اكتشاف عظم في معصم ديناصور يُعيد تشكيل فهمنا لتطور الطيران

صورة تخيلية لديناصور من تحت رتيبة الأوفيرابتوريات يُدعى تشيتيباتي. يصور المشهد هذا الديناصور أثناء استراحته على كثيب رملي، وقد انتصب فجأة استجابة لمفاجأة ما، رافعًا ذراعيه في حركة تهديدية، ما يكشف عن معصميه ويُبرز عظم الرسغ الصغير المعروف باسم العظم الحمصي الذي تحرك من موضعه الأصلي (ظاهر باللون الأزرق في عرض الأشعة السينية). حقوق الصورة: هنري إس. شارب.

أظهر تحليل لحفريتين تعودان لديناصورين من رتيبة الثيروبودا أن كليهما كان يمتلك نوعًا من عظام الرسغ يُعرف باسم العظم الحمصي ويُعد من العناصر الأساسية في قدرة الطيور على الطيران.

يتحدى هذا الاكتشاف، الذي أجراه فريق من الباحثين بقيادة الدكتور جيمس نابولي من جامعة ستوني بروك، أبحاثًا سابقة كانت قد خلُصت إلى أن الديناصورات وحشيات الأرجل (الثيروبودا) لم تكن تمتلك عظمًا حمصيًا شبيهًا بما تمتلكه الطيور. نُشرت نتائج الدراسة في مجلة نيتشر (Nature)، وفتحت الباب أمام احتمال أن يكون تطور الطيران لدى الديناصورات قد انطلق من التحولات التي طرأت على بنية المعصم.

لطالما شكلت هوية أحد عظام الرسغ في معصم الطيور لغزًا علميًا على مدى سنوات، إلى أن أثبت الباحثون أنه العظم الحمصي(pisiform) . كان هذا العظم في الأصل عظمًا سمسميًا، يشبه الرضفة (صَابونة الركبة)، وقد انتقل من موضعه الأصلي في الرسغ ليحل محل عظم آخر يُدعى العظم الزندي. ويبدو أن موقعه في الطيور الحديثة يُسهم في تكوين وصلات تتيح للطيور طي أجنحتها تلقائيًا عند ثني المرفق.

تُبين البنية التشريحية لهذا العظم، بما في ذلك وجود تجويف واسع على شكل حرف V، أن للعظم الحمصي عند الطيور دورًا في تثبيت عظام الكف، ما يحول دون انفصالها أثناء الطيران. ولهذا، يُعد هذا العظم عنصرًا أساسيًا في الطرف الأمامي للطيور، ومكونًا لا غنى عنه في آلية الطيران.

تعود الحفريتان اللتان خضعتا للتحليل إلى نوعين من الديناصورات: الأول من عائلة الترودونتيدات، وهي مجموعة ديناصورات شبيهة بالطيور ترتبط قرابة وثيقة بـفيلوسيرابتور، أما الثاني، فمن تحت رتبة الأوفيرابتوريات، وهي ديناصورات عاشبة/لاحمة ذات هيئة غير مألوفة، تتصف بعنق طويل ومنقار عديم الأسنان.

تمكن الفريق التعرف على العظم الحمصي في هذه الديناصورات بفضل الحفظ الاستثنائي للحفريات، إلى جانب استخدام تقنية التصوير المقطعي المحوسب عالية الدقة التي مكنتهم من عزل عظام المعصم رقميًا. وقد تم توفير هذه الحفريات من خلال اتفاقية تعاون مع المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي والأكاديمية المنغولية للعلوم.

في مختبر العلوم التشريحية بجامعة ستوني بروك، يعرض الدكتور جيمس نابولي نموذجًا مطبوعًا بتقنية ثلاثية الأبعاد ليد ديناصور من عائلة الترودونتيدات، يُظهر العظم الحمصي في موضعه «المنتقل» الذي كان يُعتقد في السابق أنه خاص بالطيور فقط. حقوق الصورة: جون غريفين، جامعة ستوني بروك.

تُبين التصويرات ثلاثية الأبعاد بوضوح أن تلك العظام الرسغية الصغيرة الشبيهة بالخرز ليست سوى عظام حمصية منتقلة، وهي أول أمثلة من هذا النوع يتم التعرف عليها في ديناصورات غير طيرية، وقد حُفظت في حالة انتقالية ضمن مسارها التطوري.

يقول نابولي، المؤلف الرئيسي للدراسة، وعالم الأحافير الفقارية والبيولوجيا التطورية، والباحث في قسم العلوم التشريحية بكلية الطب «رينيسانس» في جامعة ستوني بروك: «نعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التعرف على عظم حمصي منتقل في ديناصور لاحم غير طيري».

ويضيف موضحًا: «لا نعرف حتى الآن على وجه التحديد عدد المرات التي اكتسبت فيها الديناصورات القدرة على الطيران، غير أن اللافت أن محاولات الطيران في هذه الكائنات بدأت بالظهور فقط بعد انتقال العظم الحمصي إلى مفصل الرسغ. ومن المحتمل أن يكون هذا التحول قد أسس للآليات الحركية الذاتية التي تميز الطيور المعاصرة. مع ذلك، تحتاج هذه الفرضية لمزيد من البحث وتحليل عظام معصم الديناصورات للتحقق من صحتها».

وبعد وضع نتائجهم في سياقها التطوري، توصل الباحثون إلى أن انتقال العظم الحمصي إلى موضعه المشابه لما هو عليه لدى الطيور لم يحدث داخل الطيور نفسها، بل تزامن مع نشوء مجموعة تُعرف باسم الريشيات الخاطفة (Pennaraptora) وهي فرع من الديناصورات وحشية الأرجل يضم الدرومايوصوريات مثل الفيلوسيرابتورات، والترودونتيدات، والعظائيات سارقة البيض. وتُعد هذه المجموعة نقطة الانطلاق التي بدأت فيها السمات الطيرية بالظهور، مثل الأجنحة المغطاة بالريش، وهي المجموعة التي تطور فيها الطيران مرة واحدة على الأقل، وربما تكرر ظهوره بشكل مستقل حتى خمس مرات.

يشير نابولي وزملاؤه في دراستهم إلى أن نتائجهم «تُظهر بوضوح أن الاستبدال الموضعي والوظيفي للعظم الزندي بالعظم الحمصي قد حدث في مرحلة أعمق بكثير من التاريخ التطوري للديناصورات الثيروبودية مقارنة مع ما كان يُعتقد سابقًا، وكان ذلك ضمن عملية تدريجية. فعلى مدى العقود القليلة الماضية، شهدت معرفتنا بتشريح الديناصورات وحشية الأرجل وتطورها تطورًا هائلًا، أظهرت خلاله العديد من الاكتشافات أن السمات التي كانت تُعد حكرًا على الطيور، مثل العظام رقيقة الجدران، والدماغ المتضخم، والريش، هي في الواقع سمات منتشرة في مجموعات أوسع من هذه الديناصورات. وتشير نتائجنا إلى أن تكوين معصم الطيور ليس استثناءً من هذه القاعدة، بل يتبع أنماطًا موضعية تعود أصولها إلى نشوء مجموعة الريشيات الخاطفة Pennaraptora».

ترجمة: علاء شاهين

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *