من سحب المركبات الحربية في بلاد الرافدين لطحن الحبوب في العصور الوسطى، حملت الحمير الحضارات على ظهورها لقرون عديدة. كشف الحمض النووي الآن عن حقيقة علاقة البشر القدامى بالحمير.
أفاد باحثون في مجلة Science أن سجلات التعليمات الجينية لأكثر من 200 حمار من حول العالم تظهر أن الحيوانات الحمّالة هذه قد دُجنت منذ حوالي 7000 عام في شرق إفريقيا.
يقول لودوفيك أورلاندو، عالم الآثار الجزيئية في مركز الأنثروبولوجيا وعلم الجينوم في تولوز في فرنسا: «لقد حير تاريخ الحمار العلماء لسنوات». يوضح هذا الاكتشاف أن الحمير قد استُئنست دفعة واحدة، قبل حوالي 3000 عام من ظهور الخيول.
يمتلك الحمض النووي إمكانات كبيرة لكشف التاريخ المشترك للبشرية مع الحمير. في عام 2021، استخدم أورلاندو وزملاؤه الحمض النووي من عظام الخيول لتتبع تدجينها حتى السهول الأوروبية الآسيوية، في ما هو الآن جنوب غرب روسيا، منذ أكثر من 4200 عام.
لكن تاريخ الحمير (Equus asinus) بقي غامضًا. يوجد حاليًا حمير مستأنسة في جميع أنحاء العالم. يشير عدد متضائل من الحمير البرية في آسيا وأفريقيا -أقرب الأقارب البرية للحمير- إلى إحدى تلك القارات باعتبارها الموطن الأصلي المحتمل للحمير.
الأدلة الأثرية – بما في ذلك لوحة مصرية عمرها 5000 عام تصور مسيرة الحمير والأغنام والماشية – تركز على أفريقيا باعتبارها الموطن الأكثر احتمالًا. لكن الدراسات الجينية التي حاولت تحديد متى وأين تم تدجين الحمير لم تكن حاسمة.
ربما يعود السبب لافتقار العلماء إلى الحمض النووي للحمير من مناطق عديدة من العالم، وفقًا لأورلاندو. فمثلًا حتى الآن، لم تصدر أي منشورات تضم جينومات الحمير التي تعيش جنوب خط الاستواء في إفريقيا. للحصول على تنوع أوسع في الحمض النووي، جمع أورلاندو وزملاؤه 207 جينومًا من الحمير من 31 دولة، إلى جانب الحمض النووي الخاص بـ 31 حمارًا منذ فترة تتراوح من 4000 حتى 100 عام ماضية.
من خلال مقارنة هذه الجينومات مع جينومات الحمير البرية، وجد الباحثون أن جميع الحمير يمكن أن يعود نسبها إلى حدث تدجين واحد في شرق إفريقيا، ربما في القرن الأفريقي، حوالي العام 5000 قبل الميلاد. انتشرت الحمير المستأنسة من هناك إلى بقية القارة وإلى أوروبا وآسيا، حيث شكلت مجموعات متميزة وراثيًا على أساس المنطقة. وهكذا جلب البشر الآن الحمير بإرثها الجيني إلى كافة القارات تقريبًا.
تضيف هذه النتائج وضوحًا جديدًا إلى قصة ترويض الحمير، وفقًا لإميلي كلارك، عالمة الوراثة الحيوانية في معهد روزلين بجامعة إدنبرة. «الحمير حيوانات عاملة استثنائية وضرورية لسبل عيش الملايين من الناس حول العالم. كبشر، نحن مدينون بشدة للحمير المروضة للدور الذي لعبته -وماتزال تلعبه- في هيكلة المجتمع».
ليس واضحًا بالضبط سبب اختيار الناس لترويض الحمير البرية في إفريقيا منذ آلاف السنين. لكن توقيت انتشارها الأول عبر شرق إفريقيا يتزامن مع فترة أخذت فيها الصحراء تصبح أكثر جفافًا واتساعًا.
يقول أورلاندو: «يعتبر الحمار بطلًا خارقًا عندما يتعلق الأمر بحمل الأشياء وتعتبر الحمير جيدة في التنقل عبر الصحاري». ومع اتساع الصحراء، أمكن للحمير تقديم المساعدة الضرورية في نقل البضائع عبر التضاريس الآخذة بالتجفاف.
فقيرٌ هو السجل الأثري للحمير في إفريقيا خارج مصر. يقول أورلاندو إن النتيجة الجديدة يمكن أن تساعد علماء الآثار في تضييق نطاق بحثهم ليشمل مناطق جديدة لمعرفة المزيد عن أولى الحمير والشعوب التي روضتها.
وفي الوقت نفسه، فإن البحث والتعمق في التنوع الجيني الذي سمح للحمير بدعم المساعي البشرية عبر مختلف الظروف البيئية يمكن أن يلقي الضوء على ما تواجهه الحمير في ظل تغير المناخ المؤدي لتفاقم الجفاف وتوسع الصحاري حول العالم.
يقول أورلاندو: «ما زالت الحمير تقدم الكثير من الدعم للأشخاص الذين يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. إن فهم التاريخ المشترك للبشرية مع الحمير لا يتعلق فقط بالماضي، ولكنه في الواقع قد يكون مفيدًا في المستقبل».
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: sciencenews