
في دراسة حديثة أجرتها الدكتورة صوفيا باتروسينيو وزملاؤها، ونُشرت في مجلة أبحاث في علم الحفريات (Papers in Palaeontology)، تم توصيف عينة جديدة من دعاميات الأسنان.
تُعد هذه الحفرية أقدم عينة معروفة حتى الآن من دعاميات الأسنان، وأسهمت بتقليص الفجوة التطورية من 40 مليون سنة إلى 33 مليون سنة فقط.
أوضحت الدكتورة إلسا بانسيرولي، إحدى مؤلفي الدراسة: «تُعد دعاميات الأسنان من أقدم مجموعات الثدييات، وتمتاز بأسنان أكثر تعقيدًا مقارنة بمعظم الثدييات الأخرى التي عاشت في الحقبة نفسها، إذ تحتوي على عدد كبير من النتوءات والأخاديد، بدلًا من الترتيب البسيط لبضع نتوءات متتالية فقط». ومن الممكن لذلك أن يكون قد أتاح لها استهلاك طيف أوسع من الأطعمة، ما جعلها أكثر تنوعًا من الناحية البيئية. وبحلول منتصف العصر الجوراسي وأواخره، أصبحت على درجة عالية من التنوع البيئي، تفوق تقريبًا أي مجموعة أخرى من الثدييات المبكرة.
مع ذلك، لم يبقَ أي من دعاميات الأسنان أو ذريتها على قيد الحياة اليوم، وما زال سبب انقراضها غير واضح. تقول الدكتورة بانسيرولي: «من غير الممكن تحديد سبب انقراضها. فالانقراض ظاهرة طبيعية تحدث غالبًا عند تغير الظروف (موائل جديدة، مناخات متغيرة، أنظمة بيئية متغيرة)».
مع أن موقع دعاميات الأسنان في الشجرة التطورية الأوسع للثدييات المبكرة يحظى بإجماع نسبي، فإن الجدل حول طبيعة العلاقات بين أنواعها المختلفة لا يزال قائمًا حتى اليوم.
تسهم الأحافير في توسيع فهمنا لهذه العلاقات التطورية. وتوضح الدكتورة بانسيرولي: «هناك أماكن قليلة جدًا في العالم تُحفظ فيها أحافير الحيوانات البرية التي تعود إلى الفترة ما بين العصر الجوراسي المبكر والجوراسي الأوسط، ولهذا السبب تبقى هناك فجوة معرفية واسعة. وهذه ليست مشكلة تخص دراسة الثدييات وحدها، بل تشمل مختلف مجموعات الحيوانات البرية».
ومن أبرز المواقع التي عُثر فيها على مثل هذه الأحافير مجموعة كاب ستيوارت الجيولوجية (التي يعود تاريخ الأحافير فيها من أواخر العصر الترياسي إلى بدايات العصر الجوراسي)، في حوض جيمسون لاند بوسط شرق جرينلاند.
وهنا، عُثر على العينةNHMD 1184958 . تتكون العينة الأحفورية من ضرس واحد، وجذور لسن ثانٍ، وجزء من عظم الفك.
كان السن المكتشف ضرسًا ثانيًا، ما أتاح للباحثين تحديده بدقة على مستوى النوع. تعلق الدكتورة بانسيرولي: «لكل نوع من الثدييات بصمة مميزة في ترتيب النتوءات والأخاديد على الأسنان، ما يمكننا من التمييز بين الأنواع المختلفة».

تبين أن السن المكتشف يعود إلى نوع جديد أُطلق عليه اسم نوجاليكودون كاسيوبياي. وأظهرت التحليلات التطورية والمورفولوجية أن هذا النوع قد يُمثل عضوًا مبكرًا في عائلة دعاميات الأسنان أو أحد أقرب أقربائها، ولا ينتمي إلى أي من الأنواع المبكرة التي كان قد اقتُرح سابقًا أنها تابعة لهذه المجموعة.
يمثل نوجاليكودون كاسيوبياي نوعًا انتقاليًا مهمًا لفهم تطور الثدييات المبكرة. كما أنه أقدم فرد مكتشف من دعاميات الأسنان، الأمر الذي قلص من الفجوة الزمنية في السلالة الشبحية بين أوائل دعاميات الأسنان والأصناف اللاحقة من 40 إلى 33 مليون سنة. ونقول الدكتورة بانسيرولي موضحة: «تمنحنا أسنان نوجاليكودون كاسيوبياي لمحة عن الكيفية التي تطورت بها بنيتها المعقدة انطلاقًا من أنماط حدبات الأسنان الأبسط لدى أسلافها».
استنادًا إلى موقع هذه الحفرية، ومع اكتشاف أشكال أخرى مبكرة في كل من بريطانيا وفرنسا، يُرجح أن أقدم أسلاف دعاميات الأسنان قد نشأت في أوروبا، ثم انتشرت لاحقًا عبر نصف الكرة الشمالي وصولًا إلى البرتغال وألمانيا وروسيا والصين والولايات المتحدة.
لا يزال هناك حاجة لإجراء المزيد من الدراسات لفهم العلاقات التطورية الكاملة لدعاميات الأسنان ومسار تطورها، على أمل أن تكشف الأحافير المستقبلية عن هذه الجوانب بوضوح أكبر.
ترجمة: علاء شاهين