أصل الشيفرة الجينية: دراسة تكشف الحاجة إلى مراجعة النسخة المتعارف عليها

في هذه الصورة التوضيحية المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي لكوكب الأرض في فجر الحياة، يظهر بركان بعيد شامخ فوق بركة مياه ضحلة. يُعتقد أن الكائنات الحية الأولى قد تطورت في مثل هذه البيئات. حقوق الصورة: مولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي من قبل جوانا مازل.

مع كل هذا التنوع المذهل في الحياة، تشترك معظم الكائنات الحية، من البكتيريا إلى الحيتان الزرقاء، في الشيفرة الجينية ذاتها. وما زال توقيت ظهور هذه الشيفرة وكيفية نشأتها مثار جدل في الأوساط العلمية.

في مقاربة جديدة للمسألة القديمة نفسها، توصلت سوسن وهبي، طالبة الدكتوراه في برنامج الدراسات العليا متعددة التخصصات في علم الوراثة بجامعة أريزونا، إلى أدلة قوية تشير إلى أن النسخة «التقليدية» من تطور الشيفرة الجينية بحاجة إلى مراجعة.

تشير وهبي، المؤلفة الرئيسية للدراسة التي نُشرت في مجلة PNAS، إلى أن ترتيب انضمام الأحماض الأمينية، وهي اللبنات الأساسية للشيفرة الجينية، يتعارض مع ما يُعتبر «إجماعاً» علمياً بشأن تطور الشيفرة الجينية.

قالت جوانا مازل، المؤلفة الرئيسية المشاركة وأستاذة علم البيئة وعلم الأحياء التطوري بجامعة أريزونا:

«الشيفرة الجينية هي نظام مذهل يتم فيه ترجمة تسلسلات من ثلاثة نيوكليوتيدات، تُعرف باسم الكودونات، في الحمض النووي أو الحمض النووي الريبي، إلى تسلسلات بروتينية باستخدام 20 نوعاً مختلفاً من الأحماض الأمينية. إنها عملية معقدة بشكل مذهل، وشيفرتنا الحالية جيدة للغاية وقريبة من المثالية في عدة جوانب، ما يشير إلى أنها تطورت عبر مراحل متعددة».

كشفت الدراسة أن الحياة في بداياتها فضلت الأحماض الأمينية الصغيرة على تلك الأكبر والأكثر تعقيداً التي أُضيفت لاحقاً. كما انضمت الأحماض الأمينية التي ترتبط بالمعادن في وقت أبكر مما كان يُعتقد سابقاً. وأخيراً، توصل الفريق إلى أن الشيفرة الجينية الحالية جاءت بعد شيفرات أخرى انقرضت منذ زمن بعيد.

يجادل الباحثون بأن الفهم السائد لتطور الشيفرة الجينية معيب لأنه يعتمد على تجارب مختبرية مضللة بدلاً من الأدلة التطورية. على سبيل المثال، يعتمد أحد أعمدة النظرية التقليدية لتطور الشيفرة الجينية على تجربة «ميلر-يوري» الشهيرة في عام 1952، التي حاولت محاكاة الظروف التي ربما شهدت نشأة الحياة على الأرض.

مع أن التجربة أثبتت إمكانية نشأة اللبنات الأساسية للحياة، بما في ذلك الأحماض الأمينية، من مادة غير حية من خلال تفاعلات كيميائية بسيطة، إلا أن استنتاجاتها تعرضت للتشكيك. على سبيل المثال، لم تنتج التجربة أحماضاً أمينية تحتوي على الكبريت، على الرغم من وفرة العنصر على الأرض المبكرة، ما أدى إلى الاعتقاد بأن هذه الأحماض انضمت لاحقاً إلى الشيفرة. لكن هذه النتيجة ليست مفاجئة بالنظر إلى أن الكبريت لم يُدرج في مكونات التجربة.

وفقاً لدانتي لوريتا، أستاذ علوم الكواكب والكيمياء الكونية بجامعة أريزونا وأحد المشاركين في الدراسة، توفر الطبيعة الغنية بالكبريت للحياة المبكرة رؤى لعلم الأحياء الفلكي، خاصة في فهم إمكانية وجود الحياة وتوقيعها الحيوي في البيئات خارج كوكب الأرض.

«في عوالم مثل المريخ، وإنسيلادوس، وأوروبا، حيث تنتشر مركبات الكبريت، يمكن أن توجهنا هذه الرؤى في البحث عن الحياة، من خلال تسليط الضوء على دورات كيميائية حيوية مشابهة أو استقلاب الميكروبات».

استخدم الفريق طريقة جديدة لتحليل تسلسلات الأحماض الأمينية عبر شجرة الحياة وصولاً إلى السلف الشامل الأخير (LUCA)، وهو كيان مفترض يمثل مجموعة الكائنات التي عاشت قبل نحو 4 مليارات عام وتُعد الأصل المشترك لجميع أشكال الحياة المعروفة اليوم. على عكس الدراسات السابقة التي استخدمت تسلسلات بروتينية كاملة، ركزت وهبي وفريقها على نطاقات البروتين، وهي أجزاء أقصر من الأحماض الأمينية.

قالت وهبي: «إذا فكرت في البروتين كسيارة، فإن النطاق يشبه العجلة. هو جزء يمكن استخدامه في سيارات مختلفة، والعجلات موجودة منذ فترة أطول بكثير من السيارات».

لتحديد زمن انضمام حمض أميني معين إلى الشيفرة الجينية، استخدم الباحثون أدوات تحليل إحصائية لمقارنة وجود كل حمض أميني في تسلسلات بروتينية تعود إلى السلف الشامل الأخير وما قبله. تشير الأحماض الأمينية التي ظهرت بكثرة في التسلسلات القديمة إلى أنها دُمجت في مراحل مبكرة، بينما احتوت التسلسلات الأحدث على أحماض أمينية انضمت لاحقاً إلى الشيفرة الجينية.

تمكن الفريق من تحديد أكثر من 400 عائلة من التسلسلات التي تعود إلى السلف المشترك الشامل الأخير، نشأت أكثر من 100 منها قبل ذلك وبدأت بالتنوع قبل (لوكا). وُجد أن هذه التسلسلات تحتوي على أحماض أمينية ذات بنى حلقية خاصة، مثل التريبتوفان والتيروسين، رغم أنها أضيفت في وقت متأخر إلى الشيفرة.

قالت مازل: «يمنحنا هذا رؤية أوضح لشيفرات جينية أقدم، سبقت شيفرتنا الحالية واختفت في غياهب الزمن الجيولوجي. ويبدو أن الحياة في مراحلها الأولى كانت تميل إلى البنى الحلقية».

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *