الموت المُبرمج: كيف تُطعم البكتيريا جيرانها بعد فنائها؟

تقدم نظرية داروين في الانتقاء الطبيعي تفسيرًا لسبب تطوير الكائنات الحية لصفات تعينها على البقاء والتكاثر. ونتيجة لذلك، غالبًا ما يُنظر إلى الموت على أنه فشل، وليس كعملية تشكلت بفعل التطور.

لا بد للكائنات الحية عند موتها أن تتحلل جزيئاتها ليُعاد استخدامها من قبل كائنات أخرى. ويُعد هذا الدوران الحيوي للعناصر الغذائية ضروريًا لنمو الحياة الجديدة.

أظهرَت دراسة قادها البروفيسور مارتن كان من قسم علوم الأحياء في جامعة دورهام أن نوعًا من بكتيريا الإشريكية القولونية ينتج إنزيمًا يعمل على تحليل محتويات خلاياه إلى عناصر غذائية بعد الموت. وهكذا، تقدم هذه البكتيريا الميتة وليمةً غنية بالعناصر الغذائية للخلايا التي كانت بمثابة جيران لها أثناء حياتها.

نشرت الدراسة الدراسة في مجلة ناتشر كوميونيكيشينز Nature Communications

قال البروفيسور كان: «لطالما اعتبرنا الموت نقطة النهاية التي يتلاشى عندها الكائن الحي ويتحلل ليصبح مجرد فريسة خاملة تقتات عليها بقية الكائنات».

«لكن ما أثبتته هذه الدراسة هو أن الموت ليس نهاية للعمليات البيولوجية المنظمة التي تستمر داخل الكائن الحي».

«هذه العمليات لا تتوقف عند الموت، بل تستمر بعده، وقد نشأت عبر مسار التطور الطبيعي لأداء دور محدد حتى بعد وفاة الكائن الحي».

« يستدعي هذا الأمر إعادة النظر جذريًا في مفهومنا عن موت الكائنات الحية».

شارك في تأليف الدراسة البروفيسور ويلسون بوون من كلية الفيزياء وعلم الفلك في جامعة إدنبرة. استلهم بوون فكرة البحث بعد أن طرح بعض الأسئلة التي اعتقد أنها لا تزال بلا إجابة حول سبب موت الكائنات الحية بالطريقة التي تموت بها.

اجتمع الباحثون وأدركوا أنهم كشفوا مجالًا جديدًا محتملًا في علم الأحياء، وهو العمليات التي تطورت لتؤدي وظائفها بعد الموت.

قال البروفيسور كان «تبقى سؤال محير: كيف يمكن لإنزيم يستمر في أداء وظيفته بعد الموت أن يكون قد تطور في الأساس؟»

«عادةً ما نميل إلى الاعتقاد بأن التطور يؤثر على الكائنات الحية، وليس على الكائنات الميتة».

«أما الحل، فهو أن الخلايا المجاورة التي تستفيد من العناصر الغذائية للخلايا الميتة تكون غالبًا ذات صلة استنساخية بالخلايا الميتة».

«وبالتالي، فإن الخلية الميتة تقدم العناصر الغذائية لأقاربها، على نحو يشبه الطريقة التي تساعد بها الحيوانات غالبًا في إطعام أفراد عائلتها الأصغر سنًا».

وأضاف البروفيسور ستيوارت ويست، المؤلف المشارك من جامعة أكسفورد: «هذا أمر لم نشهده من قبل—يعادل تحوّل حيوان الشرقاط الميت فجأةً إلى كومة من البيض المسلوق يمكن التهامها من قبل أفراد مجموعته».

تُظهر هذه النتيجة أن العمليات التي تحدث بعد الموت، تمامًا مثل العمليات التي تحدث أثناء الحياة، يمكن أن تكون منتظمة بيولوجيًا وخاضعةً للتطور.

وقد تكون الجزيئات الحيوية التي تنظم العمليات بعد الموت أهدافًا واعدة في المستقبل لمكافحة الأمراض البكتيرية، أو مرشحةً لتعزيز نمو البكتيريا في التطبيقات الحيوية والتقنيات الحيوية.

ويشير البروفيسور بوون إلى أن نمذجة هذه العمليات باستخدام أدوات الفيزياء الإحصائية قد توفر مبادئ تصميم مفيدة للبشر، خاصةً مع توجهنا نحو اقتصاد دائري أكثر تكاملاً، حيث تيصبح إعادة التدوير عنصرًا أساسيًا من البداية.

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *