عدد ساعات النوم يؤثر علينا كثيرًا، النوم الأكثر من اللازم يُشعرنا بالتشوُّش والدوار، والنوم الأقل من اللازم كثيرًا يُضعِف من التركيز، وإذا استمر سيؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة مثل زيادة فرص الإصابة بداء السكري والسمنة وارتفاع ضغط الدم.
أغلبنا ينام من ست لتسع ساعات يوميًا أي نقضي ثلث حياتنا نائمين، قد يبدو هذا فترة طويلة جدًا لكن في الحقيقة نحن أقل الرئيسيات نومًا.
فطبقاً لبحث جديد عن تأثير النوم على تطور البشر فإن البشر قد طوروا نومهم ليكون أقل مدةً لكن أكثر عمقًا، وقد يشارك هذا في تفسير نجاح نوعنا وبقائه ووصوله على ماهو عليه الآن.
منذ ثلاثة ملايين سنة، كان أسلافنا في هذا الوقت (Australopithecines) لا يزالون يمتلكون أجسام كالقرود، وكانوا ينامون على الأشجار كالشيمبانزي حاليًا. لكن منذ مليوني سنة كان أشباه البشر قد وصلوا إلى شكلنا المنتصب الحالي، وكان جنس (Homo-erectus) أو الإنسان المنتصب يقضي حياته على الأرض لا الأشجار، وقد يكون هو أول أشباه البشر في النوم على الأرض، وإذا كان هذا صحيحًا فمن الواضح أننا نمنا لوقتٍ طويلٍ على الأرض بدلًا من الأشجار (مليوني سنة).
النوم على الأرض لابد أنه زاد من جودة وعمق نومهم وجعله أكثر راحةً، حيث أنه أزال الخوف من السقوط عند النوم على أشجار، وبرغم أن النوم على الأرض يُعرضك لخطورة المفترسات أكثر من النوم على أشجار لكن (الإنسان المنتصب-HomoErectus) كانت لديه طرقًا ليحمِ نفسه.
تمكن الإنسان المنتصب من استخدام النار، فمن الممكن أنه استخدم النار والدخان في إخافة وإبعاد البعوض والمفترسات الكبيرة، وقد يكونوا لجأوا للكهوف للحماية.
ليس لدينا دليل مباشر على استخدام الهومو-اريكتَس النار في هذا الوقت، لكن منذ عشر سنوات اقترح (ريتشارد رانجهام) من جامعة هارفارد أن أسلافنا لابد أنهم أكلوا طعامًا مطهيًا لتغذية أدمغتهم التي زادت في الحجم. حيث أن المخ عضوٌ شَرِه للطاقة فلابد أن يصل إليه سعرات حرارية كافية ليتطور.
هناك أدلة على أن أشباه البشر الذين تركوا الأشجار ليستقروا على الأرض قد صاروا أذكى وامتلكوا أسلحةً أفضل. فقد بدأ الهومو-اريكتَس في صناعة أدوات جديدة مثل الفؤوس اليدوية الأشولينية التي كانت أكثر تقدمًا من الأدوات الحجرية الأقدم، فلابد أن هذة المعرفة قد انتشرت في هذا الوقت. وكذلك زاد عدد أفراد المجموعات في هذا الوقت، ربما بسبب تحسين الأسلحة للدفاع عن النفس وتحسُّن مهارات التواصل.
وفقًا لكلام (ديفيد سامسون) و(تشارلز نَن) من «جامعة دُوك –Duke univ.» ، كل هذه التغييرات -بدايةً من زيادة حجم المجموعات إلى تطور الأدوات- يمكن ربطها بتغيُّر طريقة نوم أسلافنا. وقد نشروا أفكارهم في دراسة في جريدة الأنثروبولجيا التطورية «Evolutionary Anthropology»
يعتقد سامسون وتشرلز نَن أن الانتقال من الأشجار إلى الأرض سمح لأسلافنا أن يكون نومهم أكثر عمقًا، «وهذا قد يؤثر بدوره على معرفتهم وقدراتهم» حسب تعبير سامسون.
تقول نظريتهما أن نومنا رغم أنه لعدد ساعات أقل من باقي الرئيسيات إلَّا أنه أكثر جودةً وعمقًا لذا لا نحتاج لعدد ساعات اطول.
وليعرِفا إذا كان حقًا نوم البشر مميز، قاما بمقارنة أنماط نوم 21 حيوان من الرئيسيات كان قد تم تحليل أنماط نومهم من قبل.
لاحظ الباحثان عدد ساعات النوم ودوّناها وكذلك تابعا كم من الوقت يقضيه الفرد في مرحلة (REM) من النوم، وفيها نحلم ويقوم المخ بتخزين الذكريات في الذاكرة طويلة المدى.
وكانت النتيجة أن البشر كانوا الأقصرنومًا. وأكثر الرئيسيات نومًا هما السعدان الليلي وليمور الفأر الرمادي، ينامان 17 و15 ساعة بالترتيب.
لكن رغم ذلك يقضي البشر أطول فترة من نومهم في مرحلة REM، حوالي 25% منها. أما باقي الرئيسيات تكون نسبة فترة REM من نومهم حوالي 5-10% فقط. لذلك يعتبر نوم البشر هو الأكثر عمقًا في كل الرئيسيات.
وكان سامسون قد قارن بين نوم القردة (apes) والسعادين (monkeys) ووجد أن نوم القرود أكثر جودةً من نوم السعادين.
قد يكون سبب هذا هو أن القرود تنام في أعشاش مُعدَّة خصيصًا في الأشجار، على عكس السعادين لا تملك أعشاشًا وبيئتها أكثر خطورةً. فمن الأفضل للسعادين أن يكون نومها خفيفًا، ليمكنهم من النهوض سريعًا عند اقتراب مفترس.
نحن ننام أفضل من القردة والقردة تنام أفضل من السعادين، يقول سامسون: «من منظورٍ تطوري، كما أن الانتقال من أفرع الأشجار إلى الأعشاش له فوائد في التكيف، كذلك أيضًا انتقال أسلافنا أشباه البشر من الأعشاش إلى النوم على الأرض بعد تأمين أنفسهم.»
ويؤكد سامسون أن البشر كانوا لن يستطيعوا النوم بعمق إلَّا إذا استطاعوا تأمين مكان النوم أولًا. فأثناء مرحلة REM نكون «أشبه بالموتى» حسب تعبير سامسون.
يظن الناس أن التكنولوجيا والإضاءة الصناعية أفسدت نمط نومنا الطبيعي وأن نومنا أصبح بسببها أقل راحةً ومدةً. لكن هذا ليس صحيحًا كليًا.
دراسة منشورة في نوفمبر 2015 قد بحثت في عادات نوم ثلاثة مجتمعات في مرحلة ما قبل الصناعة: جماعتان بدائيتان من أفريقيا، وجماعة من بوليفيا.
وكان نوم كل الثلاث مجموعات يتراوح بين 5.7 – 7.1 ساعات، وهو أقل من متوسط عدد ساعات النوم في المجتمعات الصناعية. ويقول قائد الدراسة د.جيروم سيجِل من جامعة كاليفورنيا أن قِصَر مدة نومهم لم يقلل من قدراتهم المعرفية وسلامتهم، وكلهم كانوا طبيعيين. لذا ذلك يعد مؤشرًا أنها كانت فترة نوم طبيعية وكافية.
دراسة سيجل لا تخبرنا أي معلومات عن أسلافنا مثل الهومو-اريكتَس، لكنها تقترح أن البشر الحديثين الحاليين الذين عاشوا في بيئات مشابهة للبيئات التي تضمنتها الدراسة، أيضًا يحتاجون نومًا قليلًا.
من الخادع الشعور بالثقة الكاملة تجاه هذة المعلومة، حيث أن بعض البشر ينامون أكثر من الآخرين. يُحتمل أن تكون أنماط النوم مرتبطة بالسكان، أي أن مثلًا مجموعة معينة قد ورثت الجينات التي تمكنها من الاكتفاء بنوم أقل.
يقول جيفري دورمر من جامعة جيورجيا في أتلانتا: «ركزت دراسة سامسون ونَن على متوسط عدد ساعات النوم على نطاقٍ كبيرٍ ومتعددٍ من السكان، وهذا قد يكون غير دقيق.»
يكون النوم في أقصى أهميته ونحن صغار، خاصةً مرحلة (REM) من النوم. حيث يقضي حديثوا الولادة فيها وقتًا أطول كثيرًا من الأطفال والبالغين.
إذا قارنَّا مرحلة (REM) في طفل وفي بالغ، سنجد الفرق أكبر كثيرًا من الفرق بين البشر والشيمبانزي، وهذا قد يعني أن الحصول على نومٍ كافٍ في بداية حياة الإنسان كان عاملًا مهمًا لمساعدة أسلافنا للتطور وزيادة حجم المخ.
يقول دورمر أن مرحلة (REM) مهمة جدًا في نمو وتطور الجهاز العصبي، وهذا يعني أن المعرفة والقدرات العقلية معتمدة كثيرًا على تلك المرحلة من النوم.
ويقول د.ديرك جان من جامعة سورراي في بريطانيا: «إن أكبر مشكلة في دراسة سامسون ونَن هي أننا لازلنا لا نعلم كل وظائف النوم، لذا لا يمكننا أن نجزم ماهي الفوائد التي ستعود علينا إذا زادت فترة (REM) لدينا.»
أثناء نومنا نحن ننتقل من نوم REM إلى أنواع أخرى من النوم، ولا نعرف بعد ما سبب هذه الانتقالات وما أهميتها.» ويضيف: «قد يكون هناك سر ما ورائها.»
تتعقد الصورة أكثر عندما نبدأ في مقارنة الـ(REM) خاصتنا بالحيوانات الأخرى البعيدة عنا وليس الرئيسيات.
حتى أن الرابط بين الذكاء ونوم الـREM بدأ يختفي، فعلى سبيل المثال الدلافين كائنات ذكية وتملك أدمغة كبيرة، لكنهم لا يحتاجون نوم REM العميق ابدًا، أما الأبوسوم وهو ليس عضوًا في قائمة الحيوانات الذكية بالمرة، لكنه يحتاج أكثر من 6 ساعات.
يعترض سامسون ويشير إلى أن اختلاف أسلوب حياة كل نوع يسبب اختلاف حاجة كل نوع للنوم.
يقول دورمر أن عند مقارنتنا بين نوم البشر وباقي الحيوانات فنحن لا نقارن التفاح بالتفاح، فنحن مختلفون ونستخدم نوم الـREM بشكل مختلف مقارنةً بباقي الأنواع.
يستمر الجدال وتبقى حقيقة أن نوم البشر غريب مقارنة بباقي الأنواع وقد نكون قد طورنا حاجتنا للنوم لتقل.
وبما أننا لا نستطيع معرفة كيف ولكم من الوقت كان أسلافنا أشباه البشر ينامون فليس أمامنا الا مقارنة نومنا بنوم الأنواع الحية الأخرى.
يبدو أن في مرحلة معينة أشباه البشر المتقدمين قليلًا طوروا نومًا أفضل وأعمق، ولدينا أخبار سيئة لهؤلاء الذين ينامون كثيرًا، قد تكونون ميالين للحاجة لنومٍ أطول بسبب جيناتكم.
في النهاية أود أن أقول أن ثلث حياتنا الذي نقضيه نائمين ليس وقتًا ضائعًا بالتأكيد، استغرقت عقولنا ملايين السنين من التطور كي نصل إلى ما نحن عليه الآن، لذا من العدل أن نكافئ أنفسنا بالقليل من الراحة.
تم نقل المقال من مجلة الباحثون المصريون بالتصرف.
اقرأ أيضًا: لماذا اختفت جينات كروموسوم “Y” للنياندرتال من جينوم الانسان الحديث؟