ما سبب رؤية الفرائس لمخاطر لا وجود لها وكيف يؤثر هذا عليها.
ربما يقضي متابع منفعل لأفلام ومسلسلات الرعب ليلة قلقة تحت اللحاف بعد مشاهدته لمسلسل شبكة HBO الناجح عن نهاية العالم “The Last of Us” إذ يغدو ظل معطف معلق على ظهر كرسي أو حتى صراخ قطة في الحديقة دافعاً لزيادة إفراز الأدرينالين.
تتأتى الخشية لدى الحيوانات عن الاصطفاء الطبيعي وليس عن مشاهدة برامج الرعب التلفازية، إلا أنها وعلى نحوٍ مشابه للبشر تخطئ عادة لدى تحفزهم للأخطار.
من الصعب أصلاً تحديد هوية مفترس متخفٍ. فمن منظور طائرٍ مغردٍ مثلاً، قد يبدو غراب مسالم يحلق فوقه على شاكلة طير جارح. يمثل تمييز مثل هذا الطير تحدياً أكبر نتيجة اضطرار الفرائس لإنجاز مهامٍ عديدة في الآن عينه، مثل البحث عن الطعام ومراقبة المنافسين والتزاوج.
إلا أن العمل ضمن مجموعة يسهل من هذا التحدي، فيمكن لأفراد سربٍ من الأسماك أو الطيور أو قطيع من الظبي التشارك في عملية التحفز من الحيوانات المفترسة. وعندما يرصد أحدهم قدوم حيوان مفترس، يقوم بمشاركة هذه المعلومة مع باقي أفراد المجموعة مباشرةً عن طريق إنتاج تحذير أو الاستعداد للهروب على نحوٍ لا داعٍ له. تقوم على إثرها المجموعة كلها بالاستجابة عن طريق الهروب أو الاختباء أو اتخاذ وضعاً دفاعياً.
إلا أنه لا يمكن التعويل دائماً على مثل هذه المعلومات. إذ أن ما يزيد عن أكثر من نصف استجابات الإوز الرمادي لتهديد وجود فرائس تحدث مع عدم وجود أيٍ منها بالقرب.
يتجاوز معدل الإنذارات الخاطئة عند ديك الصخور الغياني في أمريكا الجنوبية نسبة السبعين بالمئة، وترتفع هذه النسبة إلى ما يزيد عن 75% لدى طيور الدريجة الشبه مكففة وقرقف الصفصاف عند تمييز محفز لا يشكل أي خطر خطأً على أنه مفترس.
قد يكون أثر هذا مكلفاً على شاكلة التخلف عن البحث عن الطعام أو التضحية بوقت الراحة أو إهدار الطاقة. والسؤال، ما هو مسبب هذه الإنذارات الخاطئة وكيف للحيوانات أن تتفادها؟
احتمال حدوث إنذار خاطئ
قمنا في مقالة منشورة مؤخراً بمراجعة دراسة بحثية عن سوء تمييز الحيوانات المفترسة خلصت إلى أن الإنذارات الخاطئة هي أمرٌ شائع في مملكة الحيوان، ورأينا بأن نزوع الحيوانات لإنتاج إنذارات خاطئة يتفاوت اعتمادا على عوامل أساسية ثلاثة:
- مدى وضوح دلالات الحيوان المفترس.
- مدى عرضة الفريسة للمفترس.
- كلفة القيام بالتحذير أو السلوك الهروبي.
يرجح أن ترتفع إمكانية التمييز الخاطئ لأصوات أو حركات غير متصلة على أنها حيوان مفترس مع صعوبة تحديد هوية هذا الأخير ربما بحكم حسن تخفيه. إذ خلص البحث إلى أن النحل الطنان الذي خبر قبلاً عناكب سرطانية مذهبة عالية التخفي ينتج إنذارات خاطئة أكثر من تلك الصادرة عن نظيراتها التي لم تألفهم.
أو أن بعض الأنواع هي ببساطة أكثر عرضةً للحيوانات المفترسة من سواها. ربما لأنها تفتقر للسرعة الكافية للنجاة من مواجهة محتملة أو لما يمكنها من مقاتلة مفترس. بالنسبة لهذه الأنواع، يمكن لتجاهل إنذار غير خاطئ بأن يقود على الأرجح إلى الموت، لذا فمن الأكثر إفادةً التأني بداعي السلامة وتنكب تبعات الخطأ لماماً.
