اكتشاف العمليات المجهولة وراء التاريخ التطوري للسحالي الخضراء في البحر الأبيض المتوسط

لم يُدرس الفرع الحيوي التطوري والتنوع البيولوجي للسحالي الخضراء من جنسي لاسيرتا وتيمون – الزواحف الشائعة في حوض البحر الأبيض المتوسط والمناطق المحيطة بالقارة الأوروبية وشمال إفريقيا وآسيا – بشكل مفصل من منظور الجغرافيا الحيوية التاريخية. تقدم الآن ورقة بحثية نُشرت في مجلة Biogeography سيناريو جديد لتفسير العمليات التطورية المحتملة التي عملت على إحداث التنوع البيولوجي للأنواع في هذه المجموعة في النظم الإيكولوجية للبحر الأبيض المتوسط.

يقود الدراسة الباحث أنتيغوني كاليونتزوبولو من كلية الأحياء ومعهد أبحاث التنوع البيولوجي (IRBio) بجامعة برشلونة. تشارك أيضًا فرق من المتحف الوطني للعلوم الطبيعية (MNCN-CSIC) وجامعة فيغو وجامعة بورتو (البرتغال) إلى جانب معاهد أخرى.

التاريخ الخفي لتطور السحالي الخضراء

مجموعات السحالي الخضراء في يومنا هذا تهددها العديد من العوامل: تدمير وتفتيت موائلها الطبيعية؛ اختفاء الممارسات الزراعية التقليدية؛ استخدام مبيدات الآفات. الزيادة في أعداد القطط في المناطق المستأنسة؛ تغير المناخ، بالإضافة إلى حوادث السير المميتة على الطرق. ومع ذلك، على الرغم من وجود مؤشرات على أن أعداد بعض الجمهرات آخذة بالانخفاض، إلا أن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) لم يدرج بعدْ هذه الزواحف على أنها أنواع مهددة بالانقراض.

وفقًا للدراسات السابقة، جاء تطور مجموعة السحالي الخضراء نتيجة لمزيج من التطور والمحافظة على المثاوي البيئية «لكن الدور النسبي للتاريخ الجيولوجي والديناميكيات المتخصصة لم تُختبر بعد» وفقًا لأنتيغوني كاليونتزوبولو، عضو في قسم البيولوجيا التطورية وعلم البيئة والعلوم البيئية في جامعة بافالو.

تجمع الدراسة الجديدة بين أحدث الأدوات التحليلية لدراسة تطور الأنماط الظاهرية والتاريخ الجغرافي البيولوجي لتطور نسالة السحلية الخضراء، واستنتاج مساهمتها النسبية في تنوع الأنواع. يربط الفريق بين النماذج البيوجغرافية ذات الدقة الزمنية العالية، والتي تدمج لأول مرة بيانات شاملة عن التغييرات في تكوين النظام البيئي الأرضي والاتصال في البحر الأبيض المتوسط لتقييم أهمية التشتت والتغير في تحديد ديناميكيات النطاق التاريخي.

على وجه التحديد، طبّق الفريق تقنية نمذجة النمط الظاهري للسلالات لتحديد التغيرات في المعدل التطوري للتنوع المورفولوجي والمثاوي البيئية المسكونة. دُمجت هذه المعلومات لاحقًا مع سلسلة من تحليلات التنويع المعتمد على السمات لتحديد كيفية تشكيل تنوع مجموعة النسب.

ويضيف كاليونتزوبولو: «تركز هذه الاستدلالات عادةً على جانب واحد من التنويع: إما تكوّن الفرع الحيوي cladogenesis، أو الديناميكيات الجغرافية، أو خصائص المثاوي البيئية، أو تطور السمات الظاهرية. إن دراستنا مبتكرة في الجمع بين الأدلة التي سمحت لنا بمقارنة الفرضيات حول العمليات التطورية المحتملة المختلفة التي قد تعمل بشكل منفصل أو مجتمعة كي تصيغ تنوع الأنواع في منطقة البحر الأبيض المتوسط».

تقدم الدراسة دليلاً على أنه عند أخذ كل التنوع الموجود بعين الاعتبار، فإن التاريخ الجغرافي الحيوي لهذه المجموعة الرمزية من سحالي البحر الأبيض المتوسط هو نتيجة لمزيج من توسعات النطاق المرتبطة بأحداث التشتت –المعتمدة ربما على المسافة الجغرافية- والتطور السريع لخصائص المثوى الببئي ضمن نوع حيوي معين.

يقول كاليونتزوبولو: «بشكل عام، تنوعت المجموعة بتواتر ثابت نسبيًا، دون تغيرات في معدلات تنويع النسب المرتبطة بالأحداث المناخية الكبرى في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ودون ارتباط واضح بالتنوع الوظيفي المورفولوجي أو المناخي. بدلاً من ذلك، عزز استعمار المناطق التي كانت فارغة سابقًا من تنويع السلالات الجديدة من خلال عزلها عن أقاربها وتم تسهيلها، في بعض المجموعات، عبر زيادة تحمل درجات الحرارة المنخفضة».

نمط متكرر في النظم الإيكولوجية للبحر الأبيض المتوسط

تشير جميع الدلائل إلى أن التاريخ التطوري للسحالي الخضراء قد هيمنت عليه الحلقات البيوجغرافية للتشتت لمسافات طويلة في مناطق فارغة سابقًا، تم تعديلها بواسطة عملية التشعب المتباين الموطن. هذه العمليات مصحوبة أيضًا بآلية المحافظة البيئية المتخصصة، والتي تتقطع أحيانًا بأحداث التطور المحلي وتكييف المنافذ المناخية، لكن بدون علامات على الارتباط بالتطور المورفولوجي.

يقول كاليونتزوبولو: «تقدم دراستنا دليلًا على الدور المشترك للمحافظة المتخصصة ذات النطاق الأعلى والتطور المتخصص السريع الذي يكمن وراء التاريخ التطوري لهذه السحلية حول البحر الأبيض المتوسط».

يبدو أن هذا تم تأسيسه كنمط متكرر في النظم الإيكولوجية للبحر الأبيض المتوسط، مع تراكم العديد من الأمثلة لدعم الفكرة القائلة بأنه رغم كون المحافظة المتخصصة آلية مشتركة تفضل التنوع، فإن الانتقال بعيدًا عن النقاط الساخنة مرتبط بأحداث التطور المتخصص المتسارع. علاوة على ذلك، لا يظهر التنويع في علم التشكل الوظيفي كعنصر رئيسي في عملية تنويع السحالي الخضراء».

يتناقض هذا مع المناطق الجغرافية الحيوية الأخرى – ربما مع ظروف مناخية أكثر استقرارًا كالمناطق المدارية – حيث يعد التقسيم الهيكلي المتخصص عملية مهمة لتشعب النسل.

«في النظم الإيكولوجية للبحر الأبيض المتوسط، يبدو أن تنوع النسل تقوده أحداث جيولوجية والتشعب متباين الموطن إبان استعمار بيئات جديدة. وفي مثل هذه البيئات، يبدو أن التشعب المورفولوجي يحدث في أوقات أكثر حداثة وضمن مجموعات متشعبة بالفعل، وربما كاستجابة لأحداث أو عمليات بيئية كالانتقاء الجنسي، والتي لم نحقق فيها في دراستنا» يخلص الباحث.

ترجمة: حاتم زيداني

المصدر: sciencedaily

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *