ليتحول البشر من ثديياتٍ ترى العالم من حولها بنظرةٍ عاتمة ظليلة إلى قردة عليا قادرة على رؤية جميع ألوان الطيف، تطلّب الأمر العديد من الطفرات الوراثية في أصباغ الرؤية. و الآن بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن استطاع العلماء بعد أن بذلوا جهوداً مضنيةً أن يكتبوا وصفاً دقيقاً في كيفية تطور الرؤية الملونة عند البشر.
حيث نشرت مجلة PLOS Genetics آخر التفاصيل عن كيفية تطور رؤية البشر للألوان من الرؤية فوق البنفسجية إلى الرؤية البنفسجية أو بالأحرى عن كيفية تطور رؤية البشر للون الأزرق.
و قال Shozo Yokoyama قائد البحث و عالم بيولوجيا من جامعة Emory : “استطعنا تتبع جميع المسارات التطورية التي تعود ما قبل تسعين مليون سنة التي أدت الى الرؤية اللونية عند البشر) و أضاف ” قمنا بتوضيح تلك المسارات الجزيئية على مستوى كيميائي و مستوى جيني و مستوى وظيفي”.
خلال السنين قام العالم Yokoyama مع مساعدة الجهات المتعاونة بإستخلاص أسرار التطور التكيفي للنظر عند البشر و الفقاريات الأخرى من خلال دراسة جزيئات المورثات. شملت هذه العملية الطويلة في البدء تقدير و تجميع بروتينات المورثات و الأصباغ من بعض الأنواع ، و من ثم إجراء التجارب عليها.و تجمع هذا التقنية بين علم الاحياء المجهرية و الحساب النظري و الفيزياء الحيوية و كيمياء الكم و الهندسة الوراثية.
هناك خمسة أنواع من جين opsin التي تقوم بتشفير الأصباغ البصرية للرؤية المعتمة و رؤية الألوان. عندما تتغير أجزاء من جين opsin تتكيف الرؤية مع تغير رؤية الأنواع.
قبل تسعون مليون سنة كانت أسلافنا الثدييات البدائية ذات رؤية ليلية و كانت تملك حساسات للرؤية فوق البنفسجية و حساسات لرؤية اللون الاحمر مما جعلها تملك رؤية ثنائية اللون. و قبل حوالي ثلاثين مليون سنة كانت قد تطورت عند أسلافنا أربعة أنواع من جين opsin ، ممّا أعطاهم القدرة على رؤية طيف جميع الألوان من الضوء المرئي بإستثناء الأشعة فوق البنفسجية.
و أضاف Yokoyama : “لدى حيوانات الشمبانزي و الغوريلات رؤية للألوان مشابهة للتي عند البشر أو ربما يجدر بنا القول أنّ لدى البشر رؤية للألوان مشابهة للتي عند حيوانات الشمبانزي و الغوريلات.”
بالنسبة إلى جريدة PLOS Genetics ركز الباحثون فيها على سبع طفرات جينية المسببة في خسارة الرؤية الفوق بنفسجية و جعلها صبغة حساسة للون الأزرق. قاموا بتتبع هذه العملية في الفترة من قبل 90 إلى 30 مليون سنة.
تعرف الباحثون على 5,040 وسيلة محتملة لكي يتغير الحامض الأميني من أجل إظهار التغيرات الجينية التي ذكرت. قمنا باختبار جميع هذه الحالات بحسب Yokoyama الذي أضاف: “وجدنا بأن الجينات السبعة لم تقم بأي تأثير عندما قمنا بتغييرها بشكل فردي ، و لكن وجدنا عند جمع هذه التغييرات بترتيب معين فإن المسار التطوري سوف يصبح كاملاً.”
بتعبير آخر يمكننا القول بأن البيئة الجزيئية للحيوان لها تأثير على الإصطفاء الطبيعي مثل تأثير بيئة الحيوان الخارجية عليه.
و في بحث آخر أظهر Yokoyama بأن سمكة الـscabbardfish ، و التي في الوقت الحاضر تقضي معظم حياتها في عمق 25 الى 100 متر تحت الماء ، أنها في حاجة إلى طفرة جينية واحدة من أجل أن تنتقل من الأشعة فوق البفسجية إلى رؤية اللون الأزرق ، و لكن أسلاف البشر احتاجوا إلى سبع تغيرات و التي حدثت عبر ملايين من السنين. و قال Yokoyama : “مقارنة بتغير سمكة الـ scabbardfish فأن تغير أسلافنا كان بطيئاً جداً و يعود ذلك على الأرجح لشدة بطء تغير بيئتهم الخارجية.”
و توقفت حوالي 80% من أصل 5,040 المسارات التي تتبعها الباحثون قد توقفت في منتصف الطريق لأن أحد البروتينات قد أصبح خاملاً. و قام بحل لغز خمول البروتين العالم Ahmet Altun من جامعة فاتح في إسطنبول حيث اكتشف أن البروتين في حاجة إلى الماء لكي يصبح فعَالاً ، و أن سبق أحد التغيرات تغيراً آخراً فأنه سيقوم بسد طريقي الماء الذي يمتد عبر غشاء الأصباغ البصرية.
“أمّا بقية المسارات فلا زالت مسارات محتملة إلّا أن أسلافنا قد استخدموا مساراً واحداً فقط”كما ذكر (يوكوياما) و أضاف : “و قد قمنا بتحديد هذا المسار.”
و في عام 1990 قام Yokoyama بتحديد ثلاث تغيرات معينة للأحماض الأمينية التي أدت إلى اكتساب أسلاف الانسان صبغة حساسة للون الأخضر. و في 2008 تولى القيام بجهود من أجل بناء علاقة التطور الأكثر اتساعاً للرؤية في الضوء الخافت ، و التي تتضمن الحيوانات ابتداءً من حيوان الانقليس و انتهاءً بالبشر.و قام مختبر Yokoyama بتنظيم وظائف الجينات المتوارثة من أجل ربط التغيرات الحاصلة في البيئة المعيشية و ربطها مع التغيرات الجزيئية.
و قامت جريدة PLOS Genetics بإنهاء الموضوع المتعلق بتطور الرؤية اللونية عند البشر ، و أفاد Yokoyama : “لم يعد لدينا أي غموض متعلق بالمسألة سواءً من ناحية التعبير عن التغييرات في الأحماض الأمينية الى الاليات التي شاركت في هذا المسار التطوري.”
ترجمة : زينب الأنصاري
المصدر: sciencedaily
اقرأ أيضًا: كيف تحولت أطراف الديناصورات إلى أجنحة الطيور؟