«الشعور والمعرفة» كتاب يستكشف أصل وتطور الوعي

عالم الأعصاب أنطونيو داماسيو يناقش كتابه الأخير

يعتقد عالم الأعصاب أنطونيو داماسيو أن الرابط بين الدماغ والجسم هو المفتاح لفهم الوعي. يشرح السبب في كتابه الأخير، الشعور والمعرفة: جعل العقول واعية.

الوعي هو ما يعطي الفرد إحساسًا بالذات، ويساعد المرء على البقاء في الحاضر، وتذكر الماضي والتخطيط للمستقبل. جادل العديد من العلماء بأن الوعي ينتج عن شبكات واسعة من الخلايا العصبية أو العصبونات في الدماغ. وبحسب داماسيو، مدير معهد الدماغ والإبداع بجامعة جنوب كاليفورنيا، فمن الواضح أن الدماغ يلعب دورًا رئيسيًا في التجارب الواعية، لكنه لا يعمل بمفرده.

يجادل داماسيو بأنه بدلاً من ذلك ينشأ الوعي من خلال مجموعة متنوعة من الهياكل داخل الكائن الحي، بعضها عصبي، والبعض الآخر ليس كذلك. علاوة على ذلك، تساعد المشاعر (التجارب العقلية لحالات الجسد) على ربط الدماغ ببقية الجسم. يقول داماسيو: «تشكل المشاعر التي نمتلكها، لنقل الجوع أو العطش أو الألم أو الرفاهية أو الرغبة، وما إلى ذلك أساس عقولنا». من وجهة نظره، لعبت المشاعر دورًا رئيسيًا في عمليات تنظيم حياة الحيوانات عبر تاريخ الحياة.

في كتابه «الشعور والمعرفة»، يقترح داماسيو أن الوعي تطور كوسيلة للحفاظ على استقرار أنظمة الجسم الأساسية. يُعرف هذا المفهوم أيضًا باسم الاستتباب، وهي عملية ذاتية التنظيم تحافظ على الاستقرار في ظل الظروف المتغيرة باستمرار. يجادل داماسيو بأن الوعي ظهر كامتداد للاستتباب، مما سمح بالمرونة والتخطيط في بيئات معقدة وغير متوقعة.

تحدث داماسيو مع أخبار العلوم Science News عن سبب أهمية المشاعر لفهم الوعي، ولماذا لا يقتصر الوعي على البشر وما إذا كان شيئًا يمكن أن يمتلكه الحاسوب. حررنا المحادثة التالية من أجل الوضوح والإيجاز.

أخبار العلوم: لماذا فهم الاستتباب أمر بالغ الأهمية لفهم الوعي؟

داماسيو: الاستتباب أمر أساسي للعملية بأكملها. لهذا السبب طورنا الوعي. بمجرد أن نصل إلى الشعور، يمكننا بعد ذلك الحصول على صورة ذهنية لكيفية حالة الحياة حقًا في جسمنا. لذلك، يمكننا الحصول على تحذير بأن الأمور تسير على ما يرام، ونعاني، أو نحصل على إشارة بأن الأمور على ما يرام إلى حد معقول، ويمكننا القيام بأشياء أخرى، وهو ما يحدث مع المشاعر الإيجابية. لذلك يمكنني تحمل تكلفة إجراء هذه المحادثة معك لأنني لا أعاني من الحمى، لا أشعر بالعطش الشديد أو الجوع أو لا أشعر بالألم.

أخبار العلوم: كيف تساعد المشاعر الكائن الحي في إدارة الحياة؟

داماسيو: المشاعر هي تمثيلات لحالة جسمك. إن الشعور بالألم أو السرور أو الرفاهية أو المرض أو العطش أو الجوع أو الرغبة هو تكوين صورة لبعض أجزاء أعضائك. فمثلًا، يرتبط الشعور بالرفاهية بالمعايير التي يمكنك تحديد موقعها وقياسها. يمكننا تحليل ذلك ودراسته في المختبر فعلًا. يرتبط الكثير مما يمكن وصفه بـ [الشعور] بالعافية بالجهاز العضلي البسيط الموجود حول الأوعية الدموية في الأعضاء، مثل المعدة والأمعاء وما إلى ذلك. وحتى مكونات العضلات والهيكل العظمي في أجسامنا، ما هي حالتها، هل هي متقبضة؟ هل هي منبسطة؟ جزء كبير منها، أم القليل فقط؟ ما نشعر به من الرفاهية هو في الواقع وصف لحالات أجسادنا، هذا ما تدور حوله المشاعر. لذلك لا يُعتبر أصل الشعور عند الكائن الحي مشكوك به.

أخبار العلوم: كيف مكّن الجهاز العصبي من تنسيق الأنظمة المختلفة في الجسم؟

داماسيو: بمجرد أن أصبحت الكائنات الحية أكثر تعقيدًا، كان من الصعب جدًا الحفاظ على التنسيق بين التنفس والهضم والأنظمة الأخرى. يعد وجود نظام يقوم بإجراء مسح للكائن الحي بأكمله ميزة كبيرة. مع هذا المنسق الرئيسي (الجهاز العصبي) جاءت إمكانية توليد تمثيلات داخلية عن الذات. كان يجب أن نمتلك أجهزة عصبية لرسم خرائط لأجزاء مختلفة من الجسم. ومن هذا المنطلق تولدت صورة وتطور جديد وهو عقل متصل بالجسد. القصة الكاملة للوعي هي في الحقيقة قصة يرويها الجسد عن نفسه. لم ينشأ الوعي من بداية تطور الكائنات، إذ لم يكن متاحًا مثلًا في البكتيريا، أو في الكائنات الحية البسيطة جدًا.

أخبار العلوم: إنك تجادل بأنه من غير المحتمل أن يكون الوعي مقصورًا على البشر.

داماسيو: صحيح. لدينا سلالات مختلفة في التطور، لكن هذا لا يعني أن المخلوقات الأخرى ليس لديها إمكانية الوصول إلى الوعي. فمثلًا، الأخطبوط. تملك هذه الحيوانات سلوكيات معقدة للغاية. سأكون مندهشًا إذا قال أحدهم إنها ليست واعية. لديهم كل السمات المميزة للمخلوقات التي كانت قادرة على تطوير عقل وإحساس بماهيتها ووعي بكيفية حماية أنفسها.

أخبار العلوم: في المستقبل، هل يمكن للآلات وأجهزة الحاسوب أن تكون واعية؟

داماسيو: لكي تكون الروبوتات واعية، سنحتاج إلى منحهم القليل من الهشاشة التي لا يملكونها حاليًا. إذا استطعت إدخال شيء ما إلى جهاز الحاسوب لجعله بحالة استتباب وانتظام، سيسمح له ذلك باستشعار الانحرافات، وتكون في طريقك لخلق مشاعر لهذه الآلة، وجعله قادرًا على كتشاف حالاته الداخلية.

 

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: sciencenews

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *