وثق علماء الحفريات التعديلات التطورية اللازمة للأسماك ذوات الزعانف الفصِّية حتى تتحول الزعانف الصدرية المستخدمة تحت الماء إلى بنى عظمية قوية مثل تلك الخاصة بـ”تيكتاليك روزاي” (Tiktaalik roseae)، هذا التحول سمح لرباعيات الأطراف بالزحف في المياه الضحلة أو على اليابسة، لكن يتساءل علماء الأحياء التطورية عن سبب غياب نظير واضح متحول عن الزعانف في بنى تسمى “أوتوبود” (autopod) والتي تشكل المعاصم والأصابع أو الكعب القدم وأصابعها مقارنة بالأسماك الحية.
اقترح باحثون في عدد 22 ديسيمبر 2014 من مجلة (Proceedings of the National Academy of Sciences) أن الجهود السابقة فشلت في الوصل بين الزعانف والأصابع لأنها ركزت على السمكة الخاطئة، بدلاً من هذا وجدوا الجينات البدائية لآلية تجميع الأوتوبود في الثديِّيات في سمكة تدعى الغار المرقط (the spotted gar) و التي تم دراسة جيناتها مؤخراً.
“تظهر الأحفوريات بوضوح أن المعصم والأصابع ذات أصل بحري” قال نيل شوبين (Neil Shubin) حامل شهادة دكتوراه وبروفّيسور قسم روبرت بينسلي لبيولوجيا الأحياء والتشريح في جامع شيكاغو وقائد فريق البحث الذي اكتشف التكتاليك في عام 2004،”لكن للزعانف و الأطراف أهداف مختلفة،و تطورتا بإتجاهات مختلفة منذ إنفصالهما، نوَّد أن نستكشف ونفهم صلتهما بشكل أفضل عن طريق إضافة معلومات جينية وجزيئية إلى مانعرفه الآن من السجل الأحفوري”.
كانت المحاولات الأولية لتأكيد الصلة بالإعتماد على المقارنة الشكلية بين عظام الزعانف والأصابع،الأوتوبدز تختلف عن معظم الزعانف، يتكون المعصم من عدد من العظام الإلتقائية،يتبعه عظام أطول وأنحف تشكل السلاميات،تبدو عظام زعانف الأسماك الحية مختلفة عن هذا بشكل كبير،حيث تتكون من مجموعة من العظام الطويلة التي تنتهي بعظام صغيرة مدورة تدعى الشعاعيات.
الجينات الأساسية المسؤولة عن تشكيل العظام و المعروفة بتجمعات (HoxD and HoxA) تختلف أيضاً،اختبر الباحثون بدايةً نقاط التحكم المسؤولة عن هذه التجمعات لتحولها من الـ”تيليوست Teleost fish” -أسماك ذات زعانف شعاعية عظمية- إلى شكل أطراف فئران معدلة وراثية في طور النمو لكن نقاط التحكم تلك في الأسماك فشلت في إبداء أي نشاط في الأوتوبود.
تمت دراسة أسماك التيليوست -مجموعة ضخمة تتضمن تقريباً كل أنواع الأسماك المهمة- على نطاق واسع، لكن بدأ الباحثون يدركون أنها ليست المقارنة الأفضل عن كيفية تنظيم الجينات قديماً،و وجدوا عندما درسوا نقاط التحكم الجينية المسؤولة عن بناء المعصم والأصابع “نقصاً في حفظ التسلسل الجيني” في أنواع التيليوست.
قام الباحثون بتتبع المشكلة إلى تغير جذري في جينات سمك التيليوست،منذ أكثر من 300 مليون عام بعد انفصال المخلوقات التي تشبه السمك والتي ستصبح لاحقاً رباعيات الأطراف عن الأسماك العظمية الأخرىـ والتي هي سلف مشترك لسلالة التيليوست عندما مرّت بحدث يسمى “تضاعف الجينوم الكامل” ظاهرة حدثت مرات عدة في تاريخ التطور.
وفر هذا الحدث عن طريق مضاعفة كل الذخيرة الجينية لدى التيليوست إمكانية تنوع هائلة، قد يكون هذا ما ساعد التيليوست على التأقلم عبر الوقت مع بيئات متنوعة حول العالم، أثناء هذه العملية “استطاعت نقاط التحكم الجينية التي تتحكم ببناء الأوتوبود أن تنحرف وتختلط، ماسمح لها بتغيير بعض وظائفها، كما جعل تحديد أوجه التشابه بينها وبين حيوانات أخرى أمراً أصعب،كالفئران مثلاً” وفقاً لأندرو جيرك (Andrew Gehrke) طالب دراسات عليا في مختبر شوبين و المؤلف الرئيس للبحث.
لم تمر كل الأسماك العظمية بعملية التضاعف الجيني كلها،حيث إنفصلت سمكة الغار المرقط -سمكة بدائية موطنها الأصلي في أمريكا الشمالية- عن سمك التيليوست قبل التضاعف.
عندما قارن الباحثون نقاط التحكم المعروفة بـ”Hox” من الغار المرقط مع رباعيات الأطراف وجدوا “مستوى غير معهود وغير موثق قبل هذا من الحفظ العميق للجهاز التنظيمي للأوتوبود في الحيوانات الفقارية” و يضيفون أن هذا يقترح درجة عالية من الشبه بين “الشعاعيات البعيدة للأسماك العظمية والأوتوبود في رباعيات الأطراف”.
قام الباحثون باختبار هذا عن طريق إدخال نقاط تحكم جينية تتعلق ببناء الزعانف الخاصة بسمك الغار إلى فئران في طور النمو قامت هذه الإضافة بتحفيز أنماط نشاط كانت “تكاد لا تميز” وفقاً للباحثين من تلك التي تحفزها جينات الفئران نفسها.
“في النهاية” يختتم الباحثون “تقدم تنائجنا دعماً تنظيمياً لأصل قديم لتعبير الـ”hox” المتأخر ، المسؤول عن بناء الأوتوبود”.