عظام أحفورية تساعدنا على معرفة سلوك البشر وأسلافنا منذ مئات آلاف السنين. لكن كيف يمكننا أن نتعلم حول أجزاء من دورة حياة أسلافنا – كالحمل أو الحَبَل مثلًا – غائبة تمامًا من السجل الأحفوري؟
الأدمغة الكبيرة نسبةً لحجم الجسم الكلي والتي تعتبر سمة محددة لنوعنا تجعل من الحمل موضوعًا مثيرًا للاهتمام لدى علماء مستحاثات البشر.
تلعب جماجم الإنسان العاقل الكبيرة دورًا بصعوبة عملية التوليد لدينا. بيد أن الأدمغة الكبيرة داخل تلك الجماجم هي من أطلقت العنان لنوعنا.
أردت مع زملائي دراسة سرعة نمو أدمغة أسلافنا قبل الولادة. هل كان نموها يوازي نمو الدماغ الجنيني حاليًا؟
إن تقصي الوقت الذي غدا فيه النماء السابق للولادة والحمل عملية بشرية -إن صح القول- يمكن أن يساعد على كشف وقت وكيفية تحور أدمغة أسلافنا لتبدو شبيهة بأدمغتنا مقارنةً بأدمغة أقرباءنا من القردة.
بهدف تقصي تطور معدلات النماء السابق للولادة، صببنا تركيزنا على نماء الأسنان داخل الرحم التي تتحجر فعليًا. تمكنّا، عبر بناء نموذج رياضي باستخدام الطول النسبي للرحى، من تتبع التغيرات التطورية في معدلات النماء السابق للولادة في السجل الأحفوري. بناءً على نموذجنا، يبدو أن النماء الحملي بات أقرب لما هو عليه لدى البشر مقارنةً ابلقردة منذ قرابة مليون سنة.
الحمل ودماغ البشر
يعتبر الحمل والحَبَل فترتان مهمتان، إذ يقودا النمو والنماء المستقبلي ويحددان مسار الحياة البيولوجي.
بيد أن الحمل البشري، وعملية التوليد على وجه الخصوص، يتطلب الكثير من الطاقة وخطير في معظم الأحيان. يتطلب الدماغ الجنيني الكبير الكثير من العناصر الغذائية خلال النماء. يحدد معدل النمو الجنيني خلال فترة الحمل، المعروف أيضًا باسم معدل النماء السابق للولادة، الأثر الاستقلابي والفيزيولوجي على الأم. ويمكن لانحشار رأس الوليد وكتفيه عبر القناة الحوضية خلال عملية التوليد أن يؤدي للموت.
فلا بد من وجود سبب مقنع جدًا لحجم الرأس الكبير هذا مقابل هذه المخاطر المحتملة، ويكمن التبرير بكافة القدرات الذهنية التي تترافق مع الدماغ البشري كبير الحجم. يساهم تطور دماغنا الكبير بهيمنة نوعنا ومرتبط بالاستخدام المتزايد للتقنيات والأدوات والفنون والقدرة على البقاء ضمن بيئات متنوعة بالإضافة لإيجابيات أخرى.
يتشابك توقيت وتسلسل الأحداث التي أدت لتطور أدمغتنا الكبيرة مع القدرة على إيجاد موارد أكثر والتعامل معها باستخدام الأدوات ومجموعات العمل التعاونية.
عبر تقصي التغيرات في النماء السابق للولادة، نستقصي أيضًا التغيرات بكيفية جمع الوالدين للموارد الغذائية وتوزيعهما لنسلهما. لا شك أن هذه الموارد المتزايدة قد دفعت عجلة التطور نحو أدمغة أكبر. إن فهمنا المتزايد للوقت الذي غدا فيه النماء السابق للولادة والحمل أقرب لمعدلاته لدى البشر يكشف لنا معلومات حول تطور أدمغتنا.
يمتلك البشر أعلى معدلات النماء السابق للولادة ضمن كافة الرئيسيات الحية حاليًا، بمعدل ٠.٤١ أونصة/اليوم (١١.٥٨ غرام/اليوم). تتمتع الغوريلا، على سبيل المثال، بمعدل نماء يبلغ فقط ٠.٢٩ أونصة/اليوم (٨.١٦ غرام/اليوم). إن معدل النماء السابق للولادة يحدد بشكل مباشر لأي حد سينمو دماغ البالغ لأن ما يزيد عن ربع عملية نمو الدماغ البشري تكتمل خلال فترة الحمل. لطالما كانت كيفية وتوقيت تطور المعدل العالي للنماء السابق للولادة لدى الإنسان العاقل لغزًا محيرًا، أقله حتى الآن.
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: phys.org