أدلة السلف المشترك – أدلة من الانتواع

الانتواع هو العملية التطورية التي تنشأ من خلالها أنواع بيولوجية جديدة. يقوم علماء الأحياء بالبحث في الأنواع باستخدام أساليب نظرية مختلفة لاستخلاص ما يشكل نوعًا ما، وهناك نقاش قائم يتعلق بالتصنيفات.

ومع ذلك فإن الكثير من الأبحاث الحالية تشير إلى أن «… الانتواع هو عملية اختلاف السلالات الناشئة، وليس حدثا يؤثر على جميع الجينات في وقت واحد»، وفي الانتواع متباين الموطن (الشكل الأكثر شيوعًا من الانتواع) تكون «العزلة الإنجابية نتيجة ثانوية للتغير التطوري في الأفراد المعزولين، وبالتالي يمكن اعتباره حادثة تطورية».

يحدث الانتواع نتيجة لهذا التباين في الموطن، ومع ذلك فقد تم توثيق مجموعة متنوعة من العوامل المختلفة وغالبًا ما يتم تعريفها وتصنيفها بأشكال مختلفة (مثل: الانتواع المحازي أو الانتواع التماثلي أو التهجين). وقد لوحظ حدوث حالات من الأنتواع في كل من الطبيعة الأم والمختبر. لاحظ كل من فلورين وأودين أن «الأدلة المخبرية الجازمة على حدوث الانتواع متباين الموطن غير موجودة ..»، ومع ذلك وعلى عكس الدراسات المخبرية (التي تركز بشكل خاص على نماذج الانتواع متباين الموطن) «يحدث الانتواع بشكل مؤكد، ويجعل الكم الهائل من الأدلة الطبيعية رفض ذلك أمرا غير معقول».

جمع كوين وَ أور قائمة من 19 تجربة مخبرية على ذبابة الفاكهة تقدم أمثلة على الانتواع متباين الموطن عن طريق الانتقاء التباعدي واستنتجوا أنه «يمكن ان تتطور العزلة الإنجابية في الانتواع متباين الموطن كنتيجة ثانوية للانتقاء التباعدي».

إنَّ الابحاث التي توثق الأنتواع وفيرة. قام علماء الأحياء بتوثيق العديد من الأمثلة على الأنتواع في الطبيعة، حيث أنتج التطور أنواعًا أكثر بكثير مما يراه أي عالم ضروريًا. على سبيل المثال: هناك أكثر من 350000 نوع من الخنافس.

وتأتي أمثلة عن الأنتواع من ملاحظات علم الجغرافيا الحيوية للجزر وعملية التشعب التكيفي. كما يمكن العثور على أدلة للأصل المشترك من خلال دراسات المستحاثات القديمة داخل الطبقات الجيولوجية.

تمثل الأمثلة الموضحة أدناه أنماطًا مختلفة من الأنتواع وتوفر دليلًا قويًا على الأصل المشترك. من المهم أن التنويه إلى أن أبحاث الأنتواع لا تراقب بشكل مباشر الاختلاف من البداية إلى النهاية. وتؤدي الأبحاث احيانا إلى إعادة بناء التاريخ. إن الأمثلة على ذلك كثيرة، والأمثلة التالية ليست شاملة فهي لا تضم سوى جزء صغير من الحالات التي تمت ملاحظتها. تذكر دائما حقيقة أن «… الاصطفاء الطبيعي هو جزء موجود في كل أنماط الأنتواع …»، وهو المحرك الرئيسي لهذه العملية، لذلك غالباً ما تحتوي أمثلة الأنتواع على الاصطفاء.

المستحاثات

لا يمكن للسجل الأحفوري تقديم اي معلومات عمّا كان يشكل نوعًا ما. يعتمد علماء الحفريات إلى حد كبير على عملية مختلفة: مفهوم علم تشكل الأنواع.

يميز علماء الحفريات الأنواع باختلاف شكلها بسبب عدم وجود معلومات مثل السلوك التكاثري أو المادة الوراثية في الحفريات.

أدى البحث المكثف في السجل الأحفوري إلى طرح نظريات عديدة تتعلق بالانتواع (في سياق علم الحفريات)، مع وجود العديد من الدراسات التي تشير إلى شيوع أحداث التوازن والتوازن النقطي وتفرع النسب. نشر إروين وعلماء أخرون في عام 1995 عملًا مهما تحت عنوان (اساليب جديدة للانتواع في السجل الأحفوري) والذي جمع 58 دراسة حول الانتواع الأحفوري (بين عامي 1972 و 1995).

لإيجاد معظم الأمثلة التي تشير إلى التوازن (بما في ذلك التخلق التجددي أو التوازن النقطي) و 16 دراسة تشير إلى احداث الانتواع. على الرغم من أن التوازن يبدو التفسير السائد للوهلة الأولى، إلا أن هذه الدراسة استنتجت أنه «… لا يبدو أي نمط مهيمن …» مع «… توضح الدراسات وجود كلا من التوازن والتدرج في تاريخ سلالة واحدة». تستخدم العديد من الدراسات رواسب قاع البحر التي يمكن أن توفر كمية كبيرة من البيانات المتعلقة بمستحاثات العوالق الدقيقة.

يمكن استخدام تعاقب الحفريات في الطبقات لتحديد الاتجاهات التطورية بين الكائنات الأحفورية. ويمكن بالإضافة إلى ذلك تفسير حالات حدوث انتواع من البيانات وقد أجريت العديد من الدراسات لتوثيق كل من التطور الشكلي والانتواع.

الغلوبوروتاليا

قدمت أبحاث واسعة عن عوالق الغلوبوروتاليا ترونكاتولينوديس رؤية هامة لدراسات الجيولوجيا الحيوية والبيئية القديمة إلى جانب العلاقة بين البيئة والتطور. وجد الباحثون من دراسة في الجغرافيا الحيوية القديمة لعوالق الغلوبوروتاليا ترونكاتولينوديس أدلة تشير إلى تكوين نوع جديد (عن طريق عملية الانتواع متماثل الموطن).

تشير الطبقات الرسوبية المدروسة والتي تحتوي على الأنواع الثلاثة من العوالق أنه قبل 2.7 مليون عام كان يوجد فقط نوعي غلوبوروتاليا كراسافورميس وغلوبوروتاليا توزاينسيس. حدث انتواع في ذلك الوقت ووجدت بعض الأشكال الوسيطة لفترة من الزمن. اختفى نوع غلوبوروتاليا توزاينسيس من السجل فيما بعد (مما يشير إلى انقراضها) ولكنه موجود كوسيط بين نوعي غلوبوروتاليا كراسافورميس الموجود وغلوبوروتاليا ترونكاتولينوديس. يطابق هذا السجل الاحفوري المخطط الموجود والذي بني على أساس السمات الشكلية للأنواع الثلاثة. انظر الشكل 6a.

الشعوعيات

في دراسة واسعة أجريت على خمسة أنواع من الشعوعيات وهي (كالوسيسليتا كابا، بتيروكانيوم بريسماتيوم، بسيدوكولوس فيما، يوكرتيديوم كالفيرتينس، يوكرتيديوم ماتوياماي)، وثق الباحثون تغيرا تطوريا كبيرا في كل سلالة. وبالإضافة إلى ذلك أظهرت توجهات الأنواع (يوكرتيديوم كالفيرتينس ويوكرتيديوم ماتوياماي) اللتان تملكان صلة وثيقة أنه منذ نحو 1.9 مليون عام غزت يوكرتيديوم كالفيرتينس منطقة جديدة من المحيط الهادئ وأصبحت هذه المجموعة معزولة عن افراد النوع الرئيسي.

توضح طبقات هذا النوع بوضوح أن هذه المجموعة المعزولة تطورت لنوع يوكرتيديوم ماتوياماي. ثم عادت لتغزو المنطقة التي لا يزال تحوي نوع يوكرتيديوم كالفيرتينس حيث حدث انخفاض مفاجئ في حجم الجسم. اختفى في النهاية نوع يوكرتيديوم ماتوياماي من الطبقة (من المفترض أن يكون ذلك نتيجةً للانقراض) تزامنًا مع مقاومة نوع يوكرتيديوم كالفيرتينس لانخفاض حجم الجسد. ومن ذلك الوقت توقف تغير حجم الجسد. يقترح المؤلفون زوال هذه السمات بسبب المنافسة.

ريزوزلينيا (الدياتوم)

أجرى الباحثون قياسات على 5000 عينة من عوالق الريزوزلينيا (الدياتوم) من ثمانية مستحاثات رسوبية في المحيط الهادئ. تمتد العينات الأساسية على زمن مليوني عام وتم ترتيبها باستخدام قياسات المجال المغناطيسي للطبقات الرسوبية. اظهرت جميع العينات الأساسية نفس نمط التشعب: مع وجود سلالة واحدة (ريزوزلينيا بيرجوني) حدثت قبل 3.1 مليون عام وظهرت سلالتين وليدتين مختلفتين شكليا (ريزوزلينيا برايبيرجوني) بعد ذلك. كانت الوحدات المستخدمة لقياس العينات متماثلة في كل عينة. وجدت دراسة إضافية جرت على أنواع ريزوزلينيا بيرجوني أنها وبعد حدوث الاختلاف قد غزت المحيط الهندي.

التوربوروتاليا

أجريت دراسة حديثة على عوالق المنخربات حيث استخرج العلماء «51 عينة مرتبة حسب المستوى الطبقي من موقع استوائي داخل شمال المحيط الهادئ». تم فحص مئتي نوع من الأنواع الفردية استنادا لعشر سمات شكلية محددة (الحجم، مؤشر الانضغاط، نسبة أبعاد الحجرة، تضخم الحجرة، نسبة أبعاد الفجوة، ارتفاع الاختبار، توسع الاختبار، زاوية الصرّة، جهة الالتفاف، وعدد الحجرات في التجمع).

وجدت الدراسة باستخدام طرق التجميع الإحصائي متعدد المتغيرات أن الأنواع استمرت في التطور بشكل غير مباشر في العصر الإيوسيني منذ ما بين 45 و 36 مليون عام. وأظهرت الطبقات الأحفورية منذ ما بين 36 و 34 مليون عام مجموعتين مختلفتين لهما خصائص مختلفة تميز بين نوعين من الكائنات. استنتج الباحثون أنه لا بد من حدوث انتواع وأن النوعين الجديدين كانا من سلالة النوع السابق. يمثل هذا المثال الطبيعة الواسعة ومجموعة البيانات اللازمة من مختلف المجالات العلمية (مثل علم المحيطات وعلم الآثار) واستخدام التحليل الرياضي (مثل علم الإحصاء الحيوي).

الفقاريات

توجد أدلة على وجود انتواع لدى الفقاريات بالرغم من قلة البيانات التي يوفرها السجل الأحفوري. أجريت دراسات لتوثيق الأنماط المتماثلة في اللافقاريات البحرية. وساهمت الأبحاث المكثفة التي وثقت معدلات التغير الشكلي، والاتجاهات التطورية، وأنماط الانتواع في الثدييات الصغيرة بشكل كبير في الانجازات العلمية، وفي النهاية: إن إثبات أن التطور (والانتواع) قد حدث فعلا في الماضي يدعم فرضية السلف المشترك.

وجدت دراسة أجريت على أربعة أجناس من الثدييات: الهايبسودوس، والبيليكودوس، والهابلومايلوس (الثلاثة من العصر الإيوسيني) وشبيهات الأدابيس (من العصر الباليوسيني) من خلال دراسة عدد كبير من الطبقات وأخذ العينات أن كل مجموعة قد أظهرت «تطور شكلي تدريجي، وزيادة الحجم العام وتطور الأنواع الصغيرة بشكل تكراري، واختلاف السمات في كل سلالة جديدة».

استنتج العلماء من خلال هذه الدراسة أن الانتواع كان واضحًا. وجدت دراسة أخرى عن توجهات التغير الشكلي ومعدلات التطور أن القوارض الأرفيكولاواتية تتشعب لـ 52 سلالة مختلفة على مدى فترة زمنية تبلغ 5 ملايين سنة، وقد وثقت أمثلة عن التطور الشكلي المتدرج والتوازن.

اللافقاريات

ذبابة الفاكهة سوداء البطن

وجد ويليام رايس وجورج سالت دليلًا تجريبيًا على حدوث انتواع متماثل الموطن في ذبابة الفاكهة الشائعة. قاموا بجمع مجموعة من ذبابة الفاكهة من مدينة دافيس في كاليفورنيا ووضعوا الشرانق في متاهة بيئية. كان على الذباب الجديد البحث في المتاهة للعثور على الطعام. وكان للذباب ثلاثة خيارات من أجل العثور على الطعام، وهي اتباع الضوء والظلام (طريق ضوئي) أو الحركة للأعلى والأسفل (طريق جغرافي) أو اتباع رائحة الأسيتالديهيد ورائحة الإيثانول (طريق كيميائي). قسم ذلك في النهاية الذباب إلى 42 بيئة مكانية وزمانية.

ثم قاموا بأخذ سلالتين اختارتا بيئات معاكسة. تأقلمت واحدة من السلالات خلال وقت قصير وحلّقت على الفور إلى الأعلى في الظلام لتنجذب إلى الأسيتالديهيد. تأقلمت سلالة أخرى في وقت متأخر وحلقت على الفور إلى أسفل منجذبة إلى الضوء والإيثانول. ثم تم وضع شرانق السلالتين معًا في المتاهة وسمح لها بالتزاوج في مكان وجود الطعام. ثم جمعوها. وفرضت عقوبة انتقائية على الذباب الإناث التي غيرت بيئتها. يحتم ذلك عدم انتقال أعراسها إلى الجيل التالي. ظهر انعزال تكاثري بين السلالتين بعد مضي 25 جيلًا من اختبار التزاوج. كرروا التجربة مرة أخرى دون تطبيق عقوبة انتقائية على تغيير البيئة وكانت النتيجة نفسها وهي إنتاج العزلة التناسلية.

الدبابير الآبرات

وجدت دراسة عن أنواع دبور الآبرات أن الافراد التي تتغذى على النباتات المضيفة المختلفة (سنديان مزدوج وسنديان فرجيني) أظهرت حجم جسم وشكل عفصة مختلفًا إلى جانب تعبير قوي عن العزلة الجنسية. افترضت الدراسة أن الافراد الذين يعيشون ضمن نباتات مضيفة مختلفة سيظهرون دليلًا على التطور التباعدي الذي يدعم حدوث الأنتواع. قام الباحثون بأخذ عينات من أنواع الدبابير الآبرة في أشجار البلوط وقاموا بقياس حجم الجسم (قصبة الساق اليمنى لكل دبور)، واحصاء عدد حجرات العفص.

بالإضافة إلى ذلك أجروا فحوصات التزاوج والتحليلات الإحصائية. وتم إجراء التحليل الوراثي أيضًا على موقعين من الدنا المتقدرة (416 زوجًا قاعديا من السيتوكروم C و 593 زوجًا قاعديا من السيتوكروم أوكسيديز) من أجل «التحكم في التأثيرات الخارجية غير المتوقعة للوقت عند الاختلاف بين الأنواع التي خضعت للانتواع متباين الموطن».

