اسأل عالم الأحياء لماذا لا تبيد الحيوانات المفترسة جميع فرائسها، غالبًا ما ستكون الإجابة أو جزء منها، هو أن هناك سباق تسلح مستمر بين الحيوانات المفترسة والفرائس، إذ يطور الطرفان باستمرار طرقًا جديدة لخداع بعضهما البعض.
هذه الفرضية سائدة بشكل خاص بالنسبة للخفافيش وفرائسها، الحشرات. منذ حوالي 50 مليون سنة، طورت الخفافيش الأولى القدرة على تحديد الموقع بالصدى وبالتالي الصيد في الظلام، واستجابة لذلك، طورت بعض الحشرات آذانًا حساسة للموجات فوق الصوتية حتى تتمكن من سماع الخفافيش والهروب منها.
ولكن إذا كان هناك سباق تسلح مستمر، فيجب أن تستجيب الخفافيش لذلك، كما يقول عالم الأحياء بجامعة جنوب الدنمارك، والأستاذ المشارك وخبير الخفافيش لاسي جاكوبسن، المؤلف المشارك لدراسة جديدة نُشرت في مجلة Current Biology. وفي هذه الدراسة، شكك هو وزملاؤه في سباق التسلح التطوري بين الخفافيش والحشرات.
الحجة الرئيسية التي تدعم فرضية سباق التسلح هذه، هي أن بعض الخفافيش لا تنادي بصوت عالٍ مثل غيرها عند الصيد، وبالتالي لا يمكن للحشرات سماعها بسهولة. إنها خفافيش بارباستيلا بارباستيلوس (Barbastella barbastellus)، وهي تصدر أصواتًا أكثر هدوءًا بحوالي 20 ديسيبل من الخفافيش الأخرى التي تصطاد الحشرات الطائرة، مما يعني أن ضغط الصوت الذي تصدره أقل بـ 10 مرات.
يقول جاكوبسن: «يُسلط الضوء بشكل تقليدي على خفاش البارباستيلا على أنه الخفاش الذي هاجم الحشرات».
لكن شيئًا ما حيَّره هو وزملاؤه: «إذا نظرت إلى أقرباء البارباستيلا، فستجد أنهم لا يصطادون الحشرات في الهواء. وبدلًا من ذلك، يفترسون الحشرات التي تجلس على الأسطح مثل أوراق الشجر والفروع، وهذه الأنواع كلها أهدأ (تصدر أصواتًا أقل حدة) من الأنواع التي تصطاد الحشرات الطائرة».
في دوائر أبحاث الخفافيش، تسمى الخفافيش التي تصطاد الحشرات في الهواء خفافيش الصقور، بينما تسمى الخفافيش التي تلتقط الحشرات من السطح، إذا جاز التعبير، خفافيش الالتقاط. البارباستيلا هو خفاش صقر. يقول جاكوبسن: «إذا كانت معظم عائلة البارباستيلا تنتنمي إلى خفافيش الالتقاط، فمن المحتمل جدًا أن يكون أسلافهم أيضًا من صنف خفافيش الالتقاط».
وبناءً على ذلك، فمن غير المرجح أن يكون سلف البارباستيلا خفاش صقور صاخب تطور إلى البارباستيلا الملتقط استجابة لقدرة الحشرات على سماعه.
يوضح جاكوبسن: «لا يتمتع أي نوع بحرية الاختيار عندما يتطور في اتجاه جديد. فمثلًا، من الشروط بالنسبة للثدييات ألا يكون لدى أسلافها ريش، لذلك لن يتطور أحفادهم أبدًا بجناح مع ريش. وبدلاً من ذلك، وجدوا حلًا آخر يسمح لهم بالطيران عبر تعديل الجلد بين الأصابع».
لكن إذا لم تتطور قدرة خفاش البارباستيلا على أن يكون أهدأ عند الصيد في الهواء، كجزء من سباق التسلح بين الحشرات والخفافيش؛ فمن أين أتت؟
يضيف جاكوبسن: «إنها ليست قدرة متطورة. إنها فقط لا تستطيع إصدار أصوات أعلى مما تفعل، لأنها كفرد من سلالة خفافيش الالتقاط لا بد أنها تملك قدرة محدودة. لكنها وجدت مكانًا مناسبًا، حيث يمكنها استخدام أصواتها ذات السعة المنخفضة. يا لها من مصادفة تطورية؛ لقد حدث الأمر وكأنها سقطت ولكن في المكان المناسب، حيث كان هناك شيء لتتغذى عليه».
يسكن هذا المكان حشرات ليلية طائرة يمكنها تمييز الأصوات التي تطلقها الخفافيش، وبالتالي فهي جيدة في تجنب الخفافيش الليلية. لكنهم لا يستطيعون السمع جيدًا بما يكفي للانتباه للبارباستيلا، لذلك ينتهي بهم الأمر كفريسة لهم.
يجب العثور على السبب الذي أدى إلى عدم قدرة الخفافيش على إصدار أصواتها. معظم الخفافيش تنادي من أفواهها، وهذا يسمح لها بإصدار أصوات عالية. من ناحية أخرى، يصدر العديد من خفافيش الالتقاط صوتًا من أنوفهم، مما يجعل الأصوات التي يصدرونها أقل بمقدار 20 ديسيبل.
يقول جاكوبسن: «لذا، فإن السبب وراء هدوء الخفافيش اليوم ليس تعبيرًا عن سباق التسلح بين الخفافيش والحشرات، بل هو ببساطة تعبير عن حقيقة أنها تنحدر من الخفافيش التي لا تستطيع النداء بصوت عالٍ مثل الآخرين».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org