امتلاك القدرة على الطيران صفة مدهشة وشديدة النفع ومن المثير معرفة الحيوانات التي تخلت عن اللحاق بالسرب وسبب ذلك، فالعديد من الطيور والحشرات لا تمتلك القدرة على الطيران، على الرغم من انحدارها من أسلاف قادرة على التحليق.
وقد لاحظ تشارلز داروين تواجد العديد من هذه الأنواع في الجزر الصغيرة واقترح تفسيرًا لها، لكن لم نتيقن من ذلك حتى اللحظة.
أشار داروين إلى مناخ الجزر العاصف، وأن الحيوانات المحلقة تواجه خطر تطييرها نحو البحر بعيدًا عن موطنها، وكلما قل طيران المخلوق تفادى مصيره المحتوم وازدادت فرصه للنجاة والتكاثر، إضافةً لعوامل أخرى أسهمت في تخلي النوع عن قدرته على الطيران.
يعد جوزيف هوكر -مدير الحدائق النباتية الملكية- أقرب أصدقاء داروين والمؤيد الأبرز لنظرية التطور، لكن هوكر ذاته رفض مقترح داروين ذاك مشيرًا إلى الحيوانات التي فقدت قدرتها على الطيران في القارات الفسيحة.
ومنذ ذلك الحين، انحاز العديد من علماء الأحياء إلى هوكر، ومنهم من خرج بنظرياته الخاصة حول الموضوع.
بملاحظة عنف العواصف التي تضرب جزر المحيط الجنوبي، رأت ريتشل ليهي، طالبة الدكتوراه في جامعة موناش في الجو العاصف ذاك الفرصة الأمثل لاختبار صحة التفسير وفض نزاع داروين وهوكر.
تمتد هذه الجزر على مساحات ضئيلة جدًا وتكاد لا تجابه عصف الرياح العكسية السائدة في المنطقة والتي تدعى بالأربعينيات المزمجرة، وتكاد لا تتحمل قوة رياح خطوط العرض العليا التي ما من ندٍّ لها على سطح الأرض.
صرّحت ليهي أنه: «في حال أثبتنا خطأ تقديرات داروين، فما من دور أدته الريح في فقدان الكثير من الحشرات لقدرتهم على الطيران فوق هذه الجزر».
وفي أعمال الجمعية الملكية ب، أفادت ليهي أن نصف أنواع الحشرات في هذه الجزر غير قادرة على الطيران. وفي حديثها مع IFLScience صرّحت: «إنه أمر استثنائي حقًا أن تجد حشرات العث تزحف؛ إذ أن أجنحتها أصغر من أن تساعدها على الطيران.
ونلاحظ أن غياب القدرة على الطيران هي الصفة الأكثر شيوعًا في المناطق المناخية التي يغلب على مناخها العواصف. وبالمجمل فإن 5% من أنواع الحشرات حول العالم غير قادر على الطيران».
بحثت ليهي أيضًا في التفسيرات البديلة، وأكثرها شيوعًا التفسير القائل أن الموطن المستقر يعمل بدوره على تقليص الحاجة إلى الطيران بين مواقع توافر الغذاء، وهو التفسير الصحيح لفقدان قدرة بعض الأنواع على الطيران في بيئات طبيعية أخرى، كالكهوف على سبيل المثال لا الحصر، وتؤكد ليهي أن التفسير ذاته غير منطقي في بيئات المحيط الجنوبي المعنية، حيث تتمتع جزر تلك المنطقة بفروق هامشية في درجات الحرارة الموسمية إلا أن أعداد قاطنيها من الكائنات غير القادرة على الطيران لا تزداد بازدياد العصف الريحي. وعلى نحو مماثل، فإن درجات الحرارة المنخفضة، التي تحفز ادخار الطاقة، غير مهمة مقارنةً بالرياح.
من ناحية أخرى، تتخلى بعض الأنواع عن قدرتها على الطيران لأسباب أخرى. ترجع ليهي سبب تعدد أنواع الطيور غير القادرة على التحليق في بعض البيئات -كما في نيوزيلندا- إلى عدم وجود حيوانات مفترسة.
استنتج داروين -صاحب نظرية التطور عبر الانتخاب الطبيعي ذائعة الصيت- تفسيرات لظواهر عديدة تاه العلماء بحثًا عن جواب لها، وقد ثبتت صحة بعض هذه التفسيرات على الفور، إلا أن غيرها من التفسيرات مازال موضع جدلٍ لمدة تزيد عن قرنٍ من الزمن.
تندر التفسيرات “الداروينية” الخاطئة، وبكل تأكيد فإن ما تتناوله المقالة هذه ليست إحداها، فهذا تبرير من العديد من التبريرات التي أكدت صحة أقوال داروين.
ترجمة: بشرى عيسى
تدقيق: جعفر الجزيري
المصدر: iflscience
اقرأ أيضًا:
ربما استطاعت الفقاريات الأولى المشي في أعماق المحيط قبل الانتقال إلى اليابسة