ثمن المعركة في عالم الحيوان: أطراف مفقودة وفرص تناسل ضائعة

ضفدع الثور: حقوق الصورة: راندي دزينكيو.
ضفدع الثور: حقوق الصورة: راندي دزينكيو.

كيف تقرر الحيوانات متى تقاتل، ومتى تفرّ مشيًا أو طيرانًا أو انزلاقًا أو سباحة؟ ركزت معظم الدراسات السابقة التي تطرقت لصراعات الحيوانات على التكاليف قصيرة الأمد للتفاعلات الفردية. يرى باحثَان في علم البيئة السلوكية أن هذه اللحظات العابرة قد لا تعكس الصورة الكاملة، بل توفّر فهمًا ناقصًا للسلوك الحيواني في سياقه طويل الأمد.

في ورقة رأي نشرت في مجلة تريندز إن إيكولوجي آند إيفولوشن (Trends in Ecology & Evolution)، يشير الباحثان إلى أن الفهم الدقيق لعواقب صراع الحيوانات يتطلب النظر أيضًا في تأثيره التراكمي وطويل الأمد على عمر الفرد وقدرته على التكاثر.

يقول الباحث وعالم البيئة، باولو إنريكي كاردوسو بيكسوتو، من الجامعة الفيدرالية في ميناس جيرايس في البرازيل: «من خلال ربط الصراعات الفردية بالنجاح التكاثري مدى الحياة، يمكننا فهم كيف يمكن للسياقات والمواقف البيئية المختلفة أن تُفضّل تطور استراتيجيات اتخاذ القرار لدى الأنواع المختلفة».

يشير المؤلفون إلى أن المنافسات شائعة في مختلف أنحاء مملكة الحيوان. وغالبًا ما تكون هذه النزاعات رمزية، وقد يحدث فيها احتكاك جسدي أو لا، لكنها مع ذلك تستنزف كميات كبيرة من الطاقة، وقد تؤدي أحيانًا إلى إصابات بدنية أو حتى إلى الوفاة. وتميل الحيوانات إلى خوض هذه المنافسات عند التزاحم على موارد حيوية مثل الغذاء، أو المأوى، أو الأراضي، أو شركاء التزاوج.

نظرًا لما تحمله المنافسات من فوائد وتكاليف، افترض العلماء منذ زمن بعيد أن الأنواع المختلفة طوّرت استراتيجيات خاصة لتحديد ما إذا كانت ستخوض القتال، وإذا خاضته، فمتى يحين وقت التوقف.

يؤكد الباحثون أن استراتيجية الصراع المثلى تختلف باختلاف النوع والسياق. فعلى سبيل المثال، قد تفوق الفوائد المحتملة المخاطر عندما يكون المورد شديد الأهمية، في حين يُفضَّل أحيانًا تجنّب المواجهة من أجل موارد أقل قيمة، لا سيما عندما تكون فرص الفوز ضئيلة. ويشيرون إلى أن بعض التكاليف أكثر تأثيرًا من غيرها.

يقول بيكسوتو: «إذا فقد الروبيان النقار أحد مخالبه أثناء القتال، فبإمكانه إنماؤه مجددًا، ما يجعل الخسارة مؤقتة، ويمنحه فرصة للتعافي والمشاركة في نزاعات لاحقة. أما في حالة الخنفساء، فإن كسر قرنها خلال القتال يعني خسارة دائمة؛ فلا يمكن له أن ينمو مجددًا، وبالتالي لن تستطيع القتال مرة أخرى. وبما أن هذه الخنافس غالبًا ما تتقاتل للفوز بالإناث، فإن فقدان القرن يعني خسارة فرصة التكاثر بالكامل».

في سبيل فهم كيفية توصيف التكاليف وتقديرها في الدراسات السابقة، أجرى الباحثون مراجعة منهجية شملت أبحاثًا ميدانية ومخبرية. ومن خلال تحليل 73 دراسة تناولت 62 نوعًا من الحيوانات، حدّدوا 24 نوعًا مختلفًا من التكاليف، وقسّموها إلى ست فئات رئيسية: زيادة معدل الأيض، ارتفاع مستويات التوتر وضعف الاستجابة المناعية، وتزايد خطر الإصابة أو الموت، وتراجع فرص البحث عن الغذاء، وانخفاض مستويات الانتباه للمفترسات، وتراجع الاستثمار في رعاية الصغار.

العنكبوت القافز ذو الأرجل الحمراء. حقوق الصورة: أناتولي أوزيرنوي.
العنكبوت القافز ذو الأرجل الحمراء. حقوق الصورة: أناتولي أوزيرنوي.

تبيّن أن الباحثين الذين يدرسون أنواعًا مختلفة من الحيوانات يميلون إلى التركيز على أنواع متباينة من التكاليف، ما يصعّب إجراء مقارنات دقيقة بين النتائج. فعلى سبيل المثال، غالبًا ما ركزت الدراسات التي تناولت القشريات والأسماك على التكاليف الأيضية، في حين كانت أبحاث الحشرات تميل إلى قياس الإصابات المباشرة.

يقول بيكسوتو: «هناك تباين كبير في القياسات التي يُجريها الباحثون».

«التباين بحد ذاته ليس مشكلة، لكن غياب منهج موحّد في طريقة القياس يُعيق قدرتنا على تقدير ما إذا كان هناك متوسط مشترك للتكلفة بين الأنواع المختلفة، كما يصعّب دراسة الفروق والتباينات بينها».

في كثير من الحالات، يرى الباحثون أن التكاليف التي تُقاس في الدراسات ليست بالضرورة الأكثر أهمية لفهم الآثار الفعلية للمنافسات. وغالبًا ما تقتصر هذه القياسات على العواقب قصيرة الأمد لحوادث فردية، دون أن تأخذ في الحسبان التأثيرات التراكمية وطويلة المدى.

يقول بيكسوتو: «علينا أن نربط متوسط تكلفة المسابقة الواحدة بالعمر الإجمالي للفرد أو بمستوى نجاحه الإنجابي على امتداد حياته».

«على سبيل المثال، هل هناك سياقات تفضل الأفراد الذين يقاتلون باستمرار ويتّسمون بالعدوانية، وأخرى تفضّل الأفراد الأكثر حذرًا، ممن لا يشتبكون إلا مع منافسين أضعف لزيادة فرصهم في الفوز؟».

وللربط بين التكاليف قصيرة وطويلة الأمد، يقترح الباحثون اتباع عملية من ثلاث مراحل، تبدأ بتحديد نوع التكلفة الأكثر تأثيرًا بالنسبة للنوع المدروس.

تتمثل الخطوة التالية في قياس مدى تراكم هذه التكلفة خلال مسابقة واحدة، مقارنةً بخط الأساس لدى الحيوان. وفي المرحلة الأخيرة، يوصي الفريق بربط هذه البيانات قصيرة الأمد ببيانات طويلة الأجل، تتعلّق بعدد مرات القتال لدى الأفراد، وعدد أفراد النسل الذي يُنتجه أولئك الذين يقاتلون بشكل متكرر مقارنةً بغيرهم ممن نادرًا ما يشتبكون في صراعات.

يقول بيكسوتو: «من خلال معرفة متوسط عدد المعارك التي يخوضها الأفراد واختلاف معدلات أعمارهم، يمكننا تقدير ما إذا كان الأفراد الذين يشاركون في عدد أكبر أو أقل من القتالات يحققون نجاحًا إنجابيًا أكبر خلال دورة حياتهم».

ويضيف: «سيمكننا هذا الربط من فهم الديناميكيات التطورية التي تحكم صراعات الحيوانات، والتنازلات التي يضطر كل فرد إلى مواجهتها بشكل أعمق».

ترجمة: علاء شاهين

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *