أبحاث على الجرابيات تكشف كيف تتكوّن الأجنة في الثدييات

اقترح باحثون في معهد فرانسيس كريك تفسيرًا محتملاً لسبب إزالة علامة فوق جينية أساسية خلال المراحل المبكرة من نمو الجنين، مرجّحين أن تكون هذه الآلية قد تطوّرت لدعم تكوّن المشيمة.

التغيرات فوق الجينية هي تعديلات كيميائية تطرأ على الحمض النووي دون أن تغيّر تسلسله الجيني الأساسي، وتعمل على تنظيم نشاط الجينات، فتحدد أيّها يُفعَّل وأيّها يبقى خاملاً، ما يجعلها أداة أساسية في التحكم بالتعبير الجيني خلال التطور والنمو.

تُعد مثيلة الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأكسجين (DNA methylation) من أبرز التعديلات فوق الجينية الموروثة بشكل واسع بين الثدييات، حيث تُمحى بالكامل من الجنين قبل مرحلة الانغراس في الرحم، وتشكل إحدى أولى المحطات في مسار التطور الجنيني. ومع أهمية هذه العملية، ظلّ السبب الكامن وراء هذا المحو الشامل غامضًا حتى وقت قريب.

افترض الباحثون أن عملية المحو المعروفة بتفكيك مثيلة الحمض النووي (DNA demethylation) تؤدي دورًا جوهريًا في مرحلة محددة من مراحل تطور الجنين لدى الثدييات، كأن تساهم في تفعيل الجينوم الجنيني أو في تمكين الخلايا الجنينية من التمايز إلى أنواع مختلفة من الخلايا. ولأن هذه العمليات تحدث بشكل متزامن في الثدييات الحقيقية، مثل الفئران والبشر، والمعروفة أيضًا باسم اليوثيريات (eutherians) — فقد تعذّر حتى الآن التمييز الدقيق بين الأثر الناتج عن نزع المثيلة وأثر العمليات الأخرى المصاحبة لها.

في دراسة نُشرت مؤخرًا في دورية Nature، أجرى فريق من معهد فرانسيس كريك أول تحليل من نوعه للتغيرات فوق الجينية في أجنة الجرابيات، وهي مجموعة تطورية انفصلت عن الثدييات الحقيقية قبل نحو 160 مليون سنة. ركّز الباحثون في دراستهم على حيوان الأبوسوم، الذي يتميّز بمعدل تطور أبطأ ومراحل نمائية أكثر تمايزًا ووضوحًا مقارنة بالثدييات المشيمية، وذلك بهدف تحديد العمليات الحيوية التي تعتمد على تفكيك مثيلة الحمض النووي.

أنشأ الباحثون خريطة شاملة لمثيلة الحمض النووي في بويضات الأبوسوم، وخلاياه المنوية، وأجنته، واكتشفوا أن مستويات المثيلة في البويضات والحيوانات المنوية كانت أكثر تقاربًا مما هي عليه في الثدييات الحقيقية (الثدييات المشيمية).

لكنهم وجدوا أن أجنة الأبوسوم، وخلافًا للثدييات الحقيقة، لا تمرّ بمرحلة تفكيك كاملة للمثيلة. بل على العكس، احتُفظ بمستويات المثيلة في المراحل الأولى من تطور الجنين، وفُقدت لاحقًا. واقتصر نزع المثيلة بدرجة كبيرة على نسيج داعم معيّن يُعرف بـ «التروفكتوديرم (trophectoderm)»، وهو ما يتطور لاحقًا ليُشكّل مشيمة الجرابيّات.

تُظهر هذه النتائج أن تفكيك المثيلة ليس شرطًا أساسيًا لتكوين الجنين المبكر لدى الثدييات، فجنين الأبوسوم يتطور دون إزالة كاملة لهذه العلامة فوق الجينية. وتشير النتائج إلى احتمالية أن يكون تفكيك المثيلة قد تطوّر بوصفه آلية داعمة لتكوين المشيمة.

قالت برايوني ليك، الباحثة السابقة في مرحلة الدكتوراه في مختبر بيولوجيا الكروموسومات الجنسية بمعهد كريك، وشاركها الرأي وزير فارسالي، المؤلف المشارك الأول والعالم الرئيسي في المختبر: «تُفضي إزالة المثيلة في المشيمة إلى تفعيل عناصر جينية متنقلة تُعرف بـ «الجينات القافزة (transposons)»، وتسهم بدورها في تعديل توقيت وموقع تفعيل الجينات المضيفة. يُعتقد أن لهذه التعديلات دور في جعل المشيمة من أسرع الأعضاء تطورًا ضمن أجهزة الجسم لدى الثدييات».

من جهته، قال جيمس تيرنر، قائد الفريق البحثي في مختبر بيولوجيا الكروموسومات الجنسية والمؤلف الرئيسي للدراسة: «شكل غياب التفكيك الشامل للمثيلة في الأبوسوم مفاجأة كبيرة، نظرًا لكون هذه العملية سمة مميزة لدى الثدييات المشيمية، ففي هذه الكائنات، يتكوّن نسيج التروفكتوديرم في مرحلة مبكرة جدًا من التطور الجنيني، وقد يكون محو المثيلة عن البنية الجنينية بأكملها ضروريًا لإتاحة المجال أمام أي من الخلايا للمساهمة في تشكيل هذا النسيج الداعم».

وأضاف: «العمل على الجرابيات لا يزال يدهشنا ويفاجئنا. فهي غالبًا ما تشكّل الاستثناء بين الثدييات، لكن هذه الخصوصية بالذات هي ما يجعلها تكشف لنا الكثير عن بيولوجيا الأنواع الأكثر شيوعًا، بما في ذلك البشر».

ترجمة: علاء شاهين.

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *