من المحتمل أن يكون مصدر الأكسجين هذا قد سبق عملية التمثيل الضوئي.
أدت الزلازل القوية التي هزت الأرض منذ حوالي 3.8 مليار سنة إلى حدوث انفتاحات في قشرة الكوكب وسمحت للتفاعلات الكيميائية بالظهور من تحت أعماق الصخور المكسورة. توصلت دراسة جديدة إلى أن هذه التفاعلات، التي يغذيها النشاط الزلزالي والمياه ودرجات الحرارة القريبة من الغليان قد تكون هي التي وفرت الأكسجين لبعض أشكال الحياة المبكرة في العالم.
قد يكون مركب بيروكسيد الهيدروجين (H2O2) هو الشكل الذي كان عليه الأكسجين وقتها، والذي يحتوي على ذرتين من الهيدروجين واثنين من ذرات الأكسجين مرتبطة ببعضها البعض، وفقًا للدراسة التي نُشرت في 8 أغسطس في مجلة Nature Communication. وفقًا لجون تيلنج، كبير مؤلفي الدراسة، وأحد كبار المحاضرين في الجيوكيمياء وعلم الأحياء الدقيقة في جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة، قد يكون بيروكسيد الهيدروجين، المعروف بأنه مطهّر حاليًا، سامًا للكائنات الحية بالطبع، لكنه ما يزال مصدرًا مفيدًا للأكسجين بمجرد تفكيكه بواسطة الإنزيمات أو التفاعلات التي تحدث تحت درجة حرارة عالية.
حاليًا، اكتشف تيلنج وزملاؤه طريقة قد تكون هي التي شكلت كميات كبيرة من بيروكسيد الهيدروجين على الأرض في وقت مبكر، وبالتالي كانت بمثابة مصدر محتمل للأكسجين لبعض الكائنات الحية الأولى على كوكب الأرض. ووجد الباحثون أن هذه التفاعلات تحدث بكفاءة أكبر في درجات الحرارة القريبة من نقطة غليان الماء، وهي 212 درجة فهرنهايت، أو 100 درجة مئوية، لكنها لا تزال تنتج القليل من H2O2 عند درجات حرارة أقل من 176 فهرنهايت (80 درجة مئوية).
وتجدر الإشارة إلى أن درجات الحرارة هذه تتداخل مع نطاق درجات الحرارة التي تزدهر فيها وتفضلها البكتيريا والعتائق المحبة للحرارة المعتدلة والمرتفعة. يُعتقد أن السلف المشترك لجميع أشكال الحياة على الأرض تطور أيضًا ليعيش في بيئات شديدة الحرارة، وبالتالي من الناحية النظرية قد تكون أسلاف الكائنات الحية الغامضة تأثرت بوجود بيروكسيد الهيدروجين في أعماق قشرة الكوكب.
والأهم من ذلك، بما أن بيروكسيد الهيدروجين يمكن أن يخرب الدهون والبروتينات والحمض النووي للخلايا، فإن الكائنات الحية المبكرة كانت بحاجة إلى استراتيجيات «لإزالة السموم» من المركب إذا كان موجودًا في بيئتها، بحسب لين روتشيلد، كبيرة الباحثين في مركز أميس للأبحاث التابع لناسا في كاليفورنيا، والتي لم تشارك في الدراسة الجديدة. يعتبر بيروكسيد الهيدروجين أيضًا منتجًا ثانويًا طبيعيًا لعملية التمثيل الضوئي؛ لذلك من أجل تطوير القدرة على التمثيل الضوئي، من المحتمل أن تكون الكائنات الحية بحاجة إلى طريقة للتعامل مع H2O2 أولاً.
قالت روتشيلد لـ Live Science: «كان لابد من وجود مصادر لأنواع الأكسجين التفاعلية، بما في ذلك بيروكسيد الهيدروجين على الأرض في وقت مبكر قبل ظهور عملية التمثيل الضوئي المولدة للأكسجين».
عميقًا داخل القشرة
اقترحت الدراسات السابقة، بما في ذلك العمل الذي قاده مختبر روتشيلد، أن المعادن التي يعتقد أنها موجودة في قشرة الأرض المبكرة قد تكون مصدرًا محتملاً لبيروكسيد الهيدروجين، وبالتالي، مصدرًا محتملًا للأكسجين.
تضمنت بعض هذه التجارب تكسير الصخور في ظل ظروف محددة ثم تعريض تلك الصخور المكسرة للماء. تحاكي هذه السلسلة من الأحداث، على نطاق صغير، الصخور التي تحملت ضغطًا فيزيائيًا كبيرًا في المناطق النشطة تكتونيًا من قشرة الأرض المبكرة، حيث تشققت القشرة وانفتح الماء ثم تسرب إلى الداخل. قال تيلنج إنه عندما كان عمر الأرض أقل من مليار سنة، لم يكن لدى الكوكب بعد ألواح كبيرة من القشرة التي تنزلق فوق غلافه، إذ تتحرك الصفائح التكتونية في جميع أنحاء العالم اليوم. ومع ذلك، في ذلك الوقت، كانت القشرة لا تزال تلتوي وتتشقق في مناطق معينة بسبب النشاط البركاني والتفاعلات بين أجزاء أصغر بكثير من القشرة.
على الرغم من أن التجارب السابقة أظهرت أن هذا النشاط التكتوني المبكر يمكن أن ينتج غاز الهيدروجين (أحد مكونات بيروكسيد الهيدروجين) وبيروكسيد الهيدروجين كامل التكوين، لكن أنتجت هذه الدراسات كميات صغيرة فقط من هذه المركبات. في دراستهم الجديدة، أجرى تيلنج وزملاؤه تجارب مماثلة، لكنهم عرّضوا الصخور المكسرة إلى نطاق أوسع من درجات الحرارة ولفترات زمنية أطول تصل إلى أسبوع. بناءً على الدراسات السابقة، اشتبهوا في أن هذا النهج قد يزيد من كمية بيروكسيد الهيدروجين المنتجة.
في تجارب تكسير الصخور، استخدم الفريق الجرانيت، وهو صخر موجود في القشرة القارية، والبازلت والبريدوتيت، والذي يُعتقد أنه كان وفيرًا في القشرة المحيطية للأرض المبكرة. حولوا هذه الصخور إلى مسحوق ناعم ووضعوها في حاويات خالية من الأكسجين، ونقلوا الصخور المكسرة بعناية إلى زجاجات محكمة الإغلاق، وأضافوا الماء ثم رفعوا درجة الحرارة.
عندما وصلت مساحيق الصخور إلى درجات حرارة قريبة من الغليان، أصبحت «العيوب» داخل المعادن المكونة لها أقل استقرارًا وأكثر عرضة للتفاعل مع الماء. تضمنت هذه العيوب على وجه التحديد «روابط البيروكسي»، أو الأماكن التي ترتبط فيها ذرتان من الأكسجين معًا داخل التركيب البلوري للمعادن، إذ يرتبط الأكسجين عادةً بعنصر السيليكون فقط. يمكن إدخال مثل هذه العيوب في البلورة إذا تمت إضافة الماء عن غير قصد إلى هيكلها أثناء تشكلها، على حد قول تيلنج.
وأوضح أنه «عندما نضع هذه الصخور التي تحتوي على هذه الروابط البيروكسية تحت الضغط، فإن هذه العيوب يمكن أن تتفكك نوعًا ما. وقد تنتقل من خلال التركيب البلوري إلى الأسطح حيث يمكنهم بعد ذلك البدء في التفاعل مع الماء»، وينتج عن هذا التفاعل في النهاية بيروكسيد الهيدروجين.
بحسب تيلنج، تشير هذه النتائج إلى أنه، على الأقل في مناطق الأرض المبكرة التي هزتها الزلازل وخُبزت في درجات حرارة عالية، ربما كان بيروكسيد الهيدروجين سمة مشتركة للبيئة. ومع ذلك، لا يمكن للتجارب الوصول إلى المعدل أو المقياس الدقيق الذي حدثت به تفاعلات إنتاج H2O2.
قالت روتشيلد، التي تدرس كيف نشأت الحياة وتطورت على الأرض في وقت مبكر، «سيكون من المثير للاهتمام أن نرى مدى انتشار هذه الظاهرة» وكيف أثر بيروكسيد الهيدروجين على تطور الكائنات الحية المبكرة، على نطاق عالمي. ومع ذلك، لم يكن من الضروري أن يكون H2O2 موجودًا في جميع البيئات على الأرض في وقت مبكر للتأثير على تطور الحياة على الكوكب. إذا كنت ميكروبًا صغيرًا يقيس مجرد ميكرونات، فأنت تتأثر فقط بالمواد الكيميائية الموجودة في محيطك المباشر.
قالت روتشيلد: «بصراحة، إنه أمر جيد بما يكفي إذا كان لديك أنواع الأكسجين التفاعلية في منطقتك». وقالت إن هذا التعرض المبكر لـ H2O2 البيئي ربما وفر «تدريبًا» أساسيًا للكائنات الحية التي تطورت إلى البكتيريا الزرقاء، وهي الطحالب الخضراء المزرقة المسؤولة عن ضخ الغلاف الجوي للأرض وملئه بالأكسجين وبالتالي تشكيل مسار تاريخ كوكبنا.
ترجمة: ولاء علي سليمان
المصدر: livescience