شجرة عائلة الرخويات تساعد في الإجابة على أسئلة تطورية عالقة منذ زمن طويل

تمكّن فريق دولي من العلماء من حلّ عدد من الأسئلة التطورية العالقة منذ زمن طويل حول الرخويات، إحدى أكثر المجموعات الحيوانية تنوعًا على وجه الأرض. وقد أعادت الدراسة، التي نُشرت في مجلة Science، بناء شجرة النسب التطورية للرخويات مستندةً إلى تحليل جينومي شامل، مما أتاح فهماً أعمق لمسار تطورها عبر العصور.

يُعدّ البروفيسور خوان موليس، من كلية البيولوجيا ومعهد أبحاث التنوع البيولوجي (IRBio) في جامعة برشلونة، الممثل الوحيد للمؤسسات الإسبانية في هذه الدراسة، التي جاءت لتُجيب عن نقاشات علمية استمرت لعقود.

في هذه الدراسة، حلّل الفريق جينومات 77 نوعًا من الرخويات تُمثّل ثماني مجموعات رئيسية من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك أنواع أقل شهرة مثل وحيدات اللوح التي تعيش في أعماق البحار والسولينوغاستريات (Solenogastres) وهي رخويات لها شكل شبيه بالدود تعيش في أعماق سحيقة.

من الرخويات ثنائية الصدفة المجهرية إلى الحبار العملاق، ومن حلزون الحدائق الشائعة إلى حلزونات الينابيع الحرارية المغطاة بقشور حديدية، تتمتع الرخويات بقدرة ملحوظة على التكيف والازدهار في طيف واسع من المواطن، بما في ذلك قاع البحر والنظم البيئية الساحلية والمياه العذبة والأنظمة البيئية الأرضية.

يسلط هذا البحث الضوء على التنوع الاستثنائي في شكل جسم وحجم، وسلوك، وموطن، وجينوم الرخويات، التي يقدر عدد الأنواع الموصوفة منها بنحو 100,000 نوع، فضلاً عن العديد من الأنواع الأخرى التي لا تزال غير مكتشفة.

منظور جينومي جديد لشجرة حياة الرخويات

رغم أهميتها البيئية والاقتصادية، ظلّ فهم العلاقات التطورية للرخويات شديد التعقيد، نتيجة تضارب الأدلة المستخلصة من دراسات الحفريات وخصائصها الشكلية والجينية.

تتوافق شجرة النشوء والتطور الجديدة المستندة إلى التحليل الجينومي لشعبة الرخويات مع كل من السجل الأحفوري والبيانات الشكلية، مؤكدة الأصل المشترك للرخويات.

«بات بإمكاننا اليوم رسم صورة أوضح للسلف المحتمل الذي تنحدر منه جميع الرخويات، من حلزونات الحدائق إلى أخطبوطات أعماق البحار»، بحسب ما أوضحه الباحث زيوان تشن، المؤلف الأول للدراسة وعالم المعلوماتية الحيوية في معهد سينكنبرغ للأبحاث ومتحف التاريخ الطبيعي في فرانكفورت (ألمانيا).

«تشير الأدلة إلى أن هذا السلف كان يمتلك صدفة صلبة، وقدمًا للحركة، وكان يفتقر إلى العيون، ويعتمد في تغذيته على المبرد، وهو عضو متخصص في الكشط والتغذية»، يوضح تشن.

الجينومات تُعيد رسم الفروع التطورية للرخويات

أكدت الدراسة أن السلالة التطورية للرخويات انقسمت في وقت مبكر إلى مجموعتين رئيسيتين تُعرفان باسم أكوليفيرا  (Aculifera)وكونكيفيرا (Conchifera). تضم مجموعة أكوليفيرا أنواعًا تحتوي أشواكًا دقيقة تشبه الإبر، وأحيانًا أصدافًا، في حين تشمل كونكيفيرا المجموعات التقليدية من الرخويات، بما في ذلك الحلزونات والصدفيات ورأسيات الأرجل كالأخطبوط والحبار.

أسهمت النتائج في حسم نقاش تطوري كلاسيكي بشأن العلاقات بين بعض مجموعات الرخويات، حيث تبيّن أن وحيدات اللوح، وهي رخويات بدائية بلا رأس وتغطيها صدفة، تمثّل أقدم فرع في مجموعة كونكيفيرا، تليها رأسيات الأرجل مثل الحبار والسبيدج والأخطبوط.

الأنواع المتبقية ضمن مجموعة كونكيفيرا تُشكّل فرعًا يُعرف باسم ميغالوبوديفيرا (Megalopodifera) بمعنى الرخويات ذات القدم الكبيرة والتي تشمل الأصداف النابية إلى جانب المحار الملزمي والحلزونات والبزاقات.

يضيف زيوان تشن: «تتمتع الرخويات بتنوع جيني هائل، وهو ما قد يشكل تحديًا في تتبع مسارها التطوري، لكنه في الوقت نفسه قد يفسر من قدرتها الاستثنائية على التكيف مع بيئات متباينة، بدءًا من أعماق المحيطات ووصولًا إلى المناطق القارية الجافة».

يقول البروفيسور خوان موليس، من قسم البيولوجيا التطورية والبيئة والعلوم البيئية في جامعة برشلونة: «توفر هذه الدراسة أساسًا راسخًا لفهم تطور وبيولوجيا إحدى أنجح المجموعات الحيوانية من الناحية التطورية على كوكب الأرض»، ويتابع: «يمككنا فهم الرخويات من البدء في الإجابة عن أسئلة جوهرية تتعلق بكيفية تنوّع الحياة وتكيّفها مع الظروف المحيطة عبر الزمن».

تتجاوز أهمية هذه النتائج حدود المعرفة التطورية، إذ تفتح آفاقًا واسعة لتطبيقات محتملة في مجالات مثل التكنولوجيا الحيوية وحماية البيئة، مع انعكاسات بارزة تمتد من العلوم البيئية إلى الطب الحيوي، خاصة وأن بعض أنواع الرخويات تُستخدم كنماذج بحثية لدراسة صحة الإنسان والأمراض.

ويتطلع فريق البحث إلى توسيع نطاق الدراسة مستقبلًا من خلال تحليل أنواع إضافية، لاستكشاف كيف أسهم التنوع الجيني في نشوء سمات جديدة داخل شعبة الرخويات.

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *