مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تستفيد الأشجار في المناطق الباردة من موسم النمو الممتد. ينتج عن موسم النمو الأطول حلقات نمو أكثر سمكًا، ونتيجة لذلك، إنتاج إجمالي أعلى من الأخشاب.
ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن مواسم النمو الأطول تجعل الخشب أضعف، مما يجعل الأشجار ضعيفة البنية. وتؤدي جودة الخشب الرديئة إلى تكسّر جذوع الأشجار بسهولة أكبر.
يتخصص علماء بيئة الغابات في تشريح ونمو الخشب. ويتابعون أحدث الدراسات العلمية المتاحة لمحاولة رسم خريطة لمستقبل الغابات وتحليل كيفية تأثير موسم النمو المتغير لخصائص الخشب الناتج.
الخشب: ما هو؟
الخشب هو نتاج التراكم التدريجي للخلايا (خلايا النسيج الخشبي) في الأشجار. والغرض من هذا التراكم هو تجديد نظام نقل النسغ وتوفير الدعم الميكانيكي للساق (الجذع) والفروع والأوراق.
حلقة الشجرة هي نتاج موسم نمو يمتد، في البيئات المعتدلة والشمالية، من الربيع إلى الخريف. كل عام تتشكل حلقة نمو جديدة. يعتمد سمك الحلقة على مجموعة من العوامل المتأصلة في الشجرة (نوعها والعوامل الوراثية) والعوامل البيئية (مثل نوع التربة والتعرض للشمس والمناخ والمنافسة بين الأشجار المجاورة).
في بعض الأنواع، وخاصة في الصنوبريات، من السهل جدًا تمييز الحلقات عن بعضها البعض. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن الشجرة تنتج نوعين من الخشب خلال موسم النمو، يتميزان بخلايا ذات أشكال ووظائف مختلفة.
في الربيع، تنتج الشجرة العديد من الخلايا الكبيرة ذات الألوان الفاتحة بجدار خلوي رقيق. يُطلق على هذا الجزء من الحلقة السنوية اسم «الخشب الجديد Earlywood». في أواخر الصيف، يتباطأ النمو وتصبح الخلايا أصغر، لكن جدرانها أكثر سمكًا. هذا «الخشب المتأخر latewood» هو الجزء الأكثر قتامة من الحلقة السنوية.
تعتبر خصائص الخلايا الخشبية ذات أهمية خاصة وكبيرة من الناحية البيئية والاقتصادية. في البداية تخزن جدران الخلايا الخشبية معظم الكربون الذي تمتصه الأشجار من الغلاف الجوي. وبالتالي، فإن جدار الخلية السميك يعني أن الشجرة تمتص كمية أكبر من الكربون. ثانيًا، تحدد نسبة عدد الخلايا الجديدة للخشب إلى خلايا الخشب العلوي (الأقدم) كثافة الخشب، وبالتالي استخدامه المحتمل وقيمته المادية.
تنمو الأشجار بشكل أسرع
على مدار القرن الماضي، في المناطق المعتدلة من أمريكا الشمالية وأوروبا، أظهرت الأشجار معدل نمو أسرع، بنسبة تصل إلى 77% أعلى مما كانت عليه في القرن السابق. ترتبط هذه الزيادة بإنتاج حلقات نمو أكثر سمكًا.
للوهلة الأولى، يمكن تفسير النمو الأسرع على أنه إنتاج أعلى للكتلة الحيوية، مما قد يؤدي إلى زيادة سعة تخزين الكربون، وبالتالي مساهمة أكبر لغاباتنا في مكافحة تغير المناخ. بعبارة أخرى، قد يعني معدل النمو الأعلى توفر المزيد من الأخشاب لتلبية احتياجاتنا المختلفة.
ولكن كما كتب ويليام شكسبير: «غالبًا ما تفشل التوقعات، وفي أغلب الأحيان عندما تعد بالخير».
تموت الأشجار في سن أصغر
حللت دراسة أجرتها جامعة ميونيخ التقنية في ألمانيا معدل نمو الأشجار وخصائص خشبها خلال القرن الماضي. ووجدوا أنه مع زيادة معدل النمو، انخفضت كثافة الخشب بنسبة 8 إلى 12%.
علاوة على ذلك، مع انخفاض كثافة الخشب، انخفض محتوى الكربون أيضًا بنحو 50%. يشير هذا إلى أن الأشجار تستخرج كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون (CO2) من الغلاف الجوي.
بالإضافة إلى القدرة المنخفضة على امتصاص وتخزين الكربون في الغلاف الجوي، قد يُضعِف انخفاض كثافة الخشب القوة الهيكلية لجذع الشجرة. يؤدي الخشب الوظيفة المهمة المتمثلة في دعم الأشجار. وبالتالي فإن تقليل كثافته يكون مصحوبًا بمقاومة أقل للضغوط الميكانيكية التي قد تأتي من الرياح أو تأثير الجاذبية على المنحدرات الشديدة.
ولتعقيد الأمور أكثر، أظهرت دراسة حديثة أخرى وجود ارتباط بين النمو والعمر في الأشجار: فالأشجار سريعة النمو لها متوسط عمر متوقع أقصر.
الكثير غير كافٍ
في دراستنا الأخيرة، حددنا العلاقات بين طول موسم النمو والإنتاجية وخصائص الخلايا الخشبية في أشجار التنوب البلسمي.
أكدت الدراسة أن الأشجار ذات موسم النمو الأطول تنتج المزيد من الخلايا الخشبية وحلقة نمو أكثر سمكًا. ومع ذلك، فإن النمو الأعلى يتوافق أيضًا مع تغير في النسبة بين كمية الخشب الجديد والخشب المتأخر. في كل يوم يزداد فيه طول موسم النمو، نتنج الأشجار خلية أخرى من الخشب الجديد.
تنعكس الزيادة في النسبة بين الخشب الجديد والخشب المتأخر في انخفاض كثافة الخشب. هذا يدل على أن الزيادة في نمو الحجم لا تتوافق بالضرورة مع إنتاج أعلى للكتلة الحيوية.
ماذا يخبئ المستقبل لغاباتنا؟
تجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية متوسط ما قبل العصر الصناعي بنحو 1.15 درجة مئوية (1850-1900)، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر في السنوات القادمة. يمكن أن تؤدي درجات الحرارة الأكثر دفئًا إلى إطالة موسم نمو الأشجار وبالتالي زيادة معدل نموها.
ومن ناحية أخرى، قد يؤدي هذا إلى توسع الغابات على مستوى العالم، وانخفاض معدل امتصاص الغابات للكربون.
على الرغم من أن غاباتنا ستقدم مساهمة كبيرة في مكافحة تغير المناخ، فإن نتائج هذه الدراسات هي دليل إضافي على أن المشاكل البيئية لا يمكن حلها من دون اتخاذ إجراءات مباشرة بشأن الأسباب التي تؤدي إلى حدوث تغير عالمي.
في سياق تغير المناخ، فإن الحد من الانبعاثات بشرية المنشأ التي تسبب الاحتباس الحراري ليس شيئًا يمكننا التفاوض فيه أو تأجيله.
نُشرت المقالة في مجلة The Conversation
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org