تصدر طيور قرقف الصفصاف صرخات تحذير استجابة لمعظم الأجسام الطائرة بما فيها الطائرات والغربان، لأنه يتم إصطيادها عادةً في كمائن يرجح بألا تنجو منها. لذا تتضاءل تكلفة إصدار صيحة تحذير خاطئة بمواجهة بعض الطائرات مقارنةً مع خطر الموت في هجوم يقوم به حيوان مفترس.
تكون كلفة الهروب دون داعٍ في بعض الظروف أفدح، وعليه قد يحتاج الحيوان إلى مزيد من اليقين بشأن الخطر الذي يشكله تهديد محتمل قبل اتخاذ فعل هروبي.
تضاعف طيور الدريجة الشبه مكففة من وزن أجسامها لدى قيامها بتخزين مؤنتها قبل الهجرة، مما يعني أن التحليق سيتطلب المزيد من الطاقة على نحوٍ ملموس. ولوحظ بأن تواتر الإنذارات الخاطئة تراجع في المراحل اللاحقة من عملية التخزين هذه مع تزايد وزن الجسم وتضاعف كلفة الطيران بداعي الهرب.
من يمكن الوثوق به؟
تشكل الإنذارات الخاطئة معضلةً للحيوانات التي تعيش ضمن جماعات. فإن استجابت بتواتر لتهديدات محتملة، ستهدر طاقةً وإمكانية القيام بنشاطات أخرى حيوية لدوامها. فمثلاً، يهدر الإوز الرمادي وسطياً 19 دقيقة من الوقت المخصص للبحث عن الطعام خلال إصدار إنذار خاطئ، ومع تعدد مثل هذه الإنذارات في اليوم الواحد، يؤدي هذا التراكم من الوقت المهدور إلى فقدٍ كبير للطعام.
إلا أنه في حال تجاهل الحيوانات لتنبيهات مبهمة بشكل متكرر، فإنها تخاطر بتعرضها لهجوم فعلي من حيوان مفترس وللموت. ولذا تعتمد الحيوانات على مجموعة من الاستراتيجيات للحيلولة دون انتشار معلومات خاطئة في مجموعاتها.
تقوم الحيوانات في بعض أصناف القوارض والغرابيات والرئيسيات بتذكر أيٍ من أفرادها لم يعول عليهم في الماضي وستتوقف بالتالي عن الإستجابة لتحذيراتهم.
قام باحثون في سنة 1988 بإذاعة صيحتين مختلفتين صادرتين عن منبه غير موثوق لمجموعة من قرود الفرفت. قامت هذه الأخيرة ليس فقط بتجاهل الصيحة التي تعلمت أن تتجاهلها، بل أيضاً تجاهلت صيحة مختلفة صوتياً صادرة عن نفس المنبه العضو في مجموعتها.
تعتمد أصناف عديدة أيضاً استراتيجية تسمى “اتخاذ القرارات بالإجماع.” بمعنى، إذا صدر التحذير عن عضو واحد في المجموعة فحسب، فمن المحتمل على نحوٍ أكبر أن يكون خاطئا على خلاف صدوره نفسه عن العديد من أفرادها. في هذه الحالة، تقوم المجموعة بالقيام بفعل هروبي لدى استجابة عدد معين من أفرادها فحسب للمعلومة.
تقوم مجموعات من الطيطوي أحمر الساق (وهو من طيور الخواضات الذي يعيش في المملكة المتحدة وأوروبا) بالاستجابة فوراً إذا باشر العديد من أفرادها تحليقاً هروبياً. أما إن قام فرد واحد بهذا، يقوم بقية أفراد الجماعة بمسح المنطقة المحيطة للتحقق من صحة التحذير قبل القيام بأية فعل.
تؤثر الاستجابة للتهديدات، سواء الحقيقية أو المتخيلة، على نجاة أصناف الفرائس. إلا أن ما يوازن هذا، أي الفصل بين الإنذار الحقيقي والخاطئ، له أثر واضح على كيفية تقييم الحيوانات واستجابتها لمعلومات صادرة عن أفراد جماعاتها.
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: phys.org