تمتلك المجموعات الحديثة من الغزلان البور أو ما يُعرف بالأيل الأسمر (وهو جنس من الأيائل يعرف أيضًا باسم أيل البور، ينتشر ويتوزع في أوروبا وروسيا وتركيا وإيران والقوقاز وأجزاء من بلاد الشام) تاريخًا ثقافيًا مخفيًا يعود تاريخه إلى الإمبراطورية الرومانية. ويجب بالطبع أن يؤخذ هذا التاريخ في الاعتبار عند اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارتها والحفاظ عليها.
كشف بحث جديد، يجمع بين تحليل الحمض النووي والأدلة الأثرية، كيف نقّل البشر الغزلان البور بشكل متكرر إلى مناطق جديدة، وكان ذلك غالبًا كرمز للقوة الاستعمارية أو بسبب الثقافات والأديان القديمة.
تظهر النتائج أنه أُدخلت هذه الحيوانات لأول مرة إلى بريطانيا عن طريق الرومان وليس النورمان، كما كان يعتقد سابقًا. وتكشف أيضًا كيف لعبت الروابط الاستعمارية البريطانية خلال القرنين السابع عشر والتاسع عشر دورًا رئيسيًا في نشر الغزلان حول العالم، بما في ذلك جزيرة باربودا الكاريبية، حيث تعتبر الغزلان البور حيوانها الوطني.
يقارن البحث، الذي أجرته جامعة دورهام وجامعة إكستر بشكل مشترك، سجلات الغزلان البور المعاصرة بعينات أثرية حيوانية يعود تاريخها إلى 10000 عام.
ونُشر العمل في دراستين جديدتين في وقت واحد. فقد نُشر مقال: التاريخ الثقافي الحيوي للغزلان البور الذي يبلغ 10000 عام وآثاره على سياسة الحفظ في مجلة The Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS)، في حين نُشر مقال: تتبع الحمض النووي القديم والحديث للديناميكيات السكانية الزمانية والمكانية في الغزلان البور الأوروبية منذ العصر الجليدي الإيمياني في مجلة Scientific Reports.
قال الدكتور كاريس بيكر، قسم العلوم البيولوجية بجامعة دورهام: «على مدى العشرة آلاف عام الماضية، تلاعب البشر بمجموعات الغزلان البور بطرق متفاوتة. فالغزلان البور الفارسية (داما بلاد ما بين النهرين) أصبحت مؤخرًا مهددة بالانقراض، في حين أن الغزلان البور الأوروبية (داما داما) منتشرة على مستوى العالم وتعتبر في الوقت نفسه برية ومستأنسة ومهددة بالانقراض وغازية، كما أنها الحيوان الوطني لبربودا وأنتيغوا. ولكن على الرغم من هذا الارتباط الوثيق مع البشر، لم يُعرف سوى القليل عن نطاقاتهم الطبيعية أو توقيت وظروف عمليات نقلهم بوساطة الإنسان».
تمكن الباحثون باستخدام عدة مئات من عينات الحمض النووي المستخرجة من عينات الغزلان الحديثة والأثرية حول العالم، بما في ذلك أقدم عينة حللها العلماء حتى الآن من المملكة المتحدة والتي يبلغ عمرها 130 ألف عام من إنشاء «شجرة» تاريخ تطورية لهذا الحيوان.
كشف التحليل عن مجموعتين متميزتين من الغزلان البور الأوروبية. نشأت الأولى في البلقان وامتدت عبر جنوب وغرب أوروبا خلال العصر الحديدي والإمبراطورية الرومانية، بما في ذلك إنجلترا، ولكنها موجودة اليوم فقط في بعض جيوب إسبانيا وإيطاليا والجزر اليونانية.
والثانية نشأت في الأناضول وبقيت معزولة نسبيًا حتى وصلت إلى بريطانيا عام 1000 ميلادي، ومن هناك انتشرت حول العالم. كانت المجموعة الثالثة، وهي الغزلان البور الفارسية منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء جنوب غرب آسيا ولكنها الآن مدرجة على أنها مهددة بالانقراض من قبل الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة.
وقال البروفيسور روس هولزل، من مجموعة علم البيئة الجزيئية، قسم العلوم البيولوجية بجامعة دورهام: «توفر هذه البيانات عددًا من المعلومات الرائعة. فمثلًا، تُظهر الحيوانات التي عاشت في جنوب أوروبا مؤشرات على أنهم كانوا مستقرون لفترات طويلة من الزمن مما يشير إلى انتقال مبكر جدًا من ملجأ جليدي محتمل في البلقان».
مكّن الجمع بين البيانات الوراثية والسجلات الأثرية والتاريخية الفريق من بناء صورة لكيفية نقل الغزلان البور من قبل البشر في أوقات مختلفة وفي سياقات ثقافية مختلفة. فمثلًا، كان ارتباط الحيوان القوي بالإلهة اليونانية الرومانية أرتميس وديانا هو الدافع وراء الكثير من تحركاته حول البحر الأبيض المتوسط خلال العصر البرونزي والعصر الحديدي والفترة الرومانية.
حدد الفريق أول دليل على وجود الغزلان البور خارج البحر الأبيض المتوسط في قصر روماني في فيشبورن، فيما يعرف الآن بغرب ساسكس، ووجدوا أدلة تشير إلى أن الحيوان بقي في البلاد لعدة مئات من السنين قبل أن ينقرض. بعد عدة قرون، أعيد إدخال الغزلان القادمة من الأناضول حوالي عام 1000 بعد الميلاد، قبل الغزو النورماندي مباشرة، إلى جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية.
أشارت مخطوطة الصيد الهولندية “Jacht-Bedryff” في القرن السابع عشر إلى هذه الممارسة، والتي تنص على أن موريس ناسو (فيما بعد أمير أورانج) حصل على 100 غزال بور من إنجلترا ووضعها في غابة لاهاي. تظهر السجلات التاريخية أيضًا تصدير عائلة كودرينجتون في جلوسيسترشاير الغزلان البور الأناضولية إلى جزيرة باربودا، حيث تغير وضعها الثقافي من رمز الهيمنة الاستعمارية إلى الحرية، بعد تحرير العبيد في عام 1834.
قالت نعومي سايكس، أستاذة علم الآثار في جامعة لورانس، ورئيسة قسم الآثار والتاريخ بجامعة إكستر: «تغير هذه النتائج الكثير مما كنا نعتقد أننا نعرفه عن أصول وانتشار الغزلان البور. فقد كانت تُعبد هذه الغزلان كآلهة يونانية رومانية. لقد خضعت الغزلان لعمليات نقل متكررة، وشكلت رموزًا للقوة الثقافية، وهي بذلك تكشف القيود المفروضة على التسميات التي اعتدنا إطلاقها عليها مثل «المحلية»، و«البرية»، و«المهددة بالانقراض»، و«الغازية».
يقول المؤلفون إن مثال باربودا، حيث لا تُمنح الغزلان أي حماية قانونية بسبب وضعها الغريب، على الرغم من كونها الحيوان الوطني له آثار على مبادئ الحفاظ على البيئة.
قالت سايكس: «إن سياسة الحفاظ على البيئة تعتمد دائمًا على الفهم المعاصر أو الحديث لحالة الحيوان، مثل كيف ومتى بدء العيش في هذه البيئة. ولكن في حين أن العديد من الأنواع تُصنف بشكل مشروع على أنها غازية، لا ينطبق ذلك على جميع المجموعات المنقولة، إذ يتشابك بعضها بشكل حاسم مع تاريخ البشرية ويقدمون تراثًا ثقافيًا قيمًا أو مصدرًا للحفظ».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org