حصل باحثو جامعة ستانفورد على رؤى جديدة حول كيفية ظهور حواجز التكاثر بين الكائنات الحية التي تخلق أنواعًا جديدة وتؤدي إلى التنوع المذهل للحياة على الأرض.
تتميز الكائنات الحية عن بعضها البعض كأنواع عبر تاريخ تطورها نتيجة عدة أسباب، وأهم هذه الأسباب ما يُعرف بـ «عدم التوافق الهجين» وهي ظاهرة يعاني فيها نسل نوعين مختلفين ولكن قريبَين من بعضهما من مشاكل صحية أو انخفاض في القدرات الإنجابية. من الأمثلة المألوفة لعدم التوافق الهجين هو البغل، وهو النسل العقيم لذكر الحمار وأنثى الحصان.
لم يحدد العلماء بعد كيفية عمل عدم التوافق الهجين على المستوى الجيني، فهناك الكثير من الأسئلة والقليل من الإجابات.
مؤخرًا، اكتشف باحثون من جامعة ستانفورد مجموعة من الجينات في أسماك الذيل السيفي، المعروفة باسم جينات المركب الأول Complex I. تلعب هذه الجينات دورًا هامًا في اضطرابات النمو والموت المبكر للأسماك الهجينة التي نتجت عن تزاوج نوعَين مختلفين من أسماك الذيل السيفي. وتعزز النتائج النظرية القائلة بأن عدم التطابق الجيني سيظهر غالبًا عند الجينات سريعة التطور، خاصة في الحالات التي يجب أن تعمل فيها جينات متعددة بشكل متزامن للحفاظ على حياة الكائن الحي.
نُشرت الورقة التي تلخص هذا البحث في 10 يناير في مجلة Nature.
وقال بن موران، طالب الدكتوراه في مختبر مولي شومر، الأستاذ المساعد في علم الأحياء في كلية ستانفورد للعلوم الإنسانية والعلوم: «لقد حددنا مجموعات من الجينات التي لا تعمل معًا بشكل جيد عندما ترثها ذرية هجينة. إن دراسة هذا النظام النموذجي في أسماك الذيل السيفي يمكن أن تساعدنا في معرفة المزيد عن أشكال الأنواع الجديدة وإبقائها منفصلة».
وقال شومر: «كعلماء أحياء، نحن مهتمون حقًا بتنوع الحياة الذي نراه من حولنا، ونريد أن نفهم كيف يحدث هذا التنوع على المستوى الجيني. لكن من الصعب للغاية الحصول على بيانات تجريبية عن الجينات الفردية التي تسبب مشاكل عدم التوافق الهجين. ومع هذه الدراسة، أتيحت لنا الفرصة لفهم المجموعة الكاملة للجينات التي تؤثر على الكائن الحي».
الاجتماع معًا بعد الانفصال
يرتبط نوعَا الأسماك الموجودة في مركز البحث ارتباطًا وثيقًا، وهما كسيفوروس بيركماني Xiphophorus birchmanni (المعروف أيضًا باسم سمكة سيف رأس الغنم) وكسيفوروس مالينكي Xiphophorus malinche (أو سمكة سيف المرتفعات).
وبشكل متوافق مع أسمائهم الشائعة، يمتلك العديد من ذكور أسماك الذيل السيفي امتداد زخرفي مدبب لزعانف الذيل. ولكن تطورت سمكة كسيفوروس بيركماني وهي تفتقر إلى هذه الميزة. بالمقارنة مع أبناء عمومتهم كسيفوروس مالينكي فإنهم يمتلكون أيضًا أجسامًا أكبر وألوانًا مختلفة لأنماط الجسم، إضافة إلى اختلافات أخرى.
بما يتناسب مع اختلافات المظهر، تطور كلا النوعين من الأسماك أيضًا ليحتلا مناطق مختلفة في الأنهار التي يشتركان فيها في وسط المكسيك. تختار سمكة كسيفوروس مالينكي X. malinche منابع المياه المرتفعة وتفضل كسيفوروس بيركماني X. birchmanni مناطق المصب ذات الارتفاع المنخفض.
بدءًا من التسعينيات، بدأ الباحثون في توثيق نسخ مختلطة غير عادية من هذه الأسماك التي تعيش في الأنهار، مما يشير إلى التهجين، وهو ما تأكد منه العلماء لاحقًا من خلال الاختبارات الجينية. يعتقد العلماء أن الالتقاء الإنجابي المستمر لكسيفوروس مالينكي وكسيفوروس بيركماني هو في الواقع حالات خطأ في تحديد الهوية ويرجع ذلك في النهاية إلى الوجود البشري المتزايد في المنطقة. من المحتمل أن يكون جريان الملوثات من المزارع وغيرها من الصناعات في مياه النهر أدى إلى تشويش الإشارات الشمية والبصرية التي تعتمد عليها أنواع الأسماك المعنية عادة للتمييز بين بعضها البعض.
