أحفورة قديمة تكشف سمة واحدة فقط من ثلاث سمات توقعها العلماء لأسلاف السحالي

مشهد إعادة بناء سحلية. حقوق الصورة: بوب نيكولز.
مشهد إعادة بناء سحلية. حقوق الصورة: بوب نيكولز.

كشفت أحفورة جديدة من العصر الديفوني عن ملامح أقدم أعضاء مجموعة السحالي، حاملةً معها مفاجآت غير متوقعة، بحسب فريق بحثي من جامعة بريستول. نُشرت نتائج الدراسة مؤخرًا في مجلة نيتشر (Nature).

تُعد السحالي وأقاربها، بما في ذلك لثعابين والطراطرة النيوزلندية الفريدة، من أنجح مجموعات الفقاريات البرية، إذ تضم أكثر من 12,000 نوع، أي أكثر من أنواع الطيور والثدييات مجتمعة. لكن ما سر هذا النجاح اللافت للسحالي والثعابين والطراطرة، المعروفة مجتمعة باسم العظايا الحرشفية (الليبيدوصوريات)؟

توقعات العلماء ونتائج الاكتشاف

كان يُعتقد دائماً أن أوائل العظايا الحرشفية امتلكت بعض سمات السحالي الحديثة، مثل: الجمجمة ذات المفصل جزئي الحركة، والشريط الصدغي السفلي المفتوح، والأسنان المتموضعة على سقف الفم (الحنك).

تمكن هذه الخصائص السحالي والثعابين المعاصرة من الإمساك بالفرائس الكبيرة عبر فتح أفواهها على اتساعها بفضل مفاصل الجمجمة، وتسمح لها أيضًا بالتحكم بالفرائس الصغيرة المتلوية عبر أسنان الحنك.

أما الشريط الصدغي السفلي فهو قوس عظمي يمتد بين منطقة الخد ومفصل الفك، مشكلاً جزءاً من الإطار الجانبي للجمجمة. يختفي هذا الشريط عند معظم السحالي والثعابين الحديثة، في حين تحتفظ به الطراطرة كاملاً، ما يمنحها مظهراً عتيقاً يذكر بالزواحف والأسلاف القديمة، وتتميّز أيضًا بامتلاكها أسنانًا حنكية كبيرة نسبيًا.

أحفورة تفاجئ العلماء

يقول دان مارك، الذي قاد المشروع ضمن دراسته للماجستير في علم الأحياء القديمة بجامعة بريستول:

«لا تُظهر الأحفورة الجديدة أياً من السمات المتوقعة تقريباً؛ فهي خالية من الأسنان الحنكية، ولا أثر فيها لأي مفصل في الجمجمة. مع ذلك، تملك شريطاً صدغياً مفتوحاً، أي سمة واحدة من أصل ثلاث، إضافةً إلى أسنان كبيرة على نحوٍ لافت مقارنةً بأقرب أقاربها».

ويضيف الدكتور ديفيد وايتسايد، المشرف المشارك على المشروع:

«نعتمد عادةً في دراسات الحفريات الحديثة على المسح بالأشعة السينية، لكن الجودة الفائقة لتقنيات الأشعة السينية السنكروترونية مكنتنا من رؤية تفاصيل دقيقة للغاية من دون تعريض الأحفورة لأي خطر تلف».

أجرى طالب الماجستير السابق ثيتيوت سيثابانيشساكول عمليات المسح التقليدية، ولاحظ تفاصيل دقيقة لكنها بالغة الصِغَر، إذ لا يتجاوز طول الجمجمة1.5 سنتيمتر، بينما تكاد الأسنان لا تُرى بالعين المجردة.

وأوضح أعضاء الفريق أنهم كانوا ممتنين لإتاحة إجراء المسح المقطعي السنكروتروني عالي الدقة باستخدام خطي إشعاع قويين في كل من منشأة الإشعاع السنكروتروني الأوروبية في فرنسا ومنشأة مصدر ضوء الماس (Diamond Light Source) في المملكة المتحدة، ما أتاح لهم رؤية بنى مجهرية لم يكن بالإمكان رصدها سابقاً.

صورة: العَينة المرجعية للأحفورة الأصلية للسحلية الشرسة من صخور هيلسبي (Agriodontosaurus helsbypetrae)، والمسجلة بالرقم BRSUG 29950-14، ويُظهر إلى جانبها صورة مقربة للجمجمة المحفوظة. أشرطة القياس: 10 مليمترات و5 مليمترات. حقوق الصورة: ثيتيوت سيثابانيشساكول.
صورة: العَينة المرجعية للأحفورة الأصلية للسحلية الشرسة من صخور هيلسبي (Agriodontosaurus helsbypetrae)، والمسجلة بالرقم BRSUG 29950-14، ويُظهر إلى جانبها صورة مقربة للجمجمة المحفوظة. أشرطة القياس: 10 مليمترات و5 مليمترات. حقوق الصورة: ثيتيوت سيثابانيشساكول.
صورة: نموذج ثلاثي الأبعاد لجمجمة السحلية الشرسة من صخور هيلسبي (Agriodontosaurus helsbypetrae)، أُعيد بناؤه باستخدام التصوير السنكروتروني. حقوق الصورة: دان مارك.
صورة: نموذج ثلاثي الأبعاد لجمجمة السحلية الشرسة من صخور هيلسبي (Agriodontosaurus helsbypetrae)، أُعيد بناؤه باستخدام التصوير السنكروتروني. حقوق الصورة: دان مارك.
صورة: شجرة النشوء والتطور تُظهر تباين الشريط الصدغي السفلي ومرونة الجمجمة بين الزواحف الحية والأحفورية. حقوق الصورة: دان مارك.
صورة: شجرة النشوء والتطور تُظهر تباين الشريط الصدغي السفلي ومرونة الجمجمة بين الزواحف الحية والأحفورية. حقوق الصورة: دان مارك.

قال الأستاذ مايكل بينتون، المشرف المشارك وأستاذ علم الحفريات الفقارية في كلية علوم الأرض بجامعة بريستول:

«حين تتأمل الأحفورة، يبدو الهيكل العظمي بأكمله بحجم كف اليد، لكن بفضل المسح الدقيق والتحليل المتعمق استطعنا كشف تفاصيل مذهلة. فقد تبين أن هذا الكائن يمتلك أسناناً مثلثة الشكل كبيرة نسبياً، يُرجح أنه استخدمها لثقب أو تمزيق الجلد الصلب لفريسته الحشرية، تماماً كما تفعل الطراطرة في الوقت الحاضر».

اكتشاف يعيد التفكير في تطور السحالي

يضيف دان مارك: «لا يُشبه هذا الكائن الجديد أي نوع عُرف من قبل، وقد دفعنا إلى إعادة النظر في مسار تطور السحالي والثعابين والطراطرة. أطلقنا عليه اسم Agriodontosaurus helsbypetrae، أي «السحلية الشرسة ذات الأسنان» من صخور هيلسبي، نسبةً إلى التكوين الرملي الذي اكتُشفت فيه أحفورته.

لا تكشف هذه العينة عن ملامح جمجمة أسلاف الحرشفيات فحسب، بل تُظهر أيضًا أن الطراطرة، على الرغم من وصفها المتكرر بأنها «أحفورة حية»، تنتمي في الواقع إلى فصيلة متنوعة وغنية من الزواحف القديمة ذات تاريخ تطوري طويل وعريق».

أحفورة عمرها 242 مليون سنة

يُقدر عمر هذه الأحفورة بنحو242 مليون سنة، وتعود إلى العصر الترياسي الأوسط، أي قبل ظهور الديناصورات بقليل. ومنذ ذلك الحين، تنوعت الحرشفيات(Squamates) عبر مراحل تطور متعددة. إذ كانت الأنواع الأولى منها تزحف بين الأعشاب وتحت ظلال الديناصورات التي هيمنت على الأرض في ذلك الزمن.

ويُعزى نجاحها اللافت إلى قدرتها الكبيرة على اصطياد الحشرات والفرائس الصغيرة، بفضل مرونة فكوكها، وبفضل استخدام بعض أنواعها للسمّ أيضًا.

قصة الاكتشاف

يقول الدكتور روب كورام، مكتشف العينة عام 2015 على شاطئ ديفون:

«حين عثرت على هذه العينة، لم أكن أدرك ماهيتها، إذ لم يكن يظهر منها سوى جزء يسير. وكان من المدهش أن نجد أحفورة بهذه الجودة في موقعٍ يرفد العلم بالاكتشافات منذ أكثر من مئة وخمسين عامًا».

ترجمة: علاء شاهين

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *