توصلت مجموعة دولية من علماء الوراثة وعلماء الآثار، بقيادة معهد فرانسيس كريك، إلى أن أصل الكلاب يمكن إرجاعه إلى مجموعتين على الأقل من الذئاب القديمة. يساعدنا هذا العمل في الكشف عن لغز المكان الذي خضعت فيه الكلاب للتدجين، وهو أحد أكبر الأسئلة المبهمة حول عصور ما قبل التاريخ البشرية.
نعلم أن الكلاب قد انحدرت من الذئب الرمادي، إذ حدث هذا التدجين خلال العصر الجليدي منذ 15000 عام على الأقل. بيد أن مكان حدوث هذا التدجين، وحقيقة إن حدث في مكان واحد أو في أماكن متعددة ما تزال مجهولة.
عجزت الدراسات السابقة باستخدام السجل الأثري ومقارنة الحمض النووي للكلاب والذئاب الحديثة عن أيجاد الإجابة.
في دراستهم، التي نُشرت في مجلة Nature اليوم (29 يونيو)، انتقل الباحثون إلى جينومات الذئاب القديمة لزيادة فهم أين تطورت الكلاب الأولى من الذئاب. حللوا 72 جينوم ذئب قديم من أوروبا وسيبيريا وأمريكا الشمالية على امتداد الـ 100000 عام الماضية.
جاءت البقايا من ذئاب قديمة نُقب عنها سابقًا، إذ ساهم علماء آثار من 38 مؤسسة في 16 دولة مختلفة في الدراسة. تضمنت البقايا رأس ذئب سيبيري كامل محفوظ تمامًا وعاش قبل 32000 عام. ثم تعاونت تسعة مختبرات مختلفة مختصة بالحمض النووي القديم لتوليد بيانات تسلسل الحمض النووي من الذئاب.
عبر تحليل الجينوم، وجد الباحثون أن الكلاب الأولية والحديثة أكثر تشابهًا وراثيًا مع الذئاب القديمة في آسيا من الكلاب الموجودة في أوروبا، ما يشير إلى تدجين حدث في مكان ما في الشرق.
ومع ذلك، فقد وجدوا أيضًا دليلًا على أن مجموعتين منفصلتين من الذئاب ساهمتا في الحمض النووي للكلاب. يبدو أن الكلاب الأولية من شمال شرق أوروبا وسيبيريا والأمريكتين تتشارك أصل واحد من الشرق. لكن يبدو أن الكلاب المبكرة من الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب أوروبا تمتلك أصل من مصدر آخر مرتبط بالذئاب في الشرق الأوسط بالإضافة إلى المصدر الشرقي.
أحد التفسيرات المحتملة لهذا الأصل المزدوج هو أن الذئاب خضعت للتدجين أكثر من مرة، ثم اختلطت الجمهرات المختلفة معًا. الاحتمال الآخر هو أن التدجين حدث مرة واحدة فقط، وأن الأصل المزدوج يعود لهذه الكلاب الأولية التي اختلطت بعدئذ مع الذئاب البرية. ليس من الممكن حاليًا تحديد أيّ من هذين السيناريوهين قد حدث بالضبط.
يقول أندرس بيرغستروم، المؤلف الأول المشارك وباحث ما بعد الدكتوراه في مختبر الجينوم القديم في كريك «من خلال هذا المشروع، زدنا عدد جينومات الذئاب القديمة المُسَلسَلة، ما سمح لنا برسم صورة مفصلة لأسلاف الذئاب، متضمنةً وقت نشوء الكلاب».
«بنظرة أشمل وأوسع للكلاب، وجدنا أنها تنحدر من سلالتين منفصلتين من الذئاب على الأقل – مصدر شرقي ساهم في كل الكلاب ومصدر غربي منفصل ساهم بنشوء بعض الكلاب».
يواصل الفريق البحث عن أسلاف الذئاب القديمة للكلاب، والتي يمكن أن تكشف بدقة أكبر عن المكان الذي حدث فيه التدجين على الأرجح. يركز العلماء حاليًا على الجينومات من مواقع أخرى غير مدرجة في هذه الدراسة، بما في ذلك المناطق الجنوبية.
نظرًا لأن جينومات الذئاب القديمة البالغ عددها 72 تمتد على حوالي 30 ألف جيل، أمكننا النظر رجوعًا وبناء جدول زمني لكيفية تغير الحمض النووي للذئب وتتبع الانتقاء الطبيعي الحاصل.
على سبيل المثال، لاحظوا أنه على مدار حوالي 10000 عام، أحد المتغيرات الجينية النادرة جدًا أصبح موجودًا في كافة الذئاب، ومايزال موجودًا في جميع الذئاب والكلاب في يومنا هذا. يؤثر المتغير على جين IFT88 المرتبط بنمو عظام الجمجمة والفك. من المحتمل أن يكون سبب انتشار هذا المتغير هو تبدل طرأ على أنواع الفرائس المتاحة خلال العصر الجليدي، ما أعطى الذئاب ميزةً بمنحها شكل رأس معين، ولكن يمكن للجين أيضًا أن يمتلك وظائف أخرى غير معروفة لدى الذئاب.
يقول بونتوس سكوغلوند، كبير المؤلفين وقائد المجموعة في مختبر الجينوم القديم في كريك «هذه المرة الأولى التي يتتبع فيها العلماء الانتقاء الطبيعي مباشرة في حيوان كبير على امتداد مقياس زمني يبلغ 100000 عام، ويرون التطور قيد الحدوث آنيًا بدلاً من إعادة بنائه من الحمض النووي».
«وجدنا العديد من الحالات التي انتشرت فيها الطفرات في جميع أنواع الذئاب، وكان ذلك ممكنًا لأن الأنواع كانت مرتبطة بشكل كبير عبر مسافات كبيرة. ربما يكون هذا الاتصال سببًا لنجاح الذئاب بالبقاء في العصر الجليدي مع انقراض العديد من الحيوانات اللاحمة الكبيرة الأخرى».
«يمكن أن توفر الجينومات الكاملة المشابهة والمتسلسلة زمنيًا من العصر الجليدي، في البشر أو الحيوانات الأخرى، معلومات جديدة حول كيفية حدوث التطور».
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: sciencedaily