وقال شومر، الذي كان يسافر إلى منطقة هيدالجو بالمكسيك لمدة 10 سنوات للتحقيق في تجمعات الأسماك: «إن هذا الكسر للحواجز الإنجابية أمام تهجين أسماك الذيل السيفي بشكل طبيعي قدم لنا وسيلة فريدة لدراسة وراثة عدم التوافق الهجين».
في البحث عن الجينات المتضاربة
لتحديد الجينات المحتملة التي يبحث عنها العلماء، حدد موران وشومر وزملاؤه تسلسل جينومات أسماك الذيل السيفي لتحديد بصمات الحمض النووي المرتبطة بكل نوع. وأتاح لهم تسلسل الجينومات الوصول إلى الجينات الموجودة في ميتوكوندريا هذه الأسماك.
تحتوي الميتوكوندريا على الجينوم المميز الخاص بها، وهو بقايا عندما شكلت هذه الميكروبات التي كانت تعيش حرة ذات يوم تعايشًا مع الخلايا القديمة منذ أكثر من مليار سنة. ومقارنة بمعظم جينات الكائن الحي الموجودة في نواة الخلايا، فإن جينات الميتوكوندريا تخضع لتطور أسرع بكثير. يحدث هذا لعدة أسباب بما في ذلك استخدامهم لمسارات مختلفة لإصلاح الحمض النووي وافتقارهم إلى العمليات الجينية الأخرى مثل إعادة التركيب (خلط وتبادل المواد الوراثية لتشكيل مجموعات جينية جديدة).
اقترح بحث سابق أجراه شومر أن مجموعات جينات الميتوكوندريا والجينات النووية التي يجب أن تعمل معًا لأداء وظيفة حاسمة قد تكون مرشحة جيدة للتسبب في عدم التوافق الهجين في هذه الأسماك. وبناءً على ذلك، ركز الباحثون على الجينات التي ترمز للبروتينات التي تشكل المركب الأول، وهو إنزيم شديد التعقيد ضروري لإنتاج «الوقود» الخلوي في الميتوكوندريا.
وباتباع هذا الاتجاه، رأى فريق ستانفورد وزملاؤه أنه من المؤكد أن أسماك الذيل السيفي الهجينة مع مجموعات معينة من جينات المركب الأول تظهر عدم توافق هجين. عانت الأسماك المصابة من مشاكل نمو كبيرة، مثل تأخر النمو وعيوب القلب والأوعية الدموية، والتي غالبًا ما تؤدي إلى الوفاة قبل الولادة أو بعدها بفترة قصيرة.
وقال موران: «عندما دُمجت هذه الجينات من أبوين من نوعين مختلفين من هذه الأسماك، لم تُشفر بروتينات متوافقة لصنع المركب الأول، مما أدى إلى مركب لا يعمل بشكل جيد، وفشل الأطفال الهجينين في النمو».
وقال شومر: «إن عدم التوافق الهجين الذي نراه لبعض ذرية كسيفوروس مالينكي وكسيفوروس بيركماني مع هذه الجينات هو حالة تجريبية نادرة نعرف فيها الجينات التي تسبب المشكلة وكيف تتطور».
وبالنظر إلى المستقبل، يخطط الباحثون في جامعة ستانفورد للتعمق أكثر في التفاصيل الجوهرية لمركب البروتين المهجن. وقال موران: «من وجهة نظر البيولوجيا الجزيئية، هناك الكثير من الأسئلة المثيرة للاهتمام حول سبب عدم عمل هذا الجزيء الكبير [المركب الأول] والذي نأمل في اكتشافه».
وعلى نطاق أوسع، تضيف الدراسة أيضًا إلى مجموعة الأدلة المتراكمة على أن التهجين أكثر شيوعًا بين مجموعات الأنواع ذات الصلة الوثيقة مما كان يُعتقد. ومع ذلك، لا تزال العديد من جوانب التأثيرات التطورية وديناميكيات هذا التبادل الجيني غير مفهومة جيدًا.
وقال شومر: «إن فهم العلاقة بين العمليات التطورية وما يحدث في الأنواع الفعلية أمر مثير حقًا بالنسبة لي».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org