استكمال «الشجرة الزمنية» للرئيسيات: منهجية جديدة لرسم خريطة التاريخ التطوري للحياة على الأرض

شجرة زمنية لـ 455 نوعًا من الرئيسيات

ضمن دراسة حديثة نُشرت في مجلة فرونتير إن بايوإنفورماتكس، وضع الباحثون في علم الأحياء، الدكتور جاك إم كريج وزميلاه، الدكتور بلير هيدجز والدكتور سودير كومار من جامعة تمبل، شجرة تطورية تضم 455 من أنواع الرئيسيات استنادًا إلى البيانات الوراثية المتاحة لكل منها. وتُعد هذه الشجرة الأكثر اكتمالًا من نوعها، حيث تُظهر الإطار الزمني التطوري لكامل رتبة الرئيسيات، بما في ذلك القرود، والقردة العليا، والليمورات، واللوريسيات، والدعفوصيات.

في المقال الافتتاحي، يوضح الدكتور كريج الخطوات المُتَّبعة لإعداد مخطط زمني شبه مُكتمل للرئيسيات، ويُبيّن أهمية هذه البيانات:

تضم رتبة الرئيسيات، بالإضافة إلى أقرب أقربائنا على كوكب الأرض وهي القردة العليا السبعة، أكثر من 450 نوعًا من القرود والليمورات واللوريسات والدعفوصيات. تُظهر الرئيسيات تنوعًا مذهلًا، بدءًا من الغوريلا التي يبلغ وزنها نحو 181 كيلوجرامًا (400 رطل) والليمور الفأري (ميكروسيبوس) الذي لا يتعدى وزنه 28 جرامًا (أونصة واحدة). تُظهر هذه الكائنات بعضًا من أكثر السلوكيات الرائعة التي لوحظت في الطبيعة؛ إذ تقوم حيوانات الشمبانزي بـ «صيد» النمل الأبيض في جذوع الأشجار المجوفة باستخدام عصي مختارة خصيصًا، بينما يستخدم إنسان الغاب الأوراق كقفازات للتعامل مع فاكهة الدوريان الشائكة.

تُصنَّفُ هذه الأنواع ضمن الكائنات الحية الأكثر دراسة على كوكب الأرض، مع ذلك، لا توجد فرضية شاملة للتطور الجزيئي لتاريخ الرئيسيات التطوري، والتي تُوجِزُ نمط وتوقيت جميع العلاقات بين الرئيسيات.

يستخدم هذا النوع من الأشجار التطورية بيانات التسلسل الجزيئي لتحديد تاريخ ظهور الأنواع أو مجموعات الأنواع، وتحديد علاقات القرابة الوثيقة بينها على امتداد الشجرة. حتى الآن، تشمل أكبر شجرة تطورية جزيئية مؤقتة للحياة، والتي تُعرف باسم «الشجرة الزمنية»، ما يزيد قليلاً عن 200 نوع من الرئيسيات، في حين تعتمد أكبر شجرة زمنية اصطناعية (مُركّبة) على أكثر من 4000 دراسة منشورة، بالكاد تضاعف هذا العدد، ما يترك حوالي خُمس شجرة حياة الرئيسيات دون حل.

لماذا نحتاج إلى أشجار تطورية كاملة

لا يمكن التقليل من أهمية الأشجار التطورية المحددة زمنيًا التي تشمل جميع أنواع سلالة معينة. فبالإضافة إلى جاذبية هذه المخططات في حد ذاتها كونها تُوثق مسار التطور الذي أدى إلى التنوع الحيوي الراهن، فإنها تُرسخ أيضًا قواعد أساسية لأنواع مختلفة من الدراسات والأبحاث المستقبلية.

على سبيل المثال، تعتمد الجهود التصنيفية والنظامية لتوثيق الأنواع على هذه البيانات في تحديد السلالات الجديدة. وترتبط دراسات معدل التطور وعلاقته المحتملة بالتغيرات المناخية والجيولوجية بشكل أساسي بالأشجار التطورية التي تستند إليها تلك البيانات.

في الواقع، ما كانت لتوجد بعض التخصصات العلمية، كالجغرافيا الحيوية، والجغرافيا النباتية، والبيئة التاريخية التي تستخدم الأشجار الزمنية لدراسة الأنماط المكانية أو البيئية، لولا وجود علم تطوّر السلالات. وبينما نشهد تدهورًا في التنوع الحيوي العالمي وسط أحداث الانقراض المستمرة، تُعدّ دراسات تطور السلالات أدواتٍ أساسية في تحديد أولويات الحفاظ على الأنواع الحية وتقييم آثار جهودنا المبذولة لصونها.

ما هو مدى انتشار السلالات التطورية الكاملة؟

نظرًا للأهمية الكبيرة التي تتميز بها السلالات التطورية الجزيئية المتكاملة كأدوات بحثية قيّمة، قد يكون  من المفاجئ إدراك ندرة وجودها. في الوقت الحالي، تتضمن قاعدة بيانات التصنيف التابعة للمركز الوطني لمعلومات التقانة الحيوية (إن سي بي آي) تسلسلات جزيئية لما يقارب 500,000 نوع، بينما تشمل قاعدة بيانات «شجرة الحياة الزمنية»، وهي أضخم قاعدة بيانات للسلالات التطورية الموثقة والمحددة زمنيًا، ما يُقارب 150,000 نوع.

أثناء استكشافنا لمجموعة الدراسات المدرجة في قاعدة البيانات، اكتشفنا أن معظم الأشجار التطورية تميل لأن تكون صغيرة الحجم، إذ تشمل في المتوسط حوالي 25 نوعًا فقط. ويرجع ذلك إلى أن هذه الأشجار هي نتيجة جهود الباحثين المتخصصين في دراسة مجموعات محددة من الكائنات وثيقة الصلة، مثل الأجناس أو العائلات، حيث يُعطون الأولوية لتحقيق دقة عالية في نطاق دراستهم المحدود بدلاً من تغطية نطاق أوسع. لذلك، لن يتحقق الهدف المنشود المتمثل في إنشاء شجرة حياة مكتملة إلا إذا استطعنا توحيد هذه الجهود وجمعها في إطار واحد شامل.

منهج جديد للمُضيّ قُدمًا

حتى مع نُدرة الأشجار التطورية الكبيرة والمحددة زمنيًا بالكامل، والتي تحتوي على بيانات تسلسل جزيئي لجميع الأنواع، وجدنا أن المواد اللازمة لبنائها متوفرة بكثرة. فعلى سبيل المثال، تفوقُ الأشجار التطورية غير المُحددة زمنيًا بشكل كبير تلك المُحددة زمنيًا في المراجع العلمية، حتى في الأوراق البحثية المنشورة خلال العقد الأخير. وباستخدام عملية مُعايرة واحدة، أو بضع عمليات، يُمكن لهذه المُخططات أن تُصبح مُكوّنات قيّمة في شجرة الحياة الزمنية.

رغم أن العديد من الأنواع لم تُدرج في الأشجار التطورية الجزيئية حتى الآن، إلا أن هناك بيانات جزيئية لهذه الأنواع محفوظة في مستودعات مثل بنك الجينات التابع للمركز الوطني لمعلومات التقانة الحيوية، حيث تتوفر معلومات تسلسل الحمض النووي بشكل مجاني للباحثين. تُعد هذه المصادر من البيانات فرصة مهمة لبناء أشجار زمنية شاملة تغطي مجموعة واسعة من الأنواع.

في سلسلة من المنشورات العلمية، طورنا نهج لبناء شجرة فائقة يتضمن تجميع الأشجار التطورية الزمنية المنشورة التي تشمل الأنواع المستهدفة، ثم البحث عن الأشجار غير الزمنية التي تحتوي على الأنواع المتبقية، ومن ثم إجراء تحديد زمني جديد باستخدام معايرات ثانوية مستندة إلى إجماع الدراسات السابقة. وأخيرًا، يتم تجميع البيانات الجينية وترتيبها لبناء أشجار تطورية زمنية اعتمادًا على البيانات المتاحة للعامة.

في مجهودنا الأحدث، كشف هذا البحث عن بيانات وافرة لبناء شجرة تصنيفية توليفية جديدة تضم 455 نوعًا من الرئيسيات، وهو ما يمثل 98% من جميع الأنواع المُدرجة في تصنيف المركز الوطني لمعلومات التقانة الحيوية (إن سي بي آي)، ويزيد بـ 55 نوعًا عما هو موجود بالفعل في قاعدة بيانات شجرة الحياة الزمنية. تُعد شجرتنا الزمنية الجديدة الوصفَ الأكثر اكتمالًا للعلاقات التطورية بين الرئيسيات حتى الآن.

استكمال شجرة الحياة الزمنية

أكدت هذه الدراسة أن فهم التاريخ التطوري، حتى لبعض الأنواع الأكثر جاذبية على كوكب الأرض، لا يزال ناقصًا. مع ذلك، تُمكّننا الأدوات المتاحة لدينا من سد العديد من هذه الفجوات المعرفية. نرى أن منهجيتنا البحثية توفر أداة سهلة الاستخدام وذات قيمة كبيرة في تعزيز فهمنا للتطور. وتُعد الأشجار الزمنية المكتملة موردًا أساسيًا في العديد من التخصصات العلمية، وأثبتت الدراسة أن بناء الأشجار الزمنية الشاملة أمر مكن من خلال الاستفادة من البيانات المتوفرة.

علاوة على ذلك، تُمكّننا هذه الأشجار الزمنية الكاملة من اختبار فرضيات لم نكن لنستطيع اختبارها بطرق أخرى. على سبيل المثال، في هذه الدراسة، اختبرنا ما إذا كان من الممكن تفسير أعداد الأنواع في السلالات الرئيسية المختلفة بشكل أفضل من خلال معدلات فريدة لتفرع أنواع، إذ تُنتج بعض سلالات الرئيسيات أنواعًا جديدة بسرعة أكبر بكثير من غيرها، أو ما إذا كان التفسير الأفضل هو ببساطة عامل الزمن، إذ تُنتج جميع السلالات أنواعًا جديدة بالمعدل نفسه تقريبًا، وتجمع السلالات الأقدم أنواعًا أكثر بمرور الوقت.

وخلصنا إلى أن المجموعات الرئيسية من الرئيسيات تشترك بالفعل في معدلات متقاربة نسبيًا لتكوين الأنواع، وأن العمر الزمني للسلالة كان مؤشرًا أفضل على تنوع الأنواع فيها. ويُظهر هذا التحليل بوضوح أن غياب العديد من الأنواع أو التواريخ من الشجرة الزمنية كان سيجعل من الدراسة أقل دقة، ما يؤكد أهمية الأشجار الزمنية الكبيرة والمكتملة في مثل هذه الأبحاث.

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *