قريب بريطاني مبكر للسحالي يُعدّ من أوائل الكائنات المعروفة بتسلّق الأشجار
انقلبت حياة زاحف عاش قبل 166 مليون سنة رأسًا على عقب. ففي حين اعتُقد أن «مارموريتا أوكسونينسيس» كانت تسبح في البحيرات القديمة، كُشف من خلال أبحاث جديدة أنها كانت تقضي وقتها في تسلّق الأشجار بدلاً من ذلك.
باتت حفريات زواحف صغيرة تكشف المزيد عن الحياة في المملكة المتحدة خلال زمن الديناصورات.
كانت الفترة الجوراسية الوسطى، التي امتدّت من نحو 174 إلى 161 مليون سنة مضت، مرحلة حاسمة في تطوّر الحياة على الأرض. فقد بدأت مجموعات حيوانية كثيرة في التنوع إلى أشكال جديدة، لكن الحفريات من تلك الفترة نادرة للغاية.
ورغم أن الكثير من الأبحاث ركزت على الكشف عن ديناصورات من ذلك العصر، غالبًا ما يُغفل عن الزواحف الصغيرة التي عاشت إلى جانبها. إذ إن حفرياتها غالبًا ما تكون صغيرة الحجم وسيئة الحفظ، مما يجعل من الصعب معرفة كيف كانت تعيش.
ومن بين هذه الأنواع «مارموريتا أوكسونينسيس»، المعروفة من حفريات وُجدت في أوكسفوردشير وجزيرة سكاي. وقد عُثر عليها إلى جانب بقايا لحيوانات بحرية متنوعة، لذلك اعتُقد بأنها زاحف شبه مائي. لكن كشفت تقنيات المسح الحديثة أنها كانت تعيش في الأشجار بدلاً من الماء.
قاد الدكتور ديفيد فورد، الذي كرس مسيرته لدراسة الزواحف الأولى، البحث الجديد حول «مارموريتا».
يقول ديفيد: «من المهم ألا نكتفي باكتشاف أن نوعًا ما كان موجودًا، بل أن نعرف كيف عاش». ويضيف: «من خلال دراسة كائنات مثل مارموريتا، يمكننا استنتاج ما كان يجري خلال لحظات التفرّع في تطوّر الزواحف».
«إن النظر إلى عظام صغيرة لا يقل أهمية عن فحص عظم فخذ طوله متران، لأننا بحاجة لفهم الصورة الكاملة للحياة، وليس فقط الكائنات الكبيرة».
نُشر هذا البحث في مجلة «Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences».
معرفة أعمق عن الزواحف الحرشفية
تُعدّ «مارموريتا» من الزواحف الحرشفية الجذرية، وهي من أقرباء المجموعة التي تضم جميع السحالي والثعابين، بالإضافة إلى زاحف غريب يُعرف بـ«التواتارا». تُعتبر الزواحف الحرشفية واحدة من مجموعتي الزواحف الرئيسيتين، إلى جانب الأركوصورات، التي تشمل التماسيح والطيور والديناصورات.
ويُعتقد أن الزواحف الحرشفية والأركوصورات انفصلت عن بعضها قبل حوالي 260 مليون سنة، خلال العصر البرمي المتأخر، لكن هناك عددًا قليلًا جدًا من الحفريات المحفوظة جيدًا لأعضاء هاتين المجموعتين في بداياتهما. ونتيجة لذلك، يصعب تحديد كيف كانت أنماط حياة أوائل الزواحف الحرشفية.
يوضح ديفيد: «في الغالب، ما تبقى من هذه الحيوانات هو حفريات صغيرة وهشة لم نكن نمتلك التكنولوجيا الكافية لتحليلها إلا مؤخرًا». ويضيف: «في الماضي، كانت توضع في أحواض حمضية ويُستخرج ما بداخلها من الصخر ببطء».
«ورغم أنه كان يمكن فحص العظام تحت المجهر بعد ذلك،لكن كانت العلاقة بين الأجزاء المختلفة للهيكل العظمي في طور الفقدان».
لكن قلبت التطورات في تقنيات المسح الأمور رأسًا على عقب. إذ تتيح فحوصات الأشعة المقطعية للعلماء فحص العظام وهي لا تزال داخل الصخر، في حين تستخدم تقنية الإشعاع السنكروتروني أشعة سينية قوية لدراسة الحفريات بتفاصيل دقيقة.
ومع انتشار هذه التقنيات، بات استخدامها في الحفريات مثل «مارموريتا» أسهل وأقل تكلفة. إذ تُعدّ حفرياتها شديدة الهشاشة – جمجمتها لا يتجاوز طولها سنتيمترين، وعظام أصابعها لا تزيد عن عدّة مليمترات.
يضيف ديفيد: «لو كنا حضّرنا هذه الحفرية الصغيرة بطريقة تقليدية، لما استطعنا أبدًا فهم بيئة مارموريتا». «لكن باستخدام المسح السنكروتروني، استطعنا الوصول إلى دقة مذهلة سمحت لنا باستخلاص استنتاجات جديدة عن نمط حياتها».
كيف كانت حياة مارموريتا؟
عند فحص صور المسح، لاحظ الفريق أن يدي الزاحف لم تكن تشبه تلك الخاصة بزواحف مائية. إذ يُتوقع أن تكون زواحف سباحة من هذه الفترة قد امتلكت أصابع مفلطحة أو أغشية بينية لتشكيل سطح شبيه بالمجذاف يساعدها على الدفع في الماء.
لكن على العكس، كانت «مارموريتا» تمتلك عظامًا طويلة ومنحنية قرب أطراف أصابعها. وهذه سِمة مميزة للزواحف المتسلقة، إذ تساعدها الانحناءات على التشبّث بجذوع وفروع الأشجار.
وكان عمودها الفقري أيضًا أكثر صلابة مقارنة بزواحف مائية كثيرة، مما ساعدها على الحفاظ على توازنها عند التسلق عالياً فوق سطح الأرض. لكن ذلك وحده لم يكن كافيًا للجزم بأسلوب حياتها.
يقول ديفيد: «رغم أن مارموريتا بدت كزاحف متسلّق، كان علينا إثبات ذلك استنادًا إلى مورفولوجيا العظام المحفوظة». ويضيف: «قارنّا قياسات عظامها بزواحف حية، واستخدمنا تحليلات إحصائية لنؤكد أنها قضت جزءًا من حياتها على الأقل فوق الأشجار».
«وقد طورنا طريقة جديدة للمساعدة في ذلك، ونأمل أن تكون مفيدة لباحثين آخرين يدرسون بيئة الزواحف الصغيرة الأولى».
تشير مقارنات الفريق إلى أن «مارموريتا» كانت تعيش على الأشجار المحيطة ببحيرة استوائية دافئة، شبيهة إلى حد ما بمستنقعات المانغروف الساحلية الموجودة اليوم في المناطق الاستوائية.
ويبدو أن «مارموريتا» وأقرباءها لجؤوا إلى الأشجار لتفادي المفترسات الأرضية المحتملة. وقد يكون هذا أحد الأسباب التي تفسّر استمرار ازدهار السحالي حتى اليوم، بعد أكثر من 160 مليون سنة.
يضيف ديفيد: «قد يكون استغلال البُعد العمودي هو سرّ بقاء هذه الحيوانات». «وهو نفس الأسلوب الذي اتبعته بعض الثدييات الصغيرة خلال العصر الثلاثي، ويبدو أنه حقق نتائج إيجابية».
«ومع مواصلة دراستنا للزواحف الأولى، سنحصل على فكرة أوضح عن الطرق المتنوعة التي أصبحت من خلالها جزءًا كبيرًا من الحياة على كوكبنا. لا يزال هناك الكثير لنتعلمه، لكن معرفتنا بتطور الزواحف تتحسن باستمرار».
صورة 1: بينما كان يُعتقد أنّ «مارموريتا أوكسونينسيس» كانت سبّاحة، أظهر فحص أدق لحفرياتها أنّها في الواقع كانت تعيش على الأشجار.
صورة ضمن الملكية العامة من تصوير SeismicShrimp عبر ويكيميديا كومنز.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org