تختلف حيوانات أستراليا اختلافًا جذريًا عن آسيا. ويمكننا القول بأن أستراليا مليئة بكائنات غريبة ومدهشة لا توجد بمكان آخر على سطح هذا الكوكب، كخلد الماء والكوالا.
لكن قد تتفاجؤون بمعرفة أن العديد من كائنات أستراليا الشهيرة قد أتت قدومًا من آسيا ووصلت منذ فترة قصيرة فقط (على الأقل من الناحية الجيولوجية).
تتضمن هذه الأعضاء الحديثة في الوحيش الأسترالي العديد من السحالي كالغوانا والشيطان الشائك وحيوانات أخرى كالفئران القافزة والثعالب الطائرة والمازور. لكن طريق الهجرة كان وحيد الاتجاه (أي نحو أستراليا). ثمة عدد قليل جدا من الحيوانات الأسترالية ضمن الوحيش الآسيوي مقارنة بالعكس.
لماذا انعدام التناظر هذا؟
في دراسة نُشرت في مجلة Science، وبغرض اكتشاف الجواب، حللت وزملائي معلومات حول توزع وموطن 20,433 نوع من الفقاريات القاطنة على اليابسة، بالإضافة للمناخ والصفيحات التكتونية على امتداد الثلاثين عامًا الماضية.
قارات آخذة بالانجراف على كوكب آخذ بالبرودة
تبدأ القصة منذ أكثر من 200 مليون سنة.
كانت الديناصورات وقتئذٍ مجموعة جديدة نسبيًا تجوب الأرض، وكانت أستراليا جزءًا من قارة عظمى تدعى غندوانا. تضمنت كتلة اليابسة المهولة هذه أنتاركتيكا الحديثة وجنوب أمريكا وأفريقيا وأستراليا والهند.
وكانت غندوانا قد انفصلت لتوها عن قارة عظمى أخرى وهي لوراسيا التي كانت تضم أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا. أدى انفصال غندوانا عن لوراسيا عن انقطاع آخر اتصال بري بين أستراليا وآسيا.
غندوانا نفسها بدأت بدورها بالتجزؤ بعد وقت قصير من انفصالها عن لوراسيا. انعزلت تدريجيًا كل قطعة من غندوانا وبدأت رحلتها المستقلة. والعديد منها وجدت طريقها رجوعًا إلى لوراسيا.
التحمت الهند مع أوراسيا وشكلت جبال الهملايا المهولة، واصطدمت أمريكا الجنوبية بأمريكا الشمالية مشكلةً جسر بنما الأفعواني، وضربت إفريقيا بقارة أوراسيا وكانت النتيجة تشكل البحر الأبيض المتوسط، وأما أستراليا فقد بدأت بمسار اصطدامي مع قارة آسيا.
قطعت أستراليا حبالها الأخيرة مع غندوانا منذ قرابة 45-35 مليون سنة خلت عند انفصالها عن أنتاركتيكا.
آنذاك كانت أستراليا أقرب للجنوب مما هي عليه الآن. ومع انجرافها شمالًا، قامت المسافة الآخذة بالازدياد بين أستراليا وأنتارتيكا بابتداء التيار القطبي للقطب الجنوبي الذي عمل على تبريد الكوكب بشكل كبير.
عُزلت أستراليا وبدأت درجة حرارتها بالانخفاض وراحت طبيعتها تتجه نحو الجفاف، مع بدء تطور مجموعة فريدة من الحيوانات والنباتات.
مرتكزات عالمية
بدأت الصفيحات التكتونية اليوراسية والأسترالية بالاصطدام مشكلةً آلاف الجزر في الأرخبيل الإندونيسي من ضمنها جزر لوموك، سولاويزي، تيمور، ليسر.
هذه الجزر لا تنتمي للرف القاري الأسترالي (المعروف أيضًا بالساحول) الذي يتضمن أستراليا وغينيا الجديدة، ولا للرف القاري الآسيوي (المعروف باسم السوندا) الذي يتضمن تايلندا وماليزيا وسنغافورة وسومطرة وجافا وبورنيو وبالي.
تعرف هذه المنطقة الوسطية باسم والاسيا تيمنًا بالعالم البريطاني المتخصص بالطبيعيات، ألفريد روسل والاس من القرن التاسع عشر.
باتت الجزر نقاط ارتكاز بين القارتين التي لم تلتقِ مجموعاتها الحيوانية منذ فترة طويلة للغاية. لكن كما يظهر بحثنا، فقد كانت أنواع معينة فقط من الحيوانات قادرة على عبور هذا الجسر وتأسيس حياة على الطرف الآخر.
رطوبة وجفاف
العامل الأول المحدد للحيوانات القادرة على التنقل بين القارتين كان قدرتها على اجتياز المحيط.
ومن بين كافة مجموعات الحيوانات التي تنقلت بين آسيا وأستراليا، وجدنا أن الغالبية العظمى كانت من الطيور.
لكن هذا العامل لم يكن الوحيد للنجاح.
احتاجت الحيوانات أن تكون قادرة على البقاء في موطنها الجديد حيث كانت البيئة مختلفة عما ألفته. وجدنا أن الحيوانات القادرة على تحمل طيف واسع من البيئات الجافة والرطبة كانت الأقدر على النجاح بخطوة الانتقال.
وهذا أمر منطقي، فبيئة سوندا رطبة والساحول جاف، وإن كان الحيوان قادرًا على تحمل طيف الرطوبة-الجفاف هذا، فهو أكفأ للتنقل بين هاتين المنطقتين.
لكن ثمة سؤال مهم. لماذا انتقلت الحيوانات من سوندا إلى الساحول وليس العكس؟
يمكن للكثير أن يحدث خلال30 مليون سنة. تكمن قطعة الأحجية الأخيرة بكيفية تغير هذه العوامل المهمة -القدرة على الانتشار وتأسيس حياة في بيئة جديدة- بمرور الزمن.
نعلم أن سوندا كانت مكسوة بالغابات الاستوائية المطيرة قبل انفصال أستراليا عن أنتاركتيكا. لاحقًا ومع بدء ظهور الجزر الارتكازية، كان المناخ فيها مشابها للمناخ الرطب الاستوائي الذي تفضله الغابات الاستوائية وحيوانات سوندا.
بيد أن هذه الغابات كانت في حالة انحدار في أستراليا وأخذت تُستبدل بأراضي عشبية وشجرية في معظم المناطق. وهذا يعني أنه مع هجرة الحيوانات من سوندا عبر الجزر باتجاه غينيا الجديدة والأجزاء الشمالية من أستراليا في الساحول، فقد اختبرت مناخًا رطبًا استوائيًا مشابهًا لمناخ سوندا.
لكن معظم الحيوانات في الساحول قد تطورت على بر أستراليا الرئيسي الذي كان جافًا بمعظمه. ولهذا فإن الانتقال من أستراليا عبر غينيا الجديدة مرورًا بالجزر الارتكازية للوصل لسوندا قد تطلب تكيفات مع بيئة مختلفة بالكامل.
والحيوانات الأسترالية التي تمكنت من الوصول للجزر لابد أنها واجهت منافسة من حيوانات سوندا الموجودة أصلًا في بيئتها الاستوائية المفضلة.
إجابات موغلة في القِدم
المناخ والجغرافيا من أهم العوامل التي تؤثر على هيكلية تطور وتوزع مختلف الأنواع. وإن أخذنا نظرة عميقة للماضي سنفهم العالم المحيط بنا.
أسئلة بسيطة مثل «لماذا توجد فئران قافزة في أستراليا ولا توجد كناغر في آسيا؟» لها إجابات عمرها مئات الملايين من السنين.
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: phys.org