العظائيات سارقة البيض هي ديناصورات غريبة الشكل تشبه الطيور غير القادرة على الطيران. ولكن هذه الكائنات القديمة ليست مجرد حفريات مضحكة الشكل؛ فكما تُظهر أبحاث فريقي الجديدة المنشورة في مجلة الجمعية الملكية للعلوم المفتوحة Royal Society Open Science، يمكن لهذه الديناصورات أن تساعدنا في فهم كيفية تطور أطرافنا الأمامية، بل وتتحدى الأفكار السائدة حول الديناصور الطاغية ملك السحالي أو ما يعرف اختصارًا باسم التيرانوصور أو تي ريكس.
كانت هذه الديناصورات مغطاة بالريش ومزوّدة بمنقار قوي وحاد، وتفاوتت أحجامها بين حجم القطة المنزلية والزرافة. كان من الممكن بسهولة الخلط بينها وبين الطيور لولا المخالب الحادة في أطرافها الأمامية. عاشت العظائيات سارقة البيض خلال العصر الطباشيري (منذ حوالي 145 إلى 66 مليون سنة)، وكانت تنتمي إلى مجموعة من الديناصورات تُعرف باسم وحشيات الأرجل، وتضم غالبًا آكلات لحوم ذات عظام مجوفة، وتشمل التيرانوصور والفيلوسيرابتور.
تشترك الديناصورات وحشية الأرجل مع البشر بخاصية مشتركة ألا وهي المشي على قدمين واستخدام الأطراف الأمامية لوظائف غير الحركة. مع أن الأطراف الأمامية لبعض الديناصورات، مثل الطيور، تطورت لتصبح أجنحة واستخدمتها للطيران، تقلصت هذه الأطراف عند أنواع أخرى خلال رحلة تطورها. وتُعد الأطراف الأمامية القصيرة التي تفتقر إلى إصبع أو أكثر من أبرز ما يميز التيرانوصور، لكن العديد من وحشيات الأرجل الأخرى طورت أيضًا أذرعًا وأيادي أقصر.
ترسخت الفكرة السائدة بين العلماء بأن الأطراف الأمامية المختزلة لدى بعض الديناصورات عديمة الوظيفة منذ انتشار ورقة بحثية عام 1979 رجّحت تفضيل التطور لتضخم الرأس والأطراف الخلفية لدى التيرانوصور، فجاء تقليص الذراعين كنتيجة تطورية ثانوية. وانطلاقًا من هذه الفرضية، حلل فريقي في جامعة إدنبرة أنماط تطور الذراع لدى مجموعة من العظائيات سارقة البيض، متوقعين الوصول إلى أدلة على الترابط بين تراجع طول الذراع وفقدان الأصابع.
لكننا وجدنا العكس تمامًا. تُعد دراستنا أحدث مثال على تزايد الأدلة التي تشير إلى أن الأطراف الأمامية المختزلة لدى بعض وحشيات الأرجل احتفظت بوظائف معينة. سادت لفترة طويلة قناعة عامة بين علماء الحفريات تفترض أن تقلص الأطراف الأمامية وفقدان الأصابع لدى بعض الديناصورات كان انعكاسًا مباشرًا لغياب الحاجة لها أو لتوقفها عن استخدامها.
تُعد العظائيات سارقة البيض النموذج الأمثل لدراسة ظاهرة تراجع الأصابع في ديناصورات وحشية الأرجل. ومع أن الطيور الحديثة لا تنحدر مباشرة من هذه المجموعة، فهي تتقاطع مع العظائيات سارقة البيض في العديد من السمات؛ إذ كانت بلا أسنان، مزوّدة بمناقير، ومغطاة بالريش، وكانت تعتني بأعشاشها بعناية، تُرتب البيض في حلقات أنيقة وتُدفنه جزئيًا. وقد امتلك معظم أفرادها، ما عدا نوع واحد، أذرعًا طويلة بثلاثة أصابع مخلبية في كل يد، كانت مثالية للإمساك بالفريسة.
امتلك الديناصور أوكسوكو أفارسان ذراعين قصيرين وإصبعين وظيفيين فقط. عاش هذا النوع في منغوليا خلال أواخر العصر الطباشيري (منذ نحو 72 إلى 66 مليون سنة)، حيث تقاسم موطنه مع قريب ضخم للتيرانوصور يُعرف باسم تارباصور. من الناحية التشريحية، احتفظ أوكسوكو أفارسان بإصبع ثالث، إلا أن هذا الإصبع لم يكن يؤدي أي وظيفة، بل كان بقايا تطورية من سلالة كانت تعتمد على ثلاثة أصابع. المثير للانتباه أن شكل يد وذراع أوكسوكو أفارسان كان أقرب إلى بنية التيرانوصور أو التارباصور منه إلى أقاربه من العظائيات سارقة البيض.
يُعد فهم تطور الأطراف الأمامية لدى وحشيات الأرجل أمرًا بالغ الأمية، فهي من بين الكائنات القليلة التي اعتمدت على الحركة الثنائية على غرار الإنسان. ومع تحرر هذه الأطراف من وظيفة التنقل، سواء بالمشي أو التسلق أو الطيران، أصبحت قابلة للتكيف مع مهام جديدة. طوّرت بعض الأنواع أذرعًا طويلة وأصابع تساعدها على الإمساك بالأشياء، في حين اتجهت أخرى، مثل الديناصور أوكسوكو أفارسان، نحو وظائف مختلفة أكثر تخصّصًا.
تكشف أبحاث فريقي، التي تناولت التغيرات الزمنية في أطوال عظام الذراع، أن فقدان الإصبع الثالث لدى هذه الديناصورات لم يكن ناتجًا عن تقصير الذراع نفسه، بل حدث عبر مسار تطوري مستقل. وهذا ما يتناقض مع الفرضية القائلة بأن الأطراف الأمامية فقدت وظيفتها. فلو كان تقلص الذراع نتيجة لعدم استخدامه، لكان من المنطقي أن تتقلص الأصابع مع الذراع وبالوتيرة ذاتها، غير أن ما رصدناه يشير إلى أن تراجع طول الذراع سبق فقدان الإصبع.
تمثيل تطوري يُظهر كيفية تغيّر طول عظم العضد مقارنةً بعظم الفخذ عبر السلالة التطورية لوحشيات الأرجل من العظائيات سارقة البيض.
كشفت دراسات سابقة أن مجموعة من العظائيات سارقة البيض تُعرف باسم «زاحفة هيوان (Heyuanninae)» وسّعت نطاقها الجغرافي خلال أواخر العصر الطباشيري، منذ نحو 100 إلى 94 مليون سنة. فقد انتقلت من المناطق التي تشكل اليوم جنوب الصين إلى صحراء غوبي الممتدة شمال الصين وجنوب منغوليا. تزامن هذا التوسع مع تراجع ملحوظ في أطوال أطرافها الأمامية، ما يشير إلى احتمال وجود علاقة بين التغير البيئي والتحولات الشكلية التي طرأت عليها.
لاحقًا، فقد الديناصور أوكسوكو أفارسان إصبعه الثالث بالكامل. وبينما امتلك بعض أقربائه إصبعًا ثالثًا قصيرًا نسبيًا، لم يُظهر أيٌّ منهم درجة الاختزال الشديدة في طول الإصبع التي تميز بها أوكسوكو.
من المرجح أن تقليص الذراع وفقدان الأصابع لدى هذه الفئة من الديناصورات كانا استجابة لتغير بيئي جديد. فمع انتقالها إلى صحراء غوبي، واجهت ظروفًا مختلفة تتطلب التكيف مع مصادر غذاء جديدة أو مجابهة مفترسات غير مألوفة. ويبدو أن البيئة الصحراوية كانت تفضل الديناصورات ذات الأذرع الأقصر والأصابع الأقل، ما ساهم في تطور أطراف أمامية قصيرة تحوي إصبعين وظيفيين فقط.
وترجّح دراستنا أن هذه الأطراف طوّرت وظيفة جديدة بالكامل، إذ من المحتمل أن الديناصور أوكسوكو أفارسان استخدم ذراعيه في الحفر. فقد فقد إصبعه الثالث، بينما تميّز الإصبع الأول بتركيبة مختلفة تمامًا؛ إذ كان سميكًا، قوي البنية، وينتهي بمخلب كبير. تُظهر العلامات والنتوءات على العظام في مواضع ارتباط العضلات أن ديناصور أوكسوكو تمتع بعضلات ذراع قوية وصلبة. بدلًا من استخدام أطرافه للإمساك والامتداد كما تفعل باقي العظائيات سارقة البيض، من المحتمل أنه استغل أطرافه الأمامية الصغيرة والقوية في الحفر السطحي، سواء للبحث عن الغذاء كجذور النباتات والحشرات المختبئة، أو لبناء الأعشاش داخل الأرض.
كانت الحفرية النموذجية لأوكسوكو (الحفرية التي تم بموجبها تسمية النوع الجديد) هي الأهم في تحليلنا. اكتُشفت هذه الحفرية في الأصل على يد مهربين في منغوليا، وكانت مهددة بأن تُفقد إلى الأبد. غير أن السلطات صادرتها عند الحدود عام 2006، ونُقلت لاحقًا إلى معهد علم الحفريات، لكنها لم تخضع لدراسة شاملة إلا بحلول عام 2020. وكانت البنية الفريدة لذراعي أوكسوكو، المكوّنتين من إصبعين فقط، هي ما أثار اهتمامنا ودفعنا إلى التعمق في دراسة تطور الأصابع لدى هذه المجموعة من الديناصورات.
ورغم التشابه الظاهري في حجم وشكل الأطراف الأمامية بين الديناصور أوكسوكو أفارسان والتيرانوصور، من غير المحتمل أن تكون وظيفتها لدى كليهما واحدة. فقد كان أوكسوكو عاشبًا صغير الحجم، بينما كان التيرانوصور مفترسًا ضخمًا إلى حد يعوقه حتى عن ملامسة الأرض بذراعيه في حال حاول الحفر. غير أن أوكسوكو يقدم لنا دليلاً واضحًا على أن الأطراف الأمامية لدى وحشيات الأرجل يمكن أن تتقلص وتفقد أصابعها دون أن تفقد بالضرورة وظيفتها، ما يدفعنا للتساؤل: هل كانت ذراعا التيرانوصور عديمتي الفائدة حقًا كما يُصوَّر عادة؟
تكشف أبحاث فريقي الأخيرة أن فرضيتنا الأولى التي ربطت بين تقليص الذراعين وفقدان الأصابع وبين تعطلهما الوظيفي لدى العظائيات سارقة البيض قد لا تكون دقيقة. فالأدلة تشير إلى أن هذه التغيرات كانت استجابة لتحديات بيئية جديدة، واقترنت بتبني وظائف مختلفة. وهو ما يقدم مثالًا حيًا على قدرة التطور على إعادة تشكيل الأطراف الأمامية لتتلاءم مع بيئات واستعمالات متنوعة.
ويمثل هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو فهم الكيفية التي طوّرت بها الثيروبودات هذا التنوع اللافت في أشكال وأحجام أطرافها الأمامية.
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org