الانتواع -ظهور نوع جديد- هو عملية بطيئة وثابتة تستمر على مدى ملايين السنين بين مجموعة من الكائنات المحاصرة، والمعزولة عن بقية نوعها بسبب حواجز جغرافية والمتروكة لتتطور من تلقاء نفسها. أو هذا ما كان يُعتقد عمومًا.
بحث جديد نُشر في 25 مارس في مجلة (Science) يتحدى النموذج التقليدي للانتواع من خلال توثيق سلوك طائر مغرد اكتُشف مؤخرًا في أمريكا الجنوبية لمسار تطوري نادر جدًا.
تتعمق الدراسة في أصول الطيور آكلة البذور الإيبيرية في شمال الأرجنتين، والتي يبدو أنها نتجت من خلط فريد ومطابقة للصفات الجينية الموجودة بين 10 أنواع أخرى أو أكثر من آكلات البذور في نفس المنطقة.
قال ليوناردو كامبانا، باحث مشارك في مختبر كورنيل لعلم الطيور وكبير مؤلفي كتاب «الانتواع السريع عبر تطور الانعزال الآنف للتزواج لدى آكل البذور الإيبيري»، قال «يحتوي هذا النوع على فسيفساء من جينات الريش المستمدة من التنوع الجيني الموجود بالفعل في أنواع آكلات البذور الأخرى».
قال كامبانا إن الدراسة تظهر أن سلوك التزاوج وحده يمكن أن يكون محركًا تطوريًا قويًا، ما يمنع الأنواع المتباعدة مؤخرًا من الاختلاط مرة أخرى مع الأنواع الأخرى التي تتكاثر في نفس الأماكن، وتأكل نفس الطعام، وتعشش في نفس الوقت، وتكون متطابقة وراثيًا تقريبًا. بعبارة أخرى، لا يتطلب الانتواع دائمًا طفرات جينية تنشأ في مجموعة سكانية معزولة.
ولا يتطلب الأمر ملايين السنين. يقدر كامبانيا أن الأمر استغرق آلاف السنين للعملية التطورية التي أعطت آكل البذور الإيبيري كنوع منفصل يتزاوج فقط مع نوعه الخاص.
«من الناحية التطورية، يعتبر هذا سريعٌ للغاية» وفقًا لكامبانا «هذا هو أوضح مثال في الطيور يوضح كيف لإعادة خلط التنوعات الجينية أن تولد نوعًا جديدًا كليًا».
قالت روزماري غرانت، العالمة البارزة في مجال البيولوجيا التطورية والتي لم تشارك في الدراسة: «هذه دراسة شاملة وعميقة بصورة جميلة لدور الجينات والريش والسلوك في أصل نوع جديد». أمضت غرانت وزوجها بيتر عقودًا في دراسة مجموعة أنواع عصافير داروين في جزر غالاباغوس، واكتشفا اكتشافهما ذائع الصيت حول كيفية تأثير الانتقاء الطبيعي على شكل المناقير. «تضيف هذه الورقة بشكل كبير إلى فهمنا المتزايد للانتواع».
عُثر على آكل البذور الإيبيري بشكل أساسي على مدى 274000 فدان من الأراضي العشبية النائية والمستنقعية في منتزه إيبيرا الوطني بالأرجنتين، حيث قضت مؤلفة الدراسة الرئيسية شيلا توربيك، طالبة دراسات عليا من جامعة كولورادو، بولدر، موسمين ميدانيين في تحديد أماكن الأعشاش وإجراء تجارب سلوكية.
هناك، يعيش آكل البذور الإيبيري جنبًا إلى جنب مع آكل البذور أسمر البطن. يمتلك آكل البذور الإيبيري رقبة سوداء وبطن رملي اللون، في حين أن آكل البذور أسمر البطن يمتلك خدودًا ورقبةً وصدرًا وبطنًا ضاربين للحمرة. قارن الباحثون الجينوم الكامل لكلا النوعين، ووجدوا ثلاث مناطق ضيقة مختلفة فقط. تحتوي هذه المناطق على 12 جينًا فقط، ثلاثة منها تشارك في تلوين الريش.
يعتقد مؤلفو الدراسة أن نفس عملية الخلط الموجودة في هذا البحث ربما تكمن وراء الكثير من التنوع بين دزينة أنواع آكل البذور في هذه المنطقة من أمريكا الجنوبية – وهي مجموعات وراثية مختلطة ومتطابقة والتي من المحتمل أنها نتجت عندما تزاوجت آكلات البذور أحيانًا وشكلت أنواعًا هجينة.
قال المؤلف المشارك إيربي لوفيت، مدير برنامج علم الأحياء التطوري الكامل في مختبر كورنيل: «هذه قصة جميلة حقًا عن عملية لم نشهدها بهذه الطريقة مسبقًا، النموذج التطوري الكلاسيكي والأكثر شيوعًا للأنواع الجديدة هو تراكم الطفرات الجينية عندما تُفصل هذه الأنواع بحاجز جغرافي على مدى ملايين السنين ربما. لكننا وجدنا هنا أن الخلط الجيني يمكن أن يحدث بسرعة وبدون عزل جغرافي. يكاد أن يكون أشبه بـ (انتواع فوري)»
المقال الأصلي: ecologyandevolution.cornell.edu
ترجمة: حاتم زيداني