قام الباحثون بدراسة نوعين من الدبابير الآبرة هي (بيلونوسنيما تريتي) و(ديشولكاسبيس كيركوسفيرنس) ووجدوا تباينًا شكليا وسلوكيًا كبيرا بين المجموعات المرتبطة بنبات مضيف. حققت هذه الدراسة الشروط المسبقة للانتواع.

ذبابة الزعرور

أحد الأمثلة على حدوث التطور هي ذبابة الزعرور (والمعروفة أيضًا باسم ذبابة التفاح) والتي يبدو أنها خضعت للانتواع متماثل الموطن. تتغذى مجموعات مختلفة من ذبابة الزعرور على ثمار مختلفة. ظهرت مجموعة مختلفة في أمريكا الشمالية في القرن التاسع عشر بعد ظهور التفاح وهي ليست وليدة البيئة ذاتها. تتغذى مجموعات ذبابة الزعرور الجديدة عادةً على التفاح فقط وليس على ثمار الزعرور التي يفضلها هذا النوع بشكل عام، لا تتغذى مجموعة ذبابة الزعرور الأصلية عادة على التفاح. توجد بعض الأدلة (مثل حقيقة أن ستة من أصل ثلاثة عشر من الإنزيمات المتغايرة جينيا مختلفة) تقول أنّ ذباب الزعرور ينضج في وقت متأخر من الموسم ويستغرق وقتًا أطول لينضج مقارنة بذباب التفاح، وتوجد القليل من الأدلة على حدوث التهجين (قام الباحثون بتوثيق حدوث التهجين بنسبة بلغت 4 – 6٪) والتي تشير إلى حدوث الانتواع.

بعوضة لندن تحت الأرض

إن بعوضة لندن تحت الأرض هي نوع من أنواع البعوض الموجود في مترو أنفاق لندن. تطورت من الأنواع فوق الأرضية. هذا البعوض وعلى الرغم من اكتشافه لأول مرة في نظام مترو أنفاق لندن، فقد عثر عليه في عدة أنظمة تحت الأرض حول العالم. يُقترح أن هذا البعوض ربما قد تكيف مع الأنظمة تحت الأرضية التي يبنيها الإنسان منذ القرن الماضي وهو من سلالة البعوض المحلي فوق سطح الأرض، على الرغم من أن الأدلة الحديثة تشير إلى أنه صنف من البعوض الجنوبي الذي تكيف مع المساحات الدافئة تحت الأرض في المدن الشمالية.

يملك النوعان سلوكيات مختلفة بشكل كبير [236] مما يجعل من الصعب جدًا تزاوجها، وتملك معدل تكرار أليلي مختلف يدل على الانحراف الوراثي الذي حدث خلال نشأتها. تتكاثر هذه البعوضة على مدار العام ولا تتحمل الاجواء الباردة، وتلدغ القوارض والفئران والبشر، على عكس الأنواع الموضحة أعلاه التي تتحمل البرودة، وتقوم بالسبات في فصل الشتاء وتلدغ الطيور فقط. عندما تم تهجين الصنفين كانت البويضات تعاني من العقم مما يشير إلى وجود عزلة تكاثرية.

تشير البيانات الوراثية إلى أن بعوضة لندن تحت الأرضية تملك أصلًا مشتركًا ولا ترتبط كل مجموعة في كل محطة بأقرب مجموعة بعوض فوق سطح الأرض. افترضت ابحاث بيرن ونيكولز أن التكيف مع البيئة تحت الأرضية حدث محليًا في لندن مرة واحدة فقط. تتميز هذه المجموعات المنفصلة والمنتشرة بشكل واسع باختلافات جينية طفيفة للغاية مما يوحي بأن شكل البعوض قد تطور: يوجد اختلاف واحد جيني مشترك بين مجموعات البعوض تحت الأرضية في عشر مدن روسية، ويوجد اختلاف واحد ثابت في التكرارات المترادفة القصيرة في المجموعات المنتشرة في أوروبا واليابان وأستراليا والشرق الأوسط وجزر الأطلسي.

القريدس العضاض وبرزخ بنما

يوجد نقاش لتحديد متى تم إغلاق برزخ بنما. تدعم الكثير من الأدلة إغلاقه منذ ما يقارب من 2.7 إلى 3.5 مليون عام وهي «… أدلة متعددة ودراسات تحليلية مستقلة». ومع ذلك تشير دراسة حديثة إلى وجود جسر عابر بشكل مسبق منذ ما بين 13 إلى 15 مليون عام.

بغض النظر عن توقيت تشكل واغلاق البرزخ يمكن لعلماء الأحياء دراسة الأنواع على جانبي المحيط الهادئ ومنطقة البحر الكاريبي فيما يسمى «واحدة من أعظم التجارب الطبيعية للتطور.»

قدمت دراسات عن القريدس العضاض أدلة مباشرة على حدوث الانتواع متباين الموطن، وساهمت في اغناء المؤلفات المتعلقة بمعدلات التطور الجزيئي.تدعم عمليات إعادة التركيب الشكلي باستخدام «مجموعات بيانات متعددة وأساليب تحليلية مترابطة» العلاقات بين الأنواع في المجموعة وتدعم تقنيات الساعة الجزيئية حدوث فصل بين 15 زوجًا من أنواع القريدس منذ ما بين 3 و 15 مليون عام.

النباتات

كان عالم النبات فيرني غرانت رائداً في مجال انتواع النباتات من خلال أبحاثه ومنشوراته الهامة حول هذا الموضوع. وكما قال سابقا: يعتمد العديد من علماء الأحياء على مفهوم الأنواع البيولوجية، ويوجد بعض الباحثين الحديثين اللذين يستخدمون مفهوم الأنواع التطورية. يوجد نقاش حول إطار العمل الذي يجب تطبيقه في البحث. وبغض النظر عن ذلك تعتبر العزلة الإنجابية هي العامل الرئيسي في عملية الانتواع، وقد درسها علماء الأحياء على نطاق واسع.

اكتشف ان كل من التهجين وتعدد الصيغ الصبغية قد لعبا دورا هاما كمساهمين رئيسيين في انتواع النباتات. وكان «حدوث التهجين أكثر تكرارا بكثير مما كان يعتقد سابقا». وبالإضافة إلى هذين الحدثين اللذين يؤديان إلى حدوث الانتواع أصبحت التفضيلات والانعزال وإعادة ترتيب الصبغيات والانتقاء الطبيعي من الأمور الحاسمة في انتواع النباتات. وبالإضافة إلى ذلك تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الاصطفاء الجنسي وعوامل التخلق وإنشاء تراكيب أليلية غير متوافقة والتي تسببت في موازنة الانتقاء ساهمت أيضًا في تكوين أنواع جديدة. تم اجراء دراسة على ذلك في كل من المختبر والطبيعة. وتشير الدراسات أيضًا إلى أنه بسبب «الطبيعة الثابتة للنباتات (لا تغير مكانها) … تزيد أهمية الانتواع البيئي …»

يؤدي التهجين بين نوعين مختلفين في بعض الأحيان إلى ظهور نمط الظاهري مختلف. يمكن أن يكون هذا النمط الظاهري أكثر تجانسًا من السلالات الأبوية وبالتالي فمن الممكن ان يفضل الانتقاء الطبيعي هؤلاء الأفراد. وفي النهاية: إذا تم تحقيق العزلة الإنجابية سيسبب ذلك حدوث نوع منفصل. ومع ذلك يصعب تحقيق العزلة الإنجابية بين الانواع الهجينة والآباء بشكل خاص، وبالتالي تعد الأنواع الهجينة حدثًا نادرًا. ومع ذلك يُعتبر التهجين الذي يسبب العزلة التناسلية وسيلة هامة لحدوث الانتواع في النباتات نظرًا لأن النباتات يمكن ان تحتوي على تعدد الصيغ الصبغية (امتلاك أكثر من نسختين من كل كروموسوم) بسهولة أكبر من الحيوانات.

يعتبر تعدد الصيغ الصبغية مهما في الكائنات الهجينة لأنها تسمح لها بالتكاثر، حيث توجد مجموعتين مختلفتين من الصبغيات التي تكون كل منهما قادرة على الاقتران مع شريك مماثل لها خلال الانقسام المنصف. يشتمل تعدد الصيغ الصبغية أيضًا على المزيد من التنوع الجيني مما يسمح للكائنات بتجنب انحدار زواج الأقارب في المجتمعات الصغيرة. يطلق على التهجين بدون تغيير في عدد الصبغيات الانتواع الهجين المثلي. يعتبر هذا الانتواع نادرًا جدًا ولكنه يظهر في فراشات هلكونيوس وزهور عباد الشمس. يعتبر الانتواع بسبب تعدد الصيغ الصبغية الذي يحوي تغييرات في عدد الكروموسومات ظاهرة أكثر شيوعًا خاصة في الأنواع النباتية.

إن تعدد الصيغ الصبغية هي آلية تسببت في العديد من أحداث الانتواع السريع بشكل محلي لأن النسل الناتج عن زواج كائن رباعي الصيغ الصبغية مع كائن ثنائي الصيغ الصبغية غالباً ما يكون ذرية عقيمة ثلاثية الصيغ الصبغية.

لا يكون كل نسل الكائنات متعددة الصيغ الصبغية معزول تكاثريا عن النباتات الأبوية وقد يستمر تبادل الجينات بينها من خلال – على سبيل المثال – زواج كائنات ثلاثية الصيغ الصبغية مع كائنات ثنائية الصيغ الصبغية والذي ينتج كائنات رباعية الصيغ الصبغية، أو التزاوج بين الاعراس ذات الانقسام المنصف ثلاثية الصيغ الصبغية مع رباعية الصيغ الصبغية. تم طرح فكرة كون العديد من الأنواع الموجودة في معظم النباتات والحيوانات قد خضعت لحدث تعدد الصيغ الصبغية خلال تاريخها التطوري.

إن تكاثر الأنواع متعددة الصيغ الصبغية بشكل ناجح يكون أحيانًا غير جنسي بل عن طريق التوالد البكري أو التكاثر اللا اخصابي، وتوجد كائنات متعددة الصيغ الصبغية لأسباب غير معروفة. هناك حالات نادرة لوجود ثدييات متعددة الصيغ الصبغية، ولكن غالبًا ما تؤدي إلى الوفاة قبل الولادة.

يعتبر الباحثون أن العزلة الإنجابية هي مفتاح الانتواع. يتمثل أحد الأقسام الرئيسية لأبحاث الأنتواع في تحديد طبيعة الحواجز التي تحول دون التكاثر. غالبًا ما يعتبر علماء النبات أن التصنيفات الحيوانية للانعزال قبل التزاوج أو بعد التزاوج غير كافية. تعطي الأمثلة التالية شرحًا هامًا لعملية الانتواع.

ميمولوس بيريجرينوس

لوحظ وجود نوع جديد متعدد الصيغ الصبغية من ازهار القردة يسمى (ميمولوس بيريجرينوس) على ضفاف نهر في ليدهيلز جنوب لاناركشاير في اسكتلندا. كان الأبوين هما ازهار القردة الصفراء الشائعة (تحتوي على 14 زوجًا من الصبغيات) وازهار القردة الصفراء المرقطة (تحتوي على 30-31 زوجًا من الصبغيات)، يملك النوع الناتج ست نسخ من الصبغيات (ناتجة عن تكرار الصيغ الصبغية الثلاثية الهجينة والعقيمة). وبسبب طبيعة هذه الأنواع فهي تملك القدرة على الإخصاب الذاتي. ونظرًا للعدد الذي تملكه من الصبغيات فإنه لا يمكنها التزاوج مع ازهار القردة الصفراء الشائعة أو ازهار القردة الصفراء المرقطة أو ذريتهما ثلاثية الصيغ الصبغية العقيمة. إما سيموت نوع ميمولوس بيريجرينوس الناتج، أو لن ينتج ذرية، أو سيتكاثر مع نفسه بشكل فعال مؤديا إلى نشوء نوع جديد.

رافانوبراسيكا

تشمل رافانوبراسيكا كل انواع النسل الهجين بين أجيال الفجل والبراسيكا (الملفوف). ان الرافانوبراسيكا هو تهجين متعدد الصيغ الصبغية بين الفجل والملفوف. ويعرف شكلين اخرين من أشكال الرافانوبراسيكا الخصبة وهما الراباراديش وهو نبات هجين متعدد الصيغ الصبغية ناتج عن تهجين فجل رافانوس ساتيفوس مع فجل براسيكا رابا ويزرع كمحصول علفي. رافانوفورتي هو نبات هجين متعدد الصيغ الصبغية ناتج عن تهجين براسيكا تورنفور ورافانوس كاوداتوس. يعد نبات رافانوبراسيكا نباتًا مميزا لأنه وعلى الرغم من طبيعته الهجينة فهو ليس عقيمًا. وقد دفع ذلك بعض علماء النبات إلى اقتراح أن آلية تهجين زهرة من خلال حبوب طلع تعود لنوع آخر في الطبيعة يمكن أن يكون آلية الأنتواع الشائعة في أنواع النباتات العليا.

نبات السينيسيو (الشيخة)

إن نباتات الشيخة الويلزية هي نباتات متعددة الصيغ الصبغية، وتحتوي على مجموعات من الصبغيات تنشأ من نوعين مختلفين. كانت النبات الأبوة (سينيسيو باكستيري) هجينا عقيمة يمكن أن ينشأ تلقائيًا عندما ينمو نبات الشيخة (سينيسيو فولغاريس) ونبات سينيسيو سكوالديوس جنبًا إلى جنب. أدى تضاعف مفاجئ في عدد الصبغيات في نبات سينيسيو باكستيري في بداية القرن العشرين إلى تكوين نوع جديد خصب.

سينيسيو إيبوراسينسيس هو نوع نبات هجين من سينيسيو سكواليدوس الذي لا يتكاثر ذاتيا وسينيسيو فولغاريس الذي يتكاثر ذاتيًا (المعروف باسم نبات الشيخة الشائع). تمتع نبات سينيسيو إيبوراسينسيس بميزة التكاثر بشكل ذاتي مثل سينيسيو فولغاريس. ومع ذلك فهو يظهر تشابه قليل أو غير موجود مع الأنواع الأم وبالتالي فهو معزول تكاثريًا، مما يشير إلى وجود حواجز تكاثر قوية بين هذا النوع الهجين الجديد والابوين. وقد نتج عن التهجين الأبوي بين النوع الهجين مع النباتات الأبوية نوع سينيسيو فولغاريس. إن موطن سينيسيو فولغاريس الأصلي هو بريطانيا، بينما اكتشفت نباتات سينيسيو سكواليدوس في صقلية في أوائل القرن الثامن عشر، وظهر نوع سينيسيو إيبوراسينسيس نتيجة لتهجين هذين النوعين خلال الـ 300 عام الماضية.

تم اجراء دراسة على الانواع الهجينة الأخرى المنحدرة من نفس الوالدين، وكان بعضها مصاب بالعقم مثل سينيسيو باكستيري. ويوجد أيضا أنواع هجينة خصبة أخرى مثل نباتات الشيخة الشائعة الآن في بريطانيا، وسينيسيو كامبرينسيس متعدد الصيغ الصبغية والذي ربما نشأ (وفقًا للأدلة الجزيئية) بشكل مستقل في ثلاث مواقع مختلفة على الأقل. تدعم الأدلة الشكلية والوراثية اعتبار سينيسيو إيبوراسينسيس نوعا منفصلا عن الأنواع الهجينة الأخرى المعروفة.

نبات رشاد أذن الفأر

اكتشفت كريستين بومبليز وعلماء اخرون من معهد ماكس بلانك لعلوم الأحياء التطورية اثنين من الجينات الموجودة في نبات رشاد أذن الفأر. عندما يرث النسل كلا الجينين فإنه يسبب رد فعل في النبات الهجين يحول نظام المناعة الخاص به ضده. لم تكن الجينات ضارة في الوالدين لكنها تطورت بشكل منفصل لتتفاعل بشكل سيء عندما تكون مجتمعة.

ولاختبار ذلك قام العلماء بتهجين 280 سلالة مختلفة وراثيا من النبات من خلال 861 طريقة مختلفة ووجدوا أن 2% من السلالة الهجينة الناتجة كانت تحول نظام المناعة الخاص بها ضدها. وتشاركت النباتات الـ 20 أيضًا في مجموعة جينية متماثلة في مجموعة من 1080 جينًا.

اكتشفت بومبليز انه كان مطلوبا في جميع الحالات تقريبًا وجود اثنين من الجينات ليتسببوا في حدوث استجابة المناعة ضد النبات ذاته. قامت بومبليز بدراسة نبات هجين واحد بدقة ووجدت أن أحد الجينين ينتمي إلى فئة (NB-LRR) وهي مجموعة شائعة من جينات مقاومة الأمراض التي تساهم في التعرف على الإصابات الجديدة. عندما أزالت بومبليز الجين المسبب للمشاكل نما النبات الهجين بشكل طبيعي. يمكن أن يؤدي عدم التوافق على مدى الأجيال المتعاقبة إلى حدوث انقسامات بين سلالات النباتات المختلفة، مما يقلل من فرص نجاح التزاوج ويحول السلالات المختلفة إلى أنواع منفصلة.

نبات لحية التيس

يمثل نبات لحية التيس مثالا على حدوث الأنتواع الهجين. أدخل البشر ثلاثة أنواع من نبات لحية التيس إلى أمريكا الشمالية في أوائل القرن العشرين. هذه الأنواع هي نبات لحية التيس الغربي، ونبات لحية التيس في المروج، ونبات المحار وهي الآن نباتات شائعة في الاراضي ضمن المدن. وجد علماء النبات في خمسينيات القرن العشرين نوعين جديدين في ولايتي أيداهو وواشنطن، حيث كانت توجد الأنواع الثلاثة المعروفة مسبقا. أحد الأنواع الجديدة هو نبات سلسفي موسكو وهو هجين رباعي الصيغة الصبغية ناتج عن نبات لحية التيس الغربي ونبات لحية التيس في المروج.

من الأنواع الجديدة الأخرى نبات لحية التيس ميروس هو أيضًا متعدد الصيغ الصبغية، لكن أسلافه كانوا نبات لحية التيس الغربي ونبات المحار. يشار عادة إلى هذه الأنواع الجديدة باسم (أنواع أوينباي الهجينة) نسبة لعالم النبات الذي اكتشفها أول مرة. ينمو نبات لحية التيس ميروس بشكل رئيسي عن طريق إعادة إنتاج أفراده مجددا، ولكن تستمر احداث التهجين الإضافية في زيادة أعداده.

تزاوج نبات لحية التيس الغربي مع نبات لحية التيس في المروج في أوروبا لكنهما لم يكونا قادرين على التهجين. وجدت دراسة نشرت في آذار / مارس عام 2011 أنه عندما تم إدخال هذين النباتين إلى أمريكا الشمالية في العشرينيات من القرن الماضي قاما بالتزاوج ومضاعفة عدد الصبغيات الموجودة في نبات لحية التيس موسكو الهجين الناتج مما سمح بإعادة ضبط جيناتها والذي أدى بدوره إلى حدوث تباين وراثي أكبر. قال البروفيسور دوج سولتيس من جامعة فلوريدا «لقد رأينا عملية التطور أثناء حدوثها … قد تساعد أنماط جديدة ومتنوعة من الجينيات الأنواع الجديدة على التكيف السريع في بيئات جديدة». تعزز هذه الملاحظات (حدوث الأنتواع من خلال التهجين) الأدلة على السلف المشترك للكائنات الحية والإطار الزمني الذي نشأت فيه الأنواع الجديدة في بيئتها الجديدة. تتم إعادة عملية التهجين بشكل مصطنع في المختبرات منذ عام 2004 إلى يومنا هذا.

الفقاريات

طائر أبو قلنسوة

تعيش أنواع طيور أبو قلنسوة في ألمانيا وتطير نحو الجنوب الغربي إلى إسبانيا بينما تطير مجموعة صغيرة منها إلى الشمال الغربي نحو بريطانيا العظمى خلال الشتاء. وجد جريجور رولسهاوزن من جامعة فرايبرغ أن الفصل الجيني بين المجموعتين يتم حاليا بالفعل. ظهرت الاختلافات الموجودة خلال نحو 30 جيلًا. يمكن تحديد المجموعة التي ينتمي اليها كل فرد بدقة 85٪ باستخدام تسلسل الحمض النووي. ذكر العالم ستيوارت بيروب من جامعة إكزتر أن الطيور التي تسافر في فصل الشتاء نحو إنجلترا تميل إلى التزاوج فيما بينها فقط ولا تتزاوج عادة مع التي تسافر في فصل الشتاء نحو مناطق البحر الأبيض المتوسط. لا يزال من غير المنطقي أن نقول أنّ المجموعتين ستصبحان نوعين مختلفين، لكن الباحثين يتوقعون ذلك بسبب استمرار الفصل الوراثي والجغرافي.

سمك المولي

سمكة المولي هي سمكة صغيرة تعيش في كهوف الكبريت في المكسيك. وجدت الدراسات التي أجريت على هذا النوع أن مجموعتين مختلفتين من اسماك المولي (الأسماك الداكنة التي توجد في الاعماق وأسماك المياه السطحية فاتحة اللون) تصبح أكثر اختلافًا وراثياً.

لا تملك المجموعتين حاجز واضح يفصل بين الاثنين، ومع ذلك فقد وجد أن أسماك المولي يتم اصطيادها بواسطة بقيات الماء الكبيرة. قام توبلر بجمع بقيات الماء الكبيرة وكلا النوعين من اسماك المولي ووضعهما في زجاجات بلاستيكية كبيرة ثم وضعهما في الكهف. تبين بعد مضي يوم واحد أن الأسماك المتكيفة مع الكهف والتي وضعت في الضوء تعرضت لأكبر قدر من الضرر، حيث أصابت نسبة أربع من كل خمس هجمات قامت بها بقيات الماء الكبيرة اجزاء من فم الاسماك.

سَرَت الأحداث في الظلام عكس ذلك. تستطيع حواس أسماك المولي اكتشاف تهديد المفترس في بيئتها وليس في المناطق الأخرى. إنَّ الانتقال من بيئة إلى أخرى يزيد بشكل كبير من خطر الموت. يخطط توبلر لإجراء مزيد من التجارب، وهو يعتقد أن هذه التجربة مثال جيد على ظهور نوع جديد.

الدب القطبي

إنَّ الانتقاء الطبيعي والعزلة الجغرافية وعملية الانتواع تكون واضحة في العلاقة بين الدب القطبي والدب البني. حيث تعتبر أنواعًا منفصلة في مناطقها، ومع ذلك تم توثيق أنها تملك القدرة على التزاوج فيما بينها وإنتاج ذرية خصبة. حدث هذا التهجين الأبوي المتكرر في البرية وفي الدبب المأسورة لدى الإنسان على حد سواء وتم توثيقه والتحقق منه من خلال اختبار الحمض النووي. يرجع أقدم دليل أحفوري معروف للدببة القطبية إلى نحو 130000 إلى 110000 عام، ومع ذلك قدرت البيانات الجزيئية أوقات مختلفة لزمن حدوث الانتواع. قدر تحليل الحمض النووي للمتقدرات حدوث الانتواع قبل 150000 عام في حين أظهر تحليل الشريط الوراثي النووي حدوث اختلاف تقريبي قبل 603000 عام.

أثبتت الأبحاث الحديثة باستخدام شريط وراثي كامل (بدلاً من الدنا المتقدرة أو الشريط الوراثي النووي الجزئي) اختلاف الدببة القطبية والبنية منذ ما بين 343 – 479 ألف عام.

وعلى الرغم من الاختلافات على تحديد اوقات التباين تشير الأبحاث الجزيئية إلى أن الأنواع الشقيقة خضعت لعمليات انتواع وتزاوج معقدة للغاية.

اكتسبت الدببة القطبية اختلافات تشريحية ووظيفية كبيرة عن الدببة البنية مما سمح لها بالبقاء على قيد الحياة بشكل مريح في ظروف لا تستطيع الدببة البنية تحملها. من الأمثلة البارزة: القدرة على السباحة لمدة ستين ميلًا أو أكثر بشكل متواصل في المياه المتجمدة، وامتزاج الفراء الابيض مع الثلج، بقاء الدب دافئًا في البيئة القطبية الشمالية، رقبة طويلة تجعل من السهل على الدببة إبقاء رؤوسها فوق الماء أثناء السباحة، وامتلاك أرجل مكشوفة كبيرة متصلة تعمل كمجاديف عند السباحة.

كما طورت حليمات صغيرة وفجوات شفط على باطن القدمين لجعلها أقل عرضة للانزلاق على الجليد، إلى جانب امتلاك اذنين أصغر للحد من فقدان الحرارة، واجفان تعمل مثل النظارات الشمسية، والتأقلم مع نظام غذائي يتكون من اللحوم فقط، سعة معدة كبيرة لتستطيع الدببة الاكل عندما تسمح لها الفرصة، والقدرة على الصيام لمدة تصل إلى تسعة أشهر أثناء إعادة تدوير مادة البولة (اليوريا). يقدم هذا المثال تغييراً تطوريًا كبيرًا يحتوي عدة مجالات في علم الأحياء التطورين على سبيل المثال: التكيف من خلال الانتقاء الطبيعي والعزلة الجغرافية والانتواع والتهجين.

تم نقل المقال من ويكيبيديا العربية بالتصرف.

اقرأ أيضًا: أدلة السلف المشترك – أدلة من التشريح المقارن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *