أعطى العلماء البطاريق مرآة، وازدادت أسئلتنا

على مدى عقود، حمل العلماء مرآة حرفية أمام حيوانات مختلفة لتحديد ما إذا كانت عقولهم تتميز بنوع من تمثيل الذات.

الفيلة والقردة والدلافين وطيور العقعق الأوراسي وأسماك الكيدميات ليست سوى بعض من الحيوانات التي تنضم إلى البشر والشمبانزي في هذا النادي الحصري، كل منها يستجيب لانعكاسه بطريقة تُظهر تفهم أنه يمثل نفسه.

وضع العلماء الآن طيور بطريق آديلي في اختبار المرآة، وتوصلوا إلى نتائج مختلطة. في حين أنه قد يكون من السابق لأوانه استنتاج أن طيور البطريق لديها شعور بالوعي الذاتي، لكن يشعر فريق البحث أن هناك أدلة كافية لاعتبارها معقولة.

أسس جوردون غالوب اختبار المرآة في السبعينيات، وأصبح اختبار المرآة تجربة كلاسيكية لإظهار الوعي الذاتي لدى الحيوانات. الطريقة مباشرة نسبيًا. تعتاد الحيوانات أولاً على المرآة لتعتاد على وجودها وانعكاسها. توضع علامة واضحة في مكان ما على الجسم بعد تخدير الحيوان المدروس بشكل لا يمكنهم رؤيته مباشرة. عند رؤية العلامة في المرآة، سيتصرف الحيوان المدرك لذاته بطريقة توضح أنه مدرك أن جسمه هو الذي يراه، وليس شيئًا آخر.

بقدر ما قد يبدو بديهيًا أنه يفترض أن ردود الفعل على انعكاس في ظل ظروف مختلفة قد تشير إلى نوع من تمييز الذات، لكن يوجد حدود واضحة للاختبار. ومع ذلك، تبقى إحدى الوسائل القليلة التي يمكننا من خلالها البدء في استكشاف تفكير عقل آخر.

في دراسة أولية تنتظر مراجعة الأقران، قدم فريق بقيادة برابير جوش داستيدار من وزارة علوم الأرض الهندية طيور بطريق آديلي البرية (Pygoscelis adeliae) إلى انعكاساتها الخاصة خلال سلسلة من التجارب.

تعد طيور البطريق حيوانات اجتماعية للغاية، إذ تعتمد أنواع أنتاركتيكا على التجمعات الاستعمارية لتحمل فترات الشتاء القاسية. من السهل نسبيًا اختبار هذه الحيوانات في المواقف البرية، على عكس العديد من اختبارات المرآة الأخرى التي تطلبت وجود الحيوانات في بيئة أسيرة.

وضع 12 بطريقًا أمام المرآة في ظروف مختلفة. عند تعرضها كمجموعة، كان هناك رد فعل ضئيل، ولكن عند عزلها بواسطة حاويات من الورق المقوى وتعريضها بشكل فردي للمرآة، فحصت هذه الحيوانات انعكاساتها.

كتب الفريق في ورقتهم: «أجرت طيور البطريق حركات سريعة لرؤوسها أو زعانفها أو في أجسادها، ويبدو أن بعضها كان بمثابة إيماءات. تكررت العديد من هذه الحركات والإيماءات بسرعة، ولكن اللافت للنظر أن الاهتمام البصري لجميع طيور البطريق كان ثابتًا على صورها خلال الفترة الزمنية الكاملة لأدائها».

لم تحاول الطيور الاتصال أو إظهار أي عداء تجاه صورتها المرآة، مما يشير إلى أنها ربما «تعرف» على مستوى ما أن الطائر الموجود في المرآة لم يكن صديقًا ولا عدوًا، ولم يبقى إلا نفسه.

عندما وضعت «علامة» بلون أحمر، فشلت طيور البطريق في التفاعل مع التغير في مظهرها.

يعترف الفريق بوجود أدلة غير مؤكدة على عدم قدرة جميع طيور البطريق على رؤية اللون الأحمر، لذا فهم غير واثقين من هذه النتيجة.

يقترح داستيدار وزملاؤه: «يجب تصميم مثل هذه التجارب بشكل أفضل في المستقبل، ومع ذلك، تقودنا تحقيقاتنا إلى اقتراح مبدئيًا بأن بطاريق الآديلي قد تكون واعية لذاتها، بحسب ما يتضح من ردودها على صورها في المرآة».

منذ نشأته منذ حوالي نصف قرن، كانت هناك أدلة متزايدة على أن اختبار المرآة ليس واضحًا كما هو مقترح. تفشل العديد من الحيوانات المعروفة بأنها اجتماعية للغاية في الاختبار، بمن في ذلك القرود، في حال لم يدربهم العلماء على كيفية استخدام المرآة أولاً.

فشلت الحيوانات التي نحن واثقون تمامًا من وعيها الذاتي أيضًا، بمن في ذلك الغوريلا.

الكلاب مثلًا قادرة على إظهار التعاطف، وهي سمة تعني أيضًا الشعور بالذات والآخرين، ومع ذلك فهم يفشلون عادةً في اختبار المرآة.

بحسب عالم الأحياء التطورية بجامعة تومسك الحكومية روبرتو كازولا جاتي في عام 2015«اعتقدت أنه نظرًا لأن الكلاب أقل حساسية بكثير للمحفزات البصرية مقارنة مع البشر والعديد من القرود، فمن المحتمل أن يكون فشل هذا النوع وغيره من الأنواع في اختبار المرآة يرجع أساسًا إلى الطريقة التي اختارها العلماء لاختبار الوعي الذاتي وليس بالضرورة لعدم وجوده».

فحص جاتي ذلك باختبار شم مكافئ لاختبار المرآة للكلاب. إذ راقب كيفية تفاعل الكلاب مع الثلج الممزوج ببولهم أو بول كلاب أخرى. من المؤكد أنهم أمضوا وقتًا أطول في شم عينات بول الكلاب الأخرى.

«يقدم هذا الاختبار دليلاً هامًا على الوعي الذاتي لدى الكلاب ويمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في إظهار أن هذه القدرة ليست سمة محددة فقط للقرود العليا والبشر وبعض الحيوانات الأخرى، بل تعتمد على الطريقة التي يحاول بها الباحثون للتحقق من ذلك».

منذ ذلك الحين، دعمت اختبارات أخرى فكرة أن الكلاب لديها إحساس واضح بالذات، حتى لو لم يكن مرئيًا.

علاوة على ذلك، حتى أطفالنا قد يفشلون في اجتياز اختبار المرآة قبل سن السادسة في بعض البلدان. لذلك، في حين أن اختبار المرآة قد يكون قادرًا على الإشارة إلى وجود بعض الوعي الذاتي، فإن الفشل في ذلك لا يبدو أنه يؤكد نقص هذه السمة الحيوية جدًا في الحياة الاجتماعية.

شكك أول فاحص لاختبار المرآة في نتائج البطريق حتى الآن.

قال غالوب لمجلة New Scientist إن طيور البطريق قد تكون قادرة بالفعل على التعرف على ذاتها، لكن الأمر يتطلب الكثير من العلوم الجادة أكثر مما هو وارد في هذه الورقة.

في ضوء التعقيدات، قد يكون الإدراك الذاتي، مثل العديد من السمات الأخرى، بمثابة طيف بدلًا من مجرد إيجابية أو سلبية مثلما يوحي اختبار المرآة. هذا يعني أننا نحتاج إلى تجارب جديدة لاستكشاف هذا الجانب من الوعي.

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: sciencealert

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *