تخيل أنك سافرت بالزمن إلى الوراء إلى قبل 350 مليون عامٍ تقريباً، أو ما حولها إضافة أو نقصان 50 مليون عامٍ. وهدفك هو التحقق من الحشرات الرائعة التي تعيش في تلك اللحظة من الزمن. سترى العديد من الحشرات الصغيرة التي تشبه حشرة السمك الفضيّ الحديثة، وهذا ليس مهماً.
إلا أن شيئاً مثيراً ومهماً يحدث ولا يمكنك أن تراه، إذ انقسمت سلالةٌ إلى اثنتين. حيث ستقوم إحدى هتين السلالتين المعزولتين حديثاً بإنتاج حواليّ 400 نوعٍ حيٍ تبدو مثل الحشرات القديمة التي تراها. أما السلالة الأخرى فستنتج الملايين من أنواع الحشرات الحية، وهي الجزء الأكبر من الحياة الحيوانية على الأرض اليوم. فلماذا يوجد فرقٌ كبيرٌ في التنوع بين هاتين السلالتين؟ فلقد كانوا متشابهين قبل حواليّ 350 مليون عامٍ…
لماذا تنتج إحدى السلالتين ملايين الأنواع بينما تنتج الأخرى 400 نوعٍ فقط؟
- استغلال الفرص: أحد الاحتمالات هو أن السلالة المتنوعة الآن كانت في المكان والزمان المناسبين. حيث قدمت البيئة الفرص، واستطاعت السلالة أن تستفيد منها. إذاً ما هي العوامل في البيئة التي قد تساعد على التنويع؟ ربما قدمت البيئة الفرص للتخصص، ربما تجعل بيئةٌ مجزّأةٌ العزلة التكاثرية أكثر ترجيحاً، وربما أعفت البيئة بعض الحشرات من المنافسة مع الحشرات الأخرى. ربما تعمل كل هذه العوامل في بعض الأوضاع. فافترض أن حشرةً تقتات على النبات قامت باستعمار جزيرةٍ استوائيةٍ. ففي مسقط رأسها في البر الرئيسيّ يكون حجم الكتلة السكانية ونطاق مصادر الحشرة محدوداً بأنواعٍ أخرى منافسةٍ من أجل الحصول على نفس المصادر. ولكن نقصان أنواعٍ مشابهةٍ في الجزيرة يعني وجود أعشاشٍ بيئيةٍ مفتوحةٍ ومنافَسةٌ ضئيلةٌ من الأنواع الأخرى. كما أن الجزيرة تقدم أنواعاً جديدةً من الأطعمة في شكل نباتاتٍ لم تر الحشرات مثيلاً لها من قبل. ربما يسمح الانتخاب لبعض الحشرات أن تتخصص في هذه النباتات الجديدة. فالتسكع حول كل صنفٍ من النبات ربما يعني أن الحشرات ستتزاوج مع حشراتٍ على نباتٍ مختلفٍ بتكرارٍ أقل، مما يحفز العزل التكاثري. حيث يمكن لكل هذه العوامل أن تؤدي إلى التنويع، ولكن إذا كان لدى الكتلة السكانية التنوع الوراثيّ للاستفادة من الفرص التي قدمتها البيئة فقط.-
إن وجود أحد الفروع الحيوية في المكان والزمان المناسبين يعد سبباً لكونها تمتلك تنوعاً أكثر من الأخرى.
2. الانقسام التكيفي: إذا حدث كل هذا التنويع في فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ، فغالباً ما يطلق عليها الانقسام التكيفي. وعلى الرغم من أن لعلماء الأحياء معايير مختلفةً لتعريف الانقسام التكيفي، إلا أنه يعني بصفةٍ عامةٍ حدثاً تنوعت فيه السلالة بسرعةٍ، مع تطوير السلالات المكوّنة حديثاً لتكيفاتٍ مختلفةٍ. وهذا التنويع السريع في الثدييات الظاهر بالأسفل قد يشكل انقساماً تكيفياً. –
- التغيرات التاريخية في التنوع: تركت العديد من الأحداث علاماتها على تنوع الحياة على الأرض، سواءً بتقليم أو تضخيم شجرة الحياة، ولكن بعضها تبرز أهميتها على نحوٍ غير اعتياديٍ:
- الانفجار: قبل حواليّ 530 مليون عامٍ، انبثق تنوعٌ كبيرٌ من الحيوانات البحرية بشكلٍ مفاجئٍ على المشهد التطوريّ. (تعني كلمة “بشكلٍ مفاجئٍ” من وجهة النظر الجيولوجية قرابة 10 مليون عامٍ بالتأكيد). كان لهذه الحيوانات مجموعةٌ متنوعةٌ من أشكال الجسم التي يستخدمها التطور لإنتاج “الكائنات العرضية” منذ ذلك الحين، مثل هؤلاء الممثَّلِين من الصخر الطيني في منطقة بورغيس.
- الانقراض: قبل نحو 225 مليون عامٍ، انقرض أكثر من 90 % من الأنواع الحية في ذلك الزمن في أقل من 10 مليون عامٍ. وبعض المجموعات التي كانت سائدةً قبل الانقراض لم تتعافى أبداً. أما سبب هذا الانقراض فهو موضوع نقاشٍ طويلٍ، ولكن الأهمية المتساوية هي أنها مهدت الطريق لتنويعٍ هائلٍ للأصناف التي ملأت الأعشاش البيئية الفارغة.
تم نقل المقال من مجلة السعودي العلمي بالتصرف.
اقرأ أيضًا: منهج التطور – دراسة حالة التطور المشترك