ثورة الذكاء الاصطناعي: كشف أسرار 300 مليون سنة من تطور الدماغ

في دراسة حديثة نُشرت في مجلة Science، بحث فريق علمي بلجيكي في كيفية تصنيف أنواع خلايا الدماغ عبر الكائنات المختلفة من خلال المفاتيح الجينية التي تنظم نشاط الجينات. استخدم الباحثون نماذج تعلم معمق Deep Learning مدرَّبة على بيانات من أدمغة الإنسان والفأر والدجاج، وكشفوا أن بعض أنواع الخلايا ظلت محفوظة بين الطيور والثدييات عبر ملايين السنين من التطور، بينما خضعت أنواع أخرى لتغيرات كبيرة بطرق مختلفة.

لا تقتصر هذه النتائج على تسليط الضوء على تطور الدماغ فحسب، بل توفر أيضًا أدوات قوية لدراسة كيفية تنظيم الجينات لوظائف الخلايا المختلفة، سواء عند مقارنة الأنواع الحية ببعضها البعض أو عند دراسة تأثير الأمراض على تنظيم الجينات داخل الخلايا.

يتكون دماغنا، ومعه أجسادنا بالكامل، من أنواع مختلفة من الخلايا، ومع أنها تحمل نفس الحمض النووي  (DNA)، لكل منها شكله الخاص ووظيفته المميزة. يعود هذا الاختلاف إلى مقاطع قصيرة من الحمض النووي تعمل كمفاتيح تتحكم في تشغيل أو إيقاف الجينات. على مدار عقود، يسعى الباحثون إلى فك لغز طريقة عمل المفاتيح وتجميع أجزائه لفهم كيفية تحديد هوية كل نوع من الخلايا.

يضمن التنظيم الدقيق لهذه المفاتيح استخدام كل نوع من خلايا الدماغ التعليمات الجينية المناسبة من الجينوم لأداء دوره الفريد. ويُطلق العلماء على الأنماط الفريدة لهذه المفاتيح الجينية مصطلح «الشيفرة التنظيمية».

استخدام الذكاء الاصطناعي لفك الشيفرة

يدرس البروفيسور ستاين آرتس وفريقه في VIB.AI ومركز VIB-KU Leuven لأبحاث الدماغ والأمراض المبادئ الأساسية لهذه الشيفرة التنظيمية وتأثيرها المحتمل على أمراض مثل السرطان والاضطرابات الدماغية. ويعملون على تطوير أساليب التعلم المعمق لفهم كميات هائلة من المعلومات حول تنظيم الجينات جُمعت من آلاف الخلايا الفردية.

يقول آرتس: «ساعدتنا نماذج التعلم المعمق في تحليل كود تسلسل الحمض النووي بشكل كبير، ما مكننا من تحديد الآليات التنظيمية التي تتحكم في أنواع الخلايا المختلفة. والآن، نسعى إلى معرفة ما إذا كان هذا الكود التنظيمي يوضح مدى احتفاظ هذه الخلايا بخصائصها عبر الأنواع المختلفة».

يكتسب هذا السؤال أهمية خاصة عند دراسة الدماغ، إذ تُظهر أدمغة الثدييات والطيور، رغم تشابه مساراتها التنموية، اختلافات ملحوظة في بنيتها العصبية. ولتحديد ما إذا كانت هذه الفروقات والتشابهات تنعكس في رموز تنظيمية مشتركة أو متباينة، استعان آرتس وفريقه بنماذج التعلم العميق لتحليل هذه العلاقة بدقة.

أداة لدراسة التطور

قام نيكولاي هيكر، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر آرتس، وزميله طالب الدكتوراه نيكلاس كيمبينك، بتطوير وتنفيذ نماذج تعلم آلي متقدمة لتصنيف ومقارنة أنواع الخلايا المختلفة في أدمغة الإنسان والفأر والدجاج، ما وفر رؤية شاملة تمتد عبر 320 مليون سنة من التطور.

ولكن قبل أن يتمكنوا من إجراء مقارنة حقيقية، كان عليهم أولًا فهم تكوين أنواع الخلايا في دماغ الدجاج بشكل أفضل، فقاموا بإنشاء أطلس شامل للجينوم.

يعلق هيكر: «تكشف دراستنا كيف يمكن الاستفادة من التعلم المعمق لتحليل وتصنيف أنواع الخلايا المختلفة بناءً على رموزها التنظيمية».

ويضيف: «يمكننا استخدام هذه الرموز لمقارنة جينومات الكائنات المختلفة، وتحديد أي من هذه الرموز ظل محفوظًا خلال رحلة التطور، ما يمنحنا فهمًا أعمق لكيفية تطور أنواع الخلايا».

اكتشف الفريق أن بعض الرموز التنظيمية ظلت محفوظة بشكل كبير بين الطيور والثدييات، بينما خضعت أخرى لتغيرات ملحوظة. ومن اللافت أن الرموز التنظيمية لبعض الخلايا العصبية لدى الطيور تشبه تلك الخاصة بالخلايا العصبية العميقة في القشرة الجديدة للثدييات.

يعلق كيمبينك: «تفتح دراسة الكود التنظيمي بشكل مباشر لنا آفاقًا أوسع، إذ تتيح لنا التعرف على المبادئ التنظيمية المشتركة بين الأنواع، حتى مع حدوث تغييرات في تسلسل الحمض النووي نفسه».

أداة لدراسة المرض

لا تقتصر أهمية هذه المعلومات التنظيمية على فهم التطور فحسب، بل تمتد أيضًا إلى دراسة الأمراض. فقد أظهر آرتس وفريقه في أبحاث سابقة أن الرموز التنظيمية لخلايا سرطان الجلد (الميلانوما) ظلت محفوظة بين الثدييات وأسماك الزرد، كما تمكنوا من تحديد طفرات جينية لدى مرضى الميلانوما.

المصدر: phys.org

ترجمة: علاء شاهين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *