200 مليون سنة تحت البحر: التاريخ المجهول لأسماك القرش قبل أن تصعد إلى السطح

المصدر: Unsplash / CC0 Public Domain.
المصدر: Unsplash / CC0 Public Domain.

عندما تتخيل سمكة قرش، ربما يخطر ببالك مفترس ضخم وقوي يجوب أعماق المحيطات المفتوحة. تُهيمن أنواع مثل القرش الأبيض الكبير والقرش الببري وقرش الثور على الصورة الذهنية الشائعة في وسائل الإعلام، حيث تُروج قصص نادرة ومعزولة عن هجماتٍ على البشر، مثل الوفاة المأساوية لراكب الأمواج ميركوري بسيلاكيس مؤخرًا على شواطئ سيدني الشمالية، وهي روايات أسهمت في ترسيخ خوفٍ واسع النطاق من أسماك القرش لدى العامة، وأثرت حتى في السياسات الحكومية، بما في ذلك التوسع في نصب شباك صيد القرش وغيرها من أدوات «المكافحة» في مختلف مناطق أستراليا.

ومع أن هذه الأنواع الثلاثة مفترسات مهيبة بلا شك، فإنها تمثل أقل من 0.6% من مجموع أسماك القرش الحية. فما يزيد على 500 نوعٍ من أسماك القرش الحية يُظهر تنوعًا مذهلًا في الأشكال والأحجام، من القرش الحوتي العملاق الذي يبلغ طوله نحو 20 مترًا، إلى قرش فانوس الزعنفة المخملية المضيئ صغير الحجم، مرورًا بقرش ملاك البحر المسطح، وقرش أبو مطرقة، وقرش المنشار، وقرش العفريت، وقرش وببِغونغ الملون.

ولكن كيف أصبحت أسماك القرش متنوعة إلى هذا الحد؟

تناولت دراسة جديدة أشرفتُ عليها تطور شكل الجسم لدى أسماك القرش، متتبعةً مسارها من أسلافها القدماء قبل أكثر من 400 مليون سنة وصولًا إلى أنواعها الحالية.

في زمنٍ يسبق الديناصورات

لم يظهر هذا التنوع الهائل في أشكال الأجسام بين عشيةٍ وضحاها؛ فأصل أسماك القرش يعود إلى حقب سحيقة سبقت ظهور الديناصورات. يستعين العلماء عادةً بالأحفوريات لإعادة تمثيل التحولات في شكل الجسم وحجمه عبر الشجرة التطورية لمختلف مجموعات الحيوانات. لكن أسماك القرش تمثل استثناءً؛ إذ يصعب تطبيق المنهج نفسه عليها.

ذلك لأن هياكل أسماك القرش تتكون من الغضاريف لا من العظام. لذا، وعلى عكس الثدييات والطيور والزواحف، لا تتوافر لدينا الكثير من الأحافير الكاملة لأسماك القرش القديمة. بدلًا من ذلك، نعتمد على كميات هائلة من الأسنان الأحفورية المنفصلة.

وهذا يعني أن العلماء حتى يومنا هذا لا يعرفون إلا النزر اليسير عن الكيفية والزمان والدوافع التي أدت إلى نشوء هذا التنوع المذهل في أشكال أجسام أسماك القرش التي نراها اليوم.

وللتغلب على محدودية السجل الأحفوري، جمعنا بيانات عن شكل الجسم من الرسوم التوضيحية العلمية لأكثر من 400 نوع من أسماك القرش الحية، واستخدمنا طريقة إحصائية تُعرف باسم إعادة بناء الحالة السلفية (Ancestral State Reconstruction) لتقدير شكل أجسام أسماك القرش القديمة كما يُحتمل أن تكون عليه.

كما قمنا بجمع معلومات عن البيئات المفضلة لأنواع أسماك القرش المختلفة، وعن التغيرات البيئية التي حدثت منذ ظهور أولى أسماك القرش قبل مئات ملايين السنين.

أسماك القرش القديمة كانت تعيش في قاع البحر

تشير تحليلاتنا إلى أن أسماك القرش القديمة كانت في الغالب قاعية، أي تعيش في قاع البحر أو بالقرب منه.

أما الأنواع السطحية التي كانت تجوب المحيطات المفتوحة، وتشبه المفترسات الكبيرة المعروفة اليوم مثل القرش الببري وقرش الثور، فلم تظهر إلا في العصر الجوراسي، أي قبل نحو 145 إلى 201 مليون سنة على أقرب تقدير.

وهذا يعني أنه خلال النصف الأول من تاريخها التطوري، كانت أسماك القرش مقتصرة على الموائل القريبة من قاع البحر.

لكن لماذا؟

من اللافت أنه في ثلاثٍ من بين أربع مراتٍ استعمرت فيها أسماك القرش المحيطات المفتوحة، سبق ذلك تحولٌ في شكل الجسم تمثل في اكتساب أجسام أكثر عمقًا وذيولٍ أكثر تماثلًا، وقد وقع هذا التحول قبل انتقالها مباشرةً إلى البيئات الجديدة.

ويُشير توقيت هذه التحولات إلى أن التغيرات المناخية القديمة، بما في ذلك ارتفاع مستويات سطح البحر والتحركات التكتونية للقارات، قد أدت دورًا حاسمًا في تهيئة المزيد من الموائل السطحية التي تمكنت أسماك القرش من استعمارها لاحقًا.

وبالتالي، فإن تغير المناخ عبر العصور غير أيضًا البيئات التي عاشت فيها أسماك القرش القديمة، ما أتاح تطور أشكال جديدة لأجسامها. وقد تبين أن هذه الأجسام الأعمق ذات الذيل الأكثر تناسقًا كانت أكثر ملاءمة للحياة في المياه المفتوحة.

نحو فهمٍ أعمق للأنظمة البيئية القديمة

من خلال العودة إلى الماضي ودراسة كيف كانت تبدو أسماك القرش القديمة وكيف عاشت، يمكننا أن نفهم بصورةٍ أفضل آلية عمل الأنظمة البيئية القديمة، وأن نتنبأ كذلك بكيفية استجابتها لتغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية في المستقبل.

وعلى نطاقٍ أوسع، تُظهر نتائجنا أن أسماك القرش ليست جميعها متشابهة؛ فمعظمها، سواء القديمة أو المعاصرة، صغيرة الحجم وقاعية المعيشة، وليست مفترسات قِمية ضخمة وخطيرة كما تُصورها الثقافة الشعبية.

لذا، في المرة المقبلة التي تتخيل فيها سمكة قرش، لا تفكر فقط في القرش الأبيض الكبير أو القرش الببري، بل تذكر أيضًا أسلافها القاعيين القدامى الذين جابت أجسامهم المحيطات قبل ظهور الديناصورات بوقتٍ طويل.

المصدر

ترجمة: علاء شاهين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *