تُشكِّل النباتات الزهرية «أو مغلفات البذور» اليوم نحو أربعة أخماس النباتات الخضراء على سطح الأرض، رغم أنها لم تكن موجودة على امتداد مليارات السنين من حياة الأرض. أصبح علماء الأحياء الآن قادرين على رسم مخططات تبين الزيادة السريعة لأعداد النباتات الزهرية خلال المئة والأربعين مليون سنة الماضية.
وقد نُشِر حديثًا «مخطط الشجرة الزمني» الذي يُظهِر النباتات الزهرية بتفاصيلها وكيف حصلت الزيادة الضخمة في أعدادها وكمياتها وتنوعت ليصبح لدينا 300 ألف نوع معروف منها في الوقت الحاضر.
للتوصل إلى هذا الجدول الزمني، جمع الباحثون أكبر مجموعة من سجلات أحافير مغلفات البذور -وصل عددها الكلي إلى 238 سجلًا- وقد بحثوا في سجلات يرجع عمر بعضها إلى مئات السنين وترجموا وثائق عن لغات عدة.
يقول عالم الأحياء التطورية هيرفي سوكيه من جامعة نيو ساوث ويلز: «الأحافير النباتية هي أهم الأدلة اللازمة لفهم الأسئلة التطورية المهمة عن مغلفات البذور في الأزمنة المختلفة. اعتمدت الدراسات السابقة من هذا النوع على 30 إلى 60% فقط من سجلات الأحافير، لكننا أردنا أن نزيد هذه النسبة زيادة ملموسة وأن نضع مقياسًا أعلى للمعايرة الأحفورية بتوثيق كل مرحلة من مراحل الدراسة».
قارن فريق البحث -بالإضافة إلى جمع مئات العينات من السجلات الأحفورية- بين مخطط الشجرة الزمني الذي توصلوا إليه وأكثر من 16 مليون نقطة من البيانات الجغرافية التي تدل على مكان نمو كل نوع من هذه النباتات. وتوصلوا إلى أن مخطط الشجرة يعطي صورة أشمل بكثير لهذه الأنواع من النباتات مقارنة بكل المخططات التي توصل العلماء إليها سابقًا، وأن هذا المخطط يجيب عن الكثير من الأسئلة عن تطور هذه النباتات من قبيل: متى تطورت؟ وأين؟ وما أصولها؟
يُظهِر الرسم البياني الذي احتوى على 435 عائلة من النباتات الزهرية أن السلالات الحديثة من هذه النباتات بدأت بالظهور منذ 90 إلى 100 مليون سنة، قبل أن تبدأ بالتفرّع إلى أنواع النباتات الزهرية الحديثة منذ ما يقارب 66 مليون سنة، وهذا هو الفرق الرئيسي بين عمر «الساق» في النباتات «أي متى ظهرت أصولها؟» وعمر «التاج» فيها «متى بدأت بالاختلاف والتنوع لتصبح بالأنواع المعروفة لنا اليوم؟».
استطاع الباحثون ملاحظة هذه الاختلافات الزمنية في مخطط الشجرة الذي وضعوه، واستطاعوا أيضًا التحقق من أن أصل مغلفات البذور يرجع إلى البيئات الاستوائية رغم أن الغابات المطيرة التي تسودها اليوم النباتات الزهرية ظهرت في وقت حديث نسبيًا من تاريخ الأرض.
تقول عالمة الأحياء التطورية سوزانا ماغالون من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك: «بتقدير كل من عمر الساق والتاج لعائلات مغلفات البذور وجدنا فرقًا يتراوح بين 37 و56 مليون سنة بين عمر عائلة الأصل وبداية تفرُّعها إلى الأنواع الحية من النباتات الزهرية التي نراها اليوم. بمعنى آخر يقارب الفرق بين العمرين -عمر الساق والتاج- نحو ثلث المدة الكاملة لتطور مغلفات البذور، التي تبلغ على الأقل 140 مليون سنة».
كانت الديناصورات ما تزال موجودة تجوب الأرض بين حِقْبتي الساق والتاج لمغلفات البذور. يبدو أن عصر هيمنة النباتات الزهرية على الأرض قد تأخر إلى ما بعد عصر الديناصورات وبدأ بالتسارع منذ نحو 66 مليون سنة، إذ تأخر ازدهار نباتات مغلفات البذور نسبيًا مقارنة بالنباتات الأخرى.
ولأن النباتات الزهرية تمثل الآن مصدر الغذاء الأساسي لمعظم الكائنات الحية على الأرض ومن ضمنها البشر، فمن المهم لنا تكوين فهم أفضل عن أصولها وعملية تطورها.
إحدى فوائد هذا الفهم هي معرفة أفضل طرق الحفاظ على مئات أنواع النباتات للمستقبل -إن أردنا الاستمرار بالاعتماد عليها موردًا في الغذاء- لأن فهمنا لأسباب ازدهارها يصبُّ في مصلحتنا.
قال عالم النباتات التطورية دوغ سولتيس من جامعة فلوريدا -ولم يكن أحد المشاركين في الدراسة- في لقاء مع سوزانا ليونز على قناة ABC Science: «علينا الاعتراف بأن العالم بأسره يعتمد على مغلفات البذور، فازدهار هذه النباتات هو ازدهار لنا وفناؤها يعني فناءنا».
نُشِر هذا البحث في مجلة Nature Ecology and Evolution.
المصدر: sciencealert
اقرأ أيضًا: