تنفس الكثير منا الصعداء عندما تم طرح لقاحات COVID-19. بالنسبة لأولئك الذين يحالفهم الحظ في العيش في أماكن من السهل وصول اللقاحات إليها، يعني هذا سهولة الحصول على جرعة أو اثنتين من اللقاح وعودة سريعة إلى الحياة الطبيعية – لا مزيد من الكمامات أو التباعد الاجتماعي. مع ارتفاع معدلات التطعيم، انخفضت الحالات الجديدة. كان من المنطقي تخفيف القيود التي كنا نعيش معها بمجرد تباطؤ ظهور حالات اصابة جديدة، وهذا ما تفعله كل الدول تقريبًا عند تباطؤ ظهور حالات جديدة، يتم تخفيف القيود التي تحد من انتشار الفيروس، مثل الحفاظ على التباعد الاجتماعي أو الالتزام بالكمامات. ولكن، تكشف الأبحاث الحديثة عن وجود احتمالية كبيرة لحدوث تطور للفيروس بسبب هذا النهج المتبع.
خلال الجائحة، استخدمنا طريقتين لمنع الإصابات الجديدة. أولاً ، يمكن للتغييرات في سلوكنا أن تمنع الشخص من التعرض للفيروس. تشمل هذه التغييرات ارتداء الكمامات، والتباعد الاجتماعي، والحد من عدد الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا داخل المباني، وما شابه. من ناحية أخرى، فإن التطعيم يهيئ الجسم لمحاربة الفيروس في حالة مواجهته. الأشخاص الذين تم تطعيمهم أقل عرضة للإصابة بمرض COVID-19 بأعراض خطيرة وأقل عرضة لنقل الفيروس إلى شخص آخر.
تساءل فريق من الباحثين من إسرائيل وألمانيا والولايات المتحدة عن كيفية تفاعل هذين النهجين المختلفين (التباعد والتلقيح) مع بعضهما البعض وما إذا كان من الممكن أن يؤديا إلى تطور سلالة من فيروس SARS-CoV-2 التي يمكن أن تصيب الأشخاص الملقحين بالكامل (جرعتين أو أكثر).
للاجابة عن هذا السؤال، قاموا ببناء نموذج رياضي يتضمن عوامل مثل عدد الأشخاص الذين يتم تطعيمهم كل يوم، وكم مرة ينتشر الفيروس من شخص إلى آخر، ومدى احتمالية حدوث طفرة مقاومة للقاح أثناء نسخ الفيروس. ثم اختبروا كيف أثر العبث بمعدلات التطعيم والتباعد في قدرة السلالة الفيروسية المقاومة للقاح على الظهور والانتشار. سلط ما وجدوه الضوء على مشكلة يحتمل أن تكون خطرة تتعلق بكيفية تطبيق حملات التطعيم وإجراءات التباعد في كثير من الأحيان.
أثناء الوباء، كانت العديد من المجتمعات تراقب انتشار الفيروس وتفرض قواعد صارمة للتباعد عندما كانت الحالات في ازدياد، ولكن تم تخفيفها بمجرد أن بدا أن الفيروس تحت السيطرة (عدد الإصابات الجديدة ينخفض كل يوم). مع انطلاق حملات التطعيم، تمت حماية المزيد من الأشخاص من العدوى، وحدث انخفاض في عدد الحالات الجديدة بشكل طبيعي، وفي هذه الأوقات سُمح بالتجمعات وخففت قواعد الكمامات. بدت الاستراتيجية منطقية (أن تخفف القواعد أثناء انخفاض عدد ظهور حالات جديدة)، لكنها فشلت في تفسير كيف يمكن لهذه الإجراءات أن تصنع التطور الفيروسي.
يُظهر البحث الجديد أن تخفيف القواعد بشأن التباعد في وقت مبكر جدًا في حملة التطعيم يمكن أن يشجع على تطور سلالة فيروسية مقاومة للقاح. وعندما تفكر في هذا من منظور تطوري، فهو منظور منطقي. يعتمد الانتقاء الطبيعي على أربعة عوامل: التباين، والوراثة، الانتقاء، والوقت. في كل مرة يتم نسخ الفيروس (ويتم نسخها كثيرًا عندما ينتشر الفيروس في مجتمع ما) تكون فرصة لحدوث طفرة – أي اختلاف -. لذا فإن الفيروس المنتشر يعني وجود مجموعة فيروسية شديدة التباين، من المحتمل أن تشمل واحدًا به طفرة تجعله مقاومًا للقاح. في الوقت نفسه، فإن وجود العديد من الأشخاص الملقحين يعني أن الفيروس المقاوم للقاح يتمتع بميزة انتقائية كبيرة. من المحتمل أن يترك وراءه الكثير من النسخ المنحدرة منه لأنه يمكن أن يستفيد من “مورد” لا تستطيع المتغيرات الفيروسية الأخرى القيام به: الأشخاص الملقحين.
عندما يحدث هذان الأمران (التباين العالي، الميزة الانتقائية القوية) في نفس الوقت لأن تخفيف تدابير التباعد تسمح للفيروس بالانتشار بينما نحن جزء فقط من حملة التطعيم، فمن المرجح أن ينتج الانتقاء الطبيعي سلالة فيروسية مقاومة للقاح.
إذن ما الحل؟ أظهر البحث أن الحفاظ على بعض قواعد التباعد في كما هي، حتى بعد انخفاض معدلات الحالات بسبب التطعيم، يمكن أن يقلل بشكل كبير من احتمالات ظهور وانتشار سلالة مقاومة للقاح. سوف يساعد أيضًا طرح اللقاحات بسرعة أكبر وإقناع المزيد من الناس بالحصول على اللقاح في الحد من تطور سلالات جديدة مقاومة.
قام الفريق أيضًا بمحاكاة إستراتيجية معروفة لإبطاء تطور المقاومة: وهي “كوكتيل” أو الخليط. الفكرة هنا هي صياغة لقاح يتطلب أكثر من طفرة تحدث للفيروس ليكون مقاومًا. يمكن تحقيق ذلك عن طريق خلط لقاحات تستهدف بروتينات فيروسية مختلفة (ومن هنا جاء مصطلح الخليط أو الكوكتيل). نظرًا لأن الطفرات تحدث عشوائيًا (بغض النظر عما قد يكون مفيدًا في لحظة معينة)، فقد يكون للفيروس المتحور طفرة واحدة تسمح لبروتين رئيسي بتجنب اكتشافه بواسطة الجهاز المناعي، ولكن من غير المرجح أن يحمل طفرتين مثل هذه.
لقد رأينا أن خليط الأدوية تبطئ من تطور فيروس نقص المناعة البشرية المقاوم للأدوية والبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. يقترح البحث الجديد أن “كوكتيل” أو خليط اللقاح يمكن أن يفعل الشيء نفسه بالنسبة لـ SARS-CoV-2.
بالطبع، النماذج لا تشبه العالم الحقيقي تمامًا ويمكن أن تترك لنا الكثير من الأسئلة. كيف ستتغير النتيجة إذا كان الأشخاص الذين تم تلقيحهم يتعاملون مع أشخاص آخرين تم تلقيحهم أيضًا، أو إذا تطورت المقاومة بخطوات صغيرة بدلاً من طفرة واحدة، أو إذا كان التطعيم لا يمنع الشخص تمامًا من نشر الفيروس (كما هو الحال مع لقاحات COVID الحالية)؟ على الرغم من هذه الشكوك، لا يزال البحث الجديد يرسل رسالة قوية مفادها أنه في ظل هذا الوباء، يمكن أن يكون لسياساتنا الاجتماعية عواقب تطورية غير مقصودة. بالنظر إلى عدد المرات التي فاجأنا فيها فيروس كورونا الجديد حتى الآن، يبدو أن هذه النتائج تستحق النظر فيها أثناء تطويرنا لسياسات التعايش مع هذا الفيروس على المدى الطويل.
ترجمة: يوسف مجدي
اقرأ أيضًا: متحور أوميكرون – قصة تطورية نعيشها اليوم