فسيفساء العقل: كيف تطورت أدمغة الفراشات لتتعلم وتتذكر بشكل أفضل؟

نوع من الفراشات الاستوائية يتميز بتوسع غير اعتيادي في هياكل دماغه، يكشف عن نمط فسيفسائي فريد لتوسع الخلايا العصبية، وهو ما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالابتكار المعرفي.

تستقصي دراسة نشرت في مجلة كارّنت بيولوجي الأساس العصبي للسلوكيات المبتكرة لدى فراشات الهليكونيوس، وهي الفصيلة الوحيدة المعروفة بتغذيتها على الرحيق وحبوب اللقاح معًا. تُظهر الفراشات ضمن هذا السلوك قدرة استثنائية على تعلم وتذكر المعلومات المكانية حول مصادر غذائها، وهي مهارات ارتبطت سابقًا بتوسع منطقة في الدماغ تسمى أجسام الفطر، والتي تلعب دورًا في تعزيز التعلم والذاكرة لديها.

فيديو لدماغ فراشة الهيليكونيوس. حقوق الفيديو: ماكس فارنورث

يشرح المؤلف الرئيسي للدراسة، الدكتور ماكس فارنوورث من كلية العلوم البيولوجية بجامعة بريستول: «هناك اهتمام كبير لفهم كيف تساهم بنية الدماغ الأكبر حجمًا في تعزيز الإدراك، والدقة السلوكية، أو المرونة. ولكن أثناء تطور الدماغ وزيادة حجمه، يصعب غالبًا فصل آثار الزيادة في الحجم الكلي عن التغيرات التي تحدث في البنية الداخلية».

للإجابة على هذا السؤال، تعمّق مؤلفو الدراسة في التغيرات التي طرأت على الدوائر العصبية المسؤولة عن عمليات التعلم والذاكرة لدى فراشات الهليكونيوس. تشبه الدوائر العصبية إلى حد كبير الدوائر الكهربائية، حيث تتصل كل خلية بمجموعة محددة من الخلايا المستهدفة، لتجمع بذلك شبكة من الاتصالات. تعمل هذه الشبكة على توليد وظائف محددة من خلال تكوين دوائر عصبية.

كشفت دراسة معمقة لدماغ الفراشة عن نمو متفاوت لمجموعات معينة من الخلايا العصبية تعرف بخلايا كينيون. هذا التباين في النمو أدى إلى ظهور نمط تطوري جديد أطلق عليه الباحثون التطور الفسيفسائي للدماغ، حيث تتوسع بعض أجزاء الدماغ بينما تبقى أخرى ثابتة، أشبه ما يكون بقطع الفسيفساء المختلفة عن بعضها البعض.

أوضح الدكتور فارنوث: «إننا نتوقع أن تكون الأنماط الفسيفسائية للتغيرات العصبية التي لاحظناها مرتبطة بتحولات محددة في الأداء السلوكي. ويتوافق هذا مع مجموعة واسعة من التجارب التعلمية التي أظهرت تفوق فراشات هيليكونيوس على أقرب أقاربه في سياقات محددة للغاية، مثل الذاكرة البصرية طويلة الأمد وتعلم الأنماط».

تعتمد فراشات الهليكونيوس على حبوب اللقاح كمصدر غذائي أساسي، بالتالي فهي بحاجة طرق تغذية فعالة في بيئتها التي تتميز بندرة النباتات المنتجة لحبوب اللقاح.

قال الدكتور ستيفن مونتغمري، مشرف المشروع والمؤلف المشارك: «بدلًا من الطيران بشكل عشوائي بحثًا عن الغذاء، يبدو أن هذه الفراشات تختار مسارات ثابتة بين مصادر الرحيق، تشبه خطوط الحافلات. إن عمليات التخطيط والتذكر اللازمة لهذا السلوك، تتم بواسطة تجمعات عصبية داخل أجسام الفطر، ولهذا السبب نحن مفتونون بالدوائر الداخلية».

«تشير نتائجنا إلى أن جوانب محددة من هذه الدوائر العصبية قد خضعت لتعديلات دقيقة لتمكين فراشات الهليكونيوس من تطوير قدرات محسّنة».

تساهم هذه الدراسة في تعميق فهمنا لكيفية تطور الدوائر العصبية لتواكب التغيير والابتكار المعرفي. إن دراسة الدوائر العصبية في أنظمة نموذجية سهلة التحكم، مثل الحشرات، تَعِدُ بكشف الآليات الجينية والخلوية المشتركة بين جميع الدوائر العصبية، وبالتالي سد الفجوة المحتملة بين هذه الكائنات الحية وكائنات أخرى مثل الإنسان على الأقل على المستوى الميكانيكي.

يسعى الباحثون في المستقبل إلى استكشاف الدوائر العصبية التي تتجاوز مناطق التعلم والذاكرة في دماغ الفراشة. ويهدفون أيضًا إلى تحسين دقة الخرائط العصبية لتصور كيفية اتصال الخلايا العصبية الفردية على مستوى أكثر تفصيلًا.

يُضيف الدكتور فارنوث: «لقد أدهشني حقًا أن نجد هذا المستوى العالي من الحفاظ على بنية الدماغ، مع ذلك، نلاحظ في الوقت ذاته تغييرات واضحة ومميزة».

اختتم الدكتور مونتمري قائلًا: «يشكل هذا مثالًا مثيرًا وجميلاً على طبقة من التنوع البيولوجي لا نلاحظها عادة، ألا وهي تنوع الأنظمة الدماغية والحسية، وسبل معالجة الحيوانات للمعلومات الواردة من بيئتها واستخدامها».

 

ترجمة: علاء شاهين

المصدر: phys.org

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *