اكتشاف جمجمة شبه مكتملة يكشف عن مفترس شرس بحجم النمر على قمة الهرم الغذائي

تصوّر فني لشكل الباستيتودون المحتمل. المصدر: أحمد مرسي

أسفر اكتشاف نادر لجمجمة شبه مكتملة في صحراء مصر عن كشف علمي يمكن أن يوصف بالـ «حُلم»، إذ حدد العلماء نوعًا جديدًا من المفترسات الضارية، المنتمية إلى فصيلة الضبعيات السنية، يعود تاريخه إلى نحو 30 مليون سنة.

يحمل الكائن المكتشف حديثًا، والذي أطلق عليه اسم «باستيتودون» أسنانًا حادة وعضلات فك قوية ما يشير إلى امتلاكه لقوة عضٍّ هائلة. كان هذا الثديي المخيف، الذي يقارب حجمه حجم النمر، يتربع على قمة الهرم الغذائي بين جميع آكلات اللحوم في عصره عندما كان أسلافنا من الرئيسيات الشبيهة بالقرود في المراحل التطورية الأولى.

وتوضح النتائج، التي نُشرت في مجلة علم الحفريات أن الكائن الشرس المكتشف كان على الأرجح يفترس الرئيسيات، وأسلاف أفراس النهر، والسلالات الأولى للفيلة، وحيوان الوبر في الغابات الكثيفة التي كانت تغطي منطقة الفيوم في مصر، التي تحولت اليوم إلى صحراء قاحلة.

إعادة بناء باستيتودون سيرتوس المصدر: البروفيسور هشام سلام

تصف عالمة الأحافير والمؤلفة الرئيسية للدراسة، شروق الأشقر، من جامعة المنصورة والجامعة الأمريكية بالقاهرة، الاكتشاف قائلة: «على مدى أيام، نقّب الفريق بصورة دقيقة في طبقات صخرية يعود تاريخها إلى نحو 30 مليون سنة. وعندما كنا على وشك الانتهاء من عملنا، لاحظ أحد أعضاء الفريق شيئًا مذهلًا؛ مجموعة كبيرة من الأسنان بارزة من الأرض. نادى الجميع بحماس، وجمع الفريق حوله، ليبدأ بذلك اكتشاف استثنائي: جمجمة شبه مكتملة لمفترس ضارٍ كان يتربع على قمة السلسلة الغذائية. كان الأمر بمثابة حلم يتمنى كل عالم أحافير متخصص في الفقاريات تحققه».

ينتمي الباستيتودون إلى فصيلة منقرضة من الثدييات آكلة اللحوم تُعرف باسم الضبعيات السنية. تطورت هذه الكائنات قبل ظهور المفترسات الحديثة مثل القطط والكلاب والضباع. وكانت الضواري، ذات الأسنان الشبيهة بأسنان الضباع، تهيمن على النظم البيئية في إفريقيا بعد انقراض الديناصورات.

البروفيسور هشام سلام، المؤلف الرئيسي المشارك وعضو فريق مختبر سلام خلال بعثة الاكتشاف. المصدر: البروفيسور هشام سلام

أطلق الفريق، المعروف باسم «مختبر سلام»، اسم «باستيتودون» (Bastetodon) على العينة المكتشفة، تيمنًا بالإلهة المصرية القديمة باستيت ذات الرأس القططي التي كانت رمزًا للحماية والمتعة والصحة الجيدة. ويعكس هذا الاسم ارتباط الاكتشاف بموقعه، حيث عُثر على الحفرية في الفيوم بمصر، وهي منطقة تشتهر بأهميتها في مجال الحفريات والآثار المصرية القديمة. كما يشير الاسم أيضًا إلى مقدمة الرأس القصيرة المشابهة لمقدمة رأس القطط، والأسنان الحادة التي تميز هذا المفترس الشرس، الذي كان بحجم النمر («odon» تعني «سن» باللغة اليونانية).

استُخرجت جمجمة الباستيتودون خلال بعثة مختبر سلام إلى منخفض الفيوم الذي يُعد نافذة زمنية فريدة من نوعها تتيح دراسة نحو 15 مليون سنة من التاريخ التطوري للثدييات في إفريقيا. لا يوثق هذا الإطار الزمني الانتقال من الفترة الفجرية (أو الفترة الإيوسينية)، التي شهدت ارتفاعًا عالميًا في درجات الحرارة، إلى الفترة الصحوية (العصر الأوليغوسيني)، التي تميزت بانخفاض درجات الحرارة، فحسب، بل يكشف أيضًا عن الدور الحاسم الذي لعبته هذه التغيرات المناخية في تشكيل النظم البيئية التي ما زالت قائمة حتى اليوم.

لم يُعد اكتشاف باستيتودون تعريف نوعٍ جديدٍ من الكائنات القديمة فحسب، بل مكّن الفريق البحثي من إعادة تقييم مجموعة من الضبعيات السنية العملاقة التي تقارب بحجمها حجم الأسود، والتي عُثر على حفرياتها في صخور الفيوم قبل أكثر من 120 عامًا.

وفي دراستهم، قام الفريق بوصف وتصنيف جنس جديد أطلقوا عليه اسم «سخمتوبس» لوصف هذه الحفريات التي عُثر عليها قبل قرن من الزمن. اختير الاسم تكريمًا للإلهة المصرية القديمة سخمت، ذات الرأس الأسدي، آلهة الغضب والحرب في الأساطير المصرية القديمة. أما اللاحقة «-ops» فهي مشتقة من اللغة اليونانية وتعني «شبيه بـ» أو «وجه».

يعود تاريخ اكتشاف حفريات سخمتوبس إلى عام 1904، إذ صُنفت آنذاك ضمن مجموعة من الضبعيات السنية الأوروبية. لكن الفريق البحثي أثبت أن باستيتودون وسخمتوبس ينتميان في الواقع إلى مجموعة من الضبعيات السنية التي نشأت في إفريقيا. من المثير للاهتمام أن الإلهة باستيت كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإلهة سخمت في مصر القديمة، ما يجعل من هذين الجنسين متصلين علميًا ورمزيًا.

أظهرت الدراسة أن أقارب باستيتودون وسخمتوبس انتشروا من إفريقيا على موجات متتابعة، ووصلوا في نهاية المطاف إلى آسيا، وأوروبا، والهند، وأمريكا الشمالية. وأصبحت بعض هذه الضبعيات السنية منذ 18 مليون سنة مضت من أضخم الثدييات اللاحمة التي جابت الأرض على الإطلاق.

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *