة من التحديات بعد انتقالها إلى الماء، والتطور لتصبح أكبر في الحجم هو أحد الطرق لحل العديد منها.
قال الدكتور ترافيس بارك، المؤلف الرئيسي المشارك للورقة البحثية «تميل العديد من السلالات التي تعود إلى الماء إلى الزيادة في الحجم بعد فترة وجيزة من إجراء هذا الانتقال، لأنه غالبًا ما يشكل ميزة لها في البيئة الجديدة. على سبيل المثال، تفقد الأنواع الصغيرة الحرارة بسرعة تحت الماء لذا فإن زيادة حجم الجسم يمكن أن يساعد في الحفاظ على درجة حرارة الجسم». ويضيف «قد تؤدي العودة إلى الماء أيضًا إلى إطلاق القيود التطورية التي تفرضها قوى مثل الجاذبية، والتي من شأنها أن تسمح بتطور أحجام أكبر بكثير. ومن الصعب تحديد السبب الأبرز، حيث يتم تحديد حجم الجسم من خلال مجموعة من العوامل المتضافرة المختلفة».
على سبيل المثال، شهد حوت المنك، أصغر حوت باليني، انخفاضًا عامًا في الحجم. اقتُرح مؤخرًا أن هذا قد يسمح له ليلًا باستهداف تجمعات كريليات أصغر وأكثر قدرة على المناورة عندما يقل نشاط الحيتان الأخرى.
استُحصل على أكثر من ثلث قياسات الجماجم المستخدمة في الورقة البحثية من عينات متحف التاريخ الطبيعي، وبيانات الطول الإجمالي لـ 1،659 عينة تم استردادها من قاعدة بيانات ظواهر جنوح الحيتانيات التابعة لمتحف التاريخ الطبيعي، مما يدل على أهمية مجموعات المتحف وبحوثه.
يرغب فريق العلماء المسؤولين عن هذا البحث الأخير بتطبيق نهج مماثل على الحيوانات المائية الثانوية الأخرى بدءًا بالفقمة، ويأملون في رؤية كيف تغيرت هذه المجموعات، وكيف يمكن أن تؤثر المنافسة بينها على تطورها المتبادل.
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: phys.org