دراسة جديدة تعيد نظرية تطور الديناصورات القديمة إلى الحياة مجددًا
بين موت عظيم، وانقراض كبير، عاشت الديناصورات أو سادة الأرض حياتها وهيمنت على جميع بقاع الكوكب. ظهرت الديناصورات في العصر الترياسي إثر الانقراض البرمي permian extinction أو ما يسمى بالموت العظيم الذي حدث لحوالي 95% من الكائنات على سطح الأرض. كانت للديناصورات آنذاك فرصةٌ عظيمة في أن تنتشر وتتنوع وتتطور وتسود الأرض لأكثر من 150 مليون عام، حتى حلت بالأرض كارثة كبيرة في نهاية العصر الطباشيري، منذ حوالي 66 مليون عام مضت، أدت هي الأخرى إلى انقراض قرابة 75% من الحياة على سطح الأرض، ومن بينها الديناصورات.
هكذا هو حال الحياة على الأرض منذ بدء الخليقة، حياة تتخللها انقراضات عظمى، وفي الفترات التي تقع فيما بينها تُبعث الحياة من جديد. لكن كيف وأين تحديدًا بدأت الديناصورات حياتها؟
تقول النظرية القديمة إن الديناصورات بدأت حياتها الأولى معًا على الأرض ككائنات صغيرة الحجم تمشي على رجلين. وقسمها العلماء قديمًا إلى فرعين: أورنيثيشيان Ornithischians أو طيريات الورك (لها عظام حوض تشبه الطيور)، والتي تشمل ترايسيراتوبس وستيجوصورس، وسوريشيان Saurischians أو عظائيات الورك (لها عظام حوض تشبه السحالي)، مثل برونتوصورس وتي ريكس T-Rex الشهير.
استمر هذا التقسيم لأكثر من قرن من الزمن، إلى أن جاءت نتائج دراسة عام 2017 ، أعدها علماء في جامعة كامبريدج ومتحف التاريخ الطبيعي في لندن، لتعيد ترتيب شجرة العائلة للديناصورات وتسميتها.
افترض العلماء في هذه الدراسة أن ديناصورات السوريشيان سبقت ديناصورات الأورنيثيشيان على الأرض وتطورت قبلها، وأضافوا مجموعةً جديدةً سموها أورونيثوسكليدا، تضم الأورنيثيشيان والديناصورات آكلات اللحوم.
ظل هذا الاعتقاد قائمًا إلى أن أتت مؤخرًا دراسة حديثة أجراها فريق مشترك أيضًا من علماء الجيوكرونولوجي -العلم المتخصص في دراسة الأعمار القديمة لطبقات الأرض- في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وعلماء حفريات من الأرجنتين والبرازيل، لتدعَمَ تلك الدراسةُ من جديد نظرية التطور القديمة للديناصورات.
لكن يظل تطبيق هذه النظرية على الديناصورات البدائية أمرًا بالغ الدقة والصعوبة. يقول جاندار رامزاني، عالِم الجيولوجيا بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمشارك في البحث: “يمكننا التعرُّف على الديناصورات في العصر الجوراسي أو الطباشيري والتفرقة بينها بسهولة، أمّا الديناصورات البدائية التي عاشت في العصر الترياسي، فالتمييز بينها صعب جدًّا، فالديناصورات في هذا العصر متشابهة إلى حدٍّ كبير”.
ومن أمثلة الديناصورات البدائية التي عاشت في العصر الترياسي ديناصور بيسانوصورس Pisanosaurus، الذي اكتُشف عام 1967 من مُتَكوّن (تتابُع من الطبقات الصخرية) إيشيجوالاستو Ischigualasto Formation داخل ما يُعرف بمحمية “وادي القمر” بمقاطعة سان خوان بالأرجنتين.
استطاع العلماء في الدراسة الأخيرة إعادة تحليل حفريات بيسانوصورس، وتمكَّن ماكس لانجر -من جامعة ساو باولو في البرازيل- وفريقه من التأكد من أنه ديناصور حقيقي ينتمي إلى مجموعة أورنيثيشيان، بناءً على بعض الصفات التشريحية الرئيسية لعظام الجمجمة والكعب والدراسات الفيلوجينية (المختصة بدراسة العلاقات التطورية والأنساب بين الكائنات).
يتفق توماس هولتز -عالِم الحفريات بجامعة ميرلاند، غير مشارك في البحث- مع الفريق البحثي في نتائج التحليلات الجديدة، قائلًا: “يبدو بالفعل أن هناك العديد من سمات بيسانوصورس التي تتشابه إلى حدٍّ كبير مع الأورنيثيشيان أو طيريات الورك، وربما حتى على وجه التحديد هيتيرودونتوسوريد heterodontosaurid لها أسنان مختلفة الشكل، والذي جرى اقتراحه في عدد قليل من تحليلات الفيلوجينية سابقًا”.
بعدما خلص العلماء في تحديد هوية البيسانوصورس إلى كونه ينتمي إلى الأورنيثيشيان، يأتي سؤال آخر، كم عمره تحديدًا؟ لمقارنته بأقدم ديناصور سوريشيان Saurischians مُكتشَف.
الجيولوجيا تحل لغز تطور الديناصورات
خارج نطاق محمية وادي القمر، تتبَّع العلماء قطاعًا صخريًّا مكافئًا للقطاع الصخري لمتكون إشيجوالاستو على خطى بعثات علمية قديمة، تقول جوليا ديسوجو، من متحف الجامعة الوطنية في لابلاتا والمؤلف الرئيسي للبحث: “حصلت مجموعتنا على بعض الملحوظات الميدانية والحفريات المستخرَجة من البعثات الاستكشافية السابقة، واعتقدت أننا يجب أن نتبع خطواتهم لنرى ما يمكننا تعلُّمه”.
القطاع الجديد كان أكثر سُمكًا واكتمالًا من القطاع المستخرج من داخل المحمية. كما استطاع الفريق تجميع عينات صخرية وحفرية عديدة ما عدا الديناصورات خلال أربع بعثات استكشافية بين عامي 2013 و2019 ووجدوا أن التجمُّع الحيوي الموجود في هذا القطاع مكافئ في النوع والعمر النسبي للقطاع داخل المحمية.
وبتحليل العينات الصخرية المأخوذة من أكثر من طبقة باستخدام معدن الزركون، وهو الأداة الأكثر دقةً في تحديد الأعمار إلى الآن، تمكَّن الفريق من قياس نظائر اليورانيوم والرصاص الموجودة في الزركون وتحديد عمر القطاع من الأسفل إلى الأعلى، 230-221 مليون سنة بالترتيب.
وبتتبُّع عمر الطبقة الموجود فيها سباينوصورس، جرى إثبات أن الطبقة عمرها تحديدًا 229 مليون عام، وهو العمر المكافئ لأقدم ديناصور سوريشيا موجود.
ومن هنا استطاع الفريق البحثي القول بأنه من حوالي 229 مليون عام بدأت الديناصورات الأورنيثيشيان والسوريشيان حياتها معًا على الأرض، مما يدعم الرؤية الكلاسيكية لتطور الديناصورات.
مفاهيم سابقة
صححت الدراسة أيضًا مفاهيم سابقة حول أول الأماكن التي ظهرت فيها الديناصورات، إذ كان يُعتقد سابقًا أنها تطورت أولًا في القارات الجنوبية، ومن بعدها هاجرت إلى باقي القارات، لكن نتائج الدراسة الحالية تشير إلى أن الديناصورات جابت الأرض بأكملها في آنٍ واحد.
استدل الفريق العلمي في استنتاجه على الأدلة الجيولوجية أيضًا، فلسنوات عديدة اعتقد العلماء أن متكون تشينل (Chinle) الموجود في جنوب غرب الولايات المتحدة له عمر مختلف عن متكون إشيجوالاستو، إذ تحتوي الطبقات الوسطى من متكون تشينل على حفريات لديناصورات وغيرها من الكائنات أكثر تطورًا من الحفريات الموجودة في متكون إشيجوالاستو.
ومع ذلك، تفتقر الطبقات السفلية من هذا المتكون إلى أدلة أحفورية عن أي ديناصورات مبكرة، وبناءً على هذا افترض العلماء أن الديناصورات الأولى ظهرت في القارات الجنوبية أولًا، يقول رامزاني: “لقد تمكنَّا من عمل دراسة تفصيلية عن كلا المتكونين، وأظهرنا أن افتراضية التطور غير المتزامن لا تستند إلى أسس جيولوجية سليمة”.
فوفق الدراسة الأخيرة، فإن الجزء السفلي من متكون تشينل بأمريكا الشمالية متزامن في ترسيبه مع متكون إشيجوالاستو بأمريكا الجنوبية، لكن ظروف الترسيب وقتها حالت دون حفظ أي حفرية للحيوانات التي كانت تعيش في ذلك الوقت.
يقول رامزانى: “إذا تداخل متكوِّنا تشينل وإيشيجوالاستو في الوقت ذاته، فربما لم تتطور الديناصورات الأولى لأول مرة في أمريكا الجنوبية، لكنها كانت تجوب أمريكا الشمالية في الوقت نفسه تقريبًا”. أي أن الديناصورات انتشرت في جزءَي الكرة، الشمالي والجنوبي في التوقيت نفسه.
وعلى الرغم من الجهد المبُذول في البحث، ستظل هناك حاجة إلى جهود أخرى تُبذل في هذا السياق العلمي؛ من أجل مزيد من الإيضاح حول العلاقات التطورية، ونشأة وهجرة العديد من الكائنات الحية، وليس الديناصورات فقط.
وهو ما يؤكده “هولتز” قائلًا: “إن ما فعله العلماء في هذه الدراسة أكثر من رائع، خاصةً الدراسات الجيولوجية للطبقات، لكننا ما زلنا بحاجة إلى جمع كل التحليلات في الدراسات الحديثة لعمل المزيد من الدراسات الفيلوجينية لتوضيح العلاقات الصحيحة بين الديناصورات البدائية وترتيبها”.
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.
اقرأ أيضًا: النياندرتال تزاوج مع الإنسان الحديث “خلال فترات زمنية متعددة”