ربما اعتمدت الحمية العتيقة Paleo diet على مكان المعيشة. فالنياندرتال الذين عاشوا في بلجيكا في عصر ماقبل التاريخ تمتعوا بأكل اللحوم- لكن الذين عاشوا في ما هو الآن شمال إسبانيا تناولوا نظاما غذائيا نباتيا بشكل حصري. وهذا وفقا لتحليل جديد للحمض النووي DNA الذي يشير أيضا إلى أن مرضى النياندرتال كانوا يتداوون ذاتيا بمسكنات ألم ومضادات حيوية موجودة في الطبيعة.
إلا أن أبناء عمومتنا المنقرضين لم ينظفوا أسنانهم بشكل جيد للغاية، وهذا خبر سار جدا لعلماء الآثار. فمع مرور الوقت، تتراكم تُدعى مادة كلس الأسنان (جير) Dental calculus وتظل عالقة بأسنانهم.
الآن، أظهرت لورا ويريك Laura Weyrich وزملاؤها من جامعة أديلايد University of Adelaide في أستراليا أن كلس الأسنان يحتوي على حمض نووي قديم يمكنه الكشف عن طعام النياندرتال ونوع البكتيريا الذي كان موجودا في أفواههم.
ركز الفريق على ثلاثة من النياندرتال- اثنين من عينات عمرها 48 ألف سنة من مدينة إل سيدرون El Sidrón في إسبانيا وآخر من عينة عمرها 39 ألف عام من مدينة سباي Spy في بلجيكا. ما وجدوه يقترح أن النياندرتال من سباي غالبا ما تغذوا بالخراف ووحيد القرن الصوفي، في حين أن النياندرتال من إل سيدرون كانوا يتناولون الأشنات Moss واللحاء والفطر – ولكن، على ما يبدو ليس باللحوم (Nature, DOI: 10.1038/nature21674).
“كان ذلك حقا مفاجأة لنا،” كما تقول وايريك. “أعتقد أن الافتراض كان دائما أن النظام الغذائي للنياندرتال كان يستند إلى الاستهلاك المُكثّف للحوم.”
وهناك مفارقة خاصة في هذا الاكتشاف، كما تقول باولا فيلا Paola Villa من متحف جامعة كولورادو University of Colorado Museum في بولدر، نظرا لأن علامات القطع على عظام النياندرتال من إل سيدرون غالبا ما تُفسّر كدليل على أكل لحوم البشر. وتضيف: “ربما كانوا يتبعون نظاما غذائيا نباتيا، إلا أن المفارقة أنهم قدموا اللحوم لأفراد النياندرتال الذين كانوا يقتلونهم،” حسب قولها.
ويقول باحثون آخرون إنه من المنطقي أن يتبنى النياندرتال نظاما غذائيا نباتيا إذا كانت فرص الصيد قليلة في بيئتهم المحلية. “تخيل وضعٍ غير ذلك قد يكون مبسطا جدا،” كما تقول أماندا هنري Amanda Henry من جامعة ليدن Leiden University في هولندا.
لكن هنري تحذر من أخذ هذه النتائج حرفيا. إذ تقول إن: “المكون السائد من الحمض النووي المستخرج هو من بكتيريا الفم،” وفقط نحو 0.3 % من هذا الحمض النووي يأتي من الحيوانات والنباتات والفطريات التي تغذى بها النياندرتال. وتتابع قائلة: “إنه من السابق لأوانه اقتراح أن الغذاء المستخرج يمثل مجمل النظام الغذائي.”
فمن المحتمل أن النظام الغذائي لنياندرتالي سباي احتوى على النباتات إضافة إلى اللحوم، كما يقول لوكا فيورنزا Luca Fiorenza من جامعة موناش Monash University في كلايتون بأستراليا، لأن البشر، وربما النياندرتال، لا يمكنهم البقاء على قيد الحياة على نظام غذائي مبني حصرا على البروتين الحيواني.
وإحدى عينتي النياندرتال من إل سدرون هي لصبي مراهق كان يعاني خراجا كبيرا في الأسنان. وقد أظهر التحليل الجديد للحمض النووي DNA أنه كان يعاني وجود طفيليات في الأمعاء تسبب الإسهال أيضا. وقد أظهرت دراسات سابقة أنه كان يتناول نباتات ذات خصائص مضادة للالتهاب. كما وجدت الدراسة الجديدة حمضا نوويا يعود إلى نباتات الحور Poplar plants، المعروفة باحتوائها على مسكن الألم الطبيعي حمض الساليسيليك Salicylic acid. ولكن هذا قد لا يكون الدواء الوحيد الذي تناوله: فقد اكتُشف أيضا وجود الحمض النووي لفطر البنسليوم- مصدر البنسلين- في كلس أسنانه.
ومن الصعب أن نقول على وجه اليقين ما إذا كان النياندرتال تناولوا الفطر عمدا لخصائصه الطبية.فالبنسليوم ينمو بشكل طبيعي على المواد النباتية خلال عملية التعفن، حتى أنه يمكن أن يؤكل بالصدفة. لكن وايريك تشير إلى أن البنسليوم وجد فقط في كلس أسنان المراهق المريض، وليس في طبقة الكلس من أسنان العينة الأخرى من إل سدرون، والذي يعتقد أنه عاش حياة صحية. وأضافت قائلة: “ربما كان لديهم بعض المعرفة بأن الحبوب المتعفنة قد تساعدهم في حالة المرض – لكننا لا نعرف ذلك على وجه اليقين،” كما تقول.
تم نقل المقال من مجلة العلوم الكويتية بالتصرف.
اقرأ أيضًا: من أنت؟ كيف تُعاد كتابة حكاية أصل البشر