بروتين سن متحجّر يعيد رسم شجرة نسب وحيد القرن

سن وحيد قرن قديم. حقوق الصورة: جامعة يورك
سن وحيد قرن قديم. حقوق الصورة: جامعة يورك

تمكّن العلماء من تتبّع شجرة النسب التطوّري لوحيد القرن، بعد نجاحهم في استعادة تسلسل بروتيني من سن متحجّر يعود إلى أكثر من 20 مليون سنة. وقد أظهرت هذه التسلسلات أن هذا النوع من وحيد القرن انشق عن السلالة الرئيسية خلال الفترة الممتدة من العصر الإيوسين الأوسط إلى أوائل العصر الأوليجوسيني، أي قبل نحو 41 إلى 25 مليون سنة.

كما ألقت البيانات الضوء على التباعد بين الفصيلتين الفرعيتين الرئيسيتين لوحيد القرن، الإلاسموثيريُم والكركدناوات، مشيرةً إلى أن الانقسام بينهما حدث في وقت أقرب مما أشارت إليه تحليلات العظام السابقة، وذلك خلال العصر الحديث اللاحق، قبل نحو 34 إلى 22 مليون سنة.

يُوسع النجاح في استخراج وتسلسل بروتينات مينا الأسنان القديمة من سن وحيد قرن متحجر الإطار الزمني المعروف لتسلسلات بروتينية قابلة للتحليل وذات قيمة تطورية، ليصبح أطول بعشرة أضعاف مقارنةً بأقدم حمض نووي قديم تم التعرف عليه حتى الآن.

شارك فريق من جامعة يورك في تأكيد قِدم البروتينات والأحماض الأمينية المستخرجة. وحلل الفريق سن وحيد القرن، الذي عُثر عليه في المناطق القطبية الشمالية العليا من كندا، باستخدام تقنية تُعرف باسم تحليل الأحماض الأمينية اليدوانية، بهدف فهم آليات حفظ البروتينات فيه بشكل أدق.

من خلال قياس مدى تحلل البروتين ومقارنته بمواد أخرى سبق تحليلها من وحيد القرن، تمكن الباحثون من التأكد من أن الأحماض الأمينية أصلية وموجودة داخل السن نفسه، وليست ناتجة عن تلوث لاحق. قال الدكتور مارك ديكنسون، المؤلف المشارك وباحث ما بعد الدكتوراه في قسم الكيمياء بجامعة يورك: «إنه لأمر مدهش أن تتيح لنا هذه الأدوات استكشاف المزيد عن الماضي.

واستنادًا إلى ما نملكه من معرفة حول البروتينات القديمة، بات بإمكاننا اليوم طرح أسئلة جديدة ومثيرة للاهتمام حول تطور الحياة القديمة على كوكب الأرض».

يحظى وحيد القرن باهتمام خاص نظرًا لتصنيفه الحالي كنوع مهدد بالانقراض، وفهم تاريخه التطوري القديم يساعدنا على فهم كيف أثرت التغيرات البيئية والانقراضات السابقة في تشكيل التنوع الذي نراه اليوم.

حتى الآن، اعتمد العلماء في تتبع التاريخ التطوري للأنواع المنقرضة منذ زمن بعيد على دراسة شكل وبنية الأحافير، أو مؤخرًا، على تحليل الحمض النووي القديم(aDNA) . مع ذلك، لا يبقى الحمض النووي محفوظًا في العادة لأكثر من مليون عام، ما يقلل من جدواه في استيعاب أعمق المحطات في المسار التطوري.

في حين عُثر على بروتينات قديمة في أحافير تعود إلى العصر الميوسيني الأوسط إلى المتأخر، أي منذ نحو عشرة ملايين سنة، فإن الحصول على تسلسلات مفصلة بما يكفي لإعادة بناء العلاقات التطورية بدقة كان يقتصر في السابق على عينات لا يتجاوز عمرها أربعة ملايين سنة.

تُوسع الدراسة الجديدة، المنشورة في مجلة نيتشر (Nature)، هذه النافذة بشكل كبير، مُظهرةً قدرة البروتينات على البقاء على مدى فترات زمنية جيولوجية شاسعة في ظل الظروف المناسبة.

قالت فضيلة منير، التي حللت السن كجزء من بحث الدكتوراه في قسم الكيمياء بجامعة يورك: «يُوفر التحليل الناجح للبروتينات القديمة من عينة بهذا القِدم منظورًا جديدًا للعلماء حول العالم ممن يمتلكون بالفعل حفريات مذهلة ضمن مجموعاتهم البحثية. وتُسهم هذه الأحفورة الاستثنائية في تعزيز فهمنا للماضي السحيق للنوع البشري والحياة على كوكب الأرض».

عُثر على هذه الأحفورة في منطقة من كندا تُغطيها التربة الصقيعية في الوقت الحاضر، ويشير الباحثون إلى أن مينا الأسنان، والبيئة الباردة نسبيًا التي وُجدت فيها، كان لهما دور جوهري في حفظ البروتينات لفترة زمنية طويلة.

يوفر مينا الأسنان بنية صلبة تعمل كسِقالة مستقرة، تُمكنه من حماية البروتينات القديمة من التحلل عبر الزمن الجيولوجي. وتُسهم صلابته، الناتجة عن تركيب معدني معقد، في تشكيل حاجز وقائي يُبطئ عمليات التحلل التي تطرأ على البروتينات بعد الوفاة.

قال البروفيسور إنريكو كابيليني، من معهد غلوب في جامعة كوبنهاغن: «قد تكون فوهة هوتون موقعًا استثنائيًا في مجال علم الحفريات؛ إذ تُشكل خزنة جزيئية حيوية تحمي البروتينات من التحلل عبر فترات زمنية جيولوجية طويلة». وتابع: «لقد أسهم تاريخها البيئي الفريد في خلق بيئة توفر مستوى غير معتاد من حفظ الجزيئات الحيوية القديمة، على غرار ما يحدث في بعض المواقع التي تُحفظ فيها الأنسجة الرخوة. ومن شأن هذا الاكتشاف أن يُحفز على تكثيف العمل الميداني في علم الحفريات بمناطق مختلفة من العالم».

وأضاف رايان سنكلير باترسون، باحث ما بعد الدكتوراه في المعهد ذاته: «يمثل هذا الاكتشاف نقلة نوعية في الطريقة التي ندرس بها الحياة القديمة».

ترجمة: علاء شاهين